المحاماة هي مهنة حرة مستقلة لا تخضع لأية سلطة سوى سلطة الضمير، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة لحد جعل القانون يخندق أفرادها ضمن أسرة القضاء. رسالتها إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى تبتغي محاربة الظلم بشتى أنواعه ومجابهة الظالمين بغض النظر عن نفوذهم وصفاتهم، فكانت بذلك، في كل الأزمنة، نصير المظلومين ومهنة العظماء.
مهنة المحاماة تتصل اتصالا وثيقا بحق الدفاع الذي يعتبر حقا عالميا تبنته مختلف دساتير العالم كحماية للمتقاضين وليس للمحامين، لذلك يسطع نجمها كلما كانت الدولة المزاولة فيها دولة الحق والقانون، دولة المؤسسات، دولة فصل السلط عن بعضها البعض بمفهومه الحقيقي الذي يجعل من ربط المسؤولية بالمحاسبة أحد أعمدته، فالوزير والقاضي والبرلماني والعامل وصانع الأحذية والتاجر …كلهم سواسية أمام القانون.
في مثل الدول المذكورة أعلاه عندما يهدر حقك لن تجد من يعيده لك غير المحامي، لن ينفعك اعتصامك ولا التجائك لمنظمات المجتمع المدني ولا بحثك عن القاضي. فقضية سعد لمجرد على سبيل المثال لم تكن لتعرف ما عرفته لولا المحامي الوحش” موريتي”، والملك محمد السادس لو لم يكن يعلم أن فرنسا بها استقلالا حقيقيا للسلطة القضائية لما كان استنجد بمحام لمؤازرة سعد لمجرد ولكان قد أمر القاضي مباشرة كما هو الحال في الدول المتخلفة.
أما في الدول الفاسدة كالدولة التي نعيش فيها، فإن المحامي أصبح فيها وللأسف الشديد محتاجا في حد ذاته إلى محام يدافع عنه ويذكر الدولة بحقوقه المغتصبة وبكونه محام وليس ” سمسار ” مهمته نقل الأمانة إلى القضاة، لدرجة جعلت كل المتقاضين يبحثون عن محام يعرف القاضي بغض النظر عن مؤهلاته، وفي أحوال أخرى فإن المتقاضين يربطون الاتصال مباشرة بالقاضي ويحكمون الملف بمعيته، وهذا ما يفسر أن مكاتب القضاة أصبحت تعج بحركة لا مثيل لها، لدرجة يستغرب فيها العاقل اهي مكاتب قضاة أم مكاتب مستشارين قانونيين أم محامين ؟؟؟
أما أولئك المتقاضين الجهلة الذين ليست لهم خبرة بالمحاكم، فإنهم يكونون ضحايا للسماسرة التي تعج بهم المقاهي المحيطة بالمحاكم وغيرها تحت أنظار جل المسؤولين، وهكذا فإنهم وبدل أن يقتصروا على أجرة الحاكم يضيفون إليها حتى أجرة السمسار، والله يجعل الغفلة ما بين البائع والشاري….
الدولة لم تكتفي بكل ما ذكر أعلاه ولم تشفق على حال المحامي وحاولت أن تخفف عجزها عن خلق فرص الشغل وأغرقت مهنة المحاماة بأشخاص لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد برسالة المحاماة وأعرافها وتقاليدها الضاربة في التاريخ، حتى أصبحت مهنة المحاماة مهنة من لا مهنة له.
في ظل كل هذه الأوضاع يأتي بعض المحامين الغيورين على المهنة وبعض المناضلين الأشاوس ويعلنون تضامنهم مع محام تعرض للسب فقط من قبل شرطي، مع العلم أن المحامي تنتهك يوميا كرامته ويداس عليها بأقدام متسخة، حينما يأتي إليه المتقاضي محاولا جعله وسيطا بينه وبين القاضي، وحين يرى السماسرة أكثر نفوذا وجاها منه، وحين يمرض فلا يجد تغطية صحية، وحين يشيخ فلا يجد تقاعدا يحمي كرامته وهو في سنواته الأخيرة، وحين يرفض أن يكون سمسارا فلا يجد لقمة يعيش بها، وحين يرى عدالة بلده عرجاء رأسمالية لا تؤمن إلا بالملايين…ومع ذلك لا يدافع عنه أحد.
لهذا فإن قضية المحامين قضية أكبر من السب الذي تعرض له أحد اخوتهم من قبل شرطي أمي يعلم علم اليقين أن المحامي حائط قصير يسهل القفز عليه، وهم حقا في حاجة لمن يدافع عنهم وعن أمهاتهم.