كانت البداية الأولى عبارة عن رسائل إلكترونية، مبثوثة عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مصاغة بلغة عادية وفي غاية البساطة، تعود لشباب مغاربة وجزائريين، والجزائريون هم الأسبق والأكثر هندسةً لهذه الخطة، وإن كانت لم تقدّم نفسها بَعدُ كخطةٍ أو عملٍ مدبَّرٍ إلا حين البدء في تنفيذها…
انضم إليها فيما بعد جيش مختلط من مختلف الجنسيات، من المقيمين بالمغرب أو المتخذين منه نقطةَ عبورٍ نحو عمليات “حريك” محتملة، وكانت تلك الرسائل تتحدث باقتضاب عن سوء الأحوال بالبلاد، ويقصد بها المغرب، وانسداد الأفق، وضياع أي أمل في مستقبل واعد ومشرق… ألى آخر هذا الضرب من البكائيات المعلومة!!
ضربت تلك الرسائل لمتلقيها موعداً ليوم الخامس عشر من شتنبر، للقاء فوق المرتفعات وعبر الغابات الصغيرة والمتفرقة، القريبة من الشريط الحدودي لمدينة الفنيدق، الفاصل بينها وجارتها السليبة سبتة، مع إقرار العزم مسبقاً وحتمياً للقيام بعملية اجتياح لا تقل عنفاً وشراسةً من تلك التي عرفتها جدران القضبان الحديدية والأسلاك الحائلة دون المدار الترابي لمدينة مليلية، السليبة أيضاً، لولا أن الله سلّم هذه المرة، حيث استطاعت قوات الأمن المغربي والقوات المساعدة أن تحبط هذه المحاولة دون خسائر تذكر، لأنها كانت على علم مُسْبَق بالأمر منذ بدء التخطيط له تواصلياً، ولذلك كانت إنزالاتها في الوقت المناسب، وبالعُدّة والتِّعداد المناسبين، وبالاحترافية المعتادة!!
كان الأمر يبدو شبهَ طبيعي، لتعلقه بمحاولات معلومة ومتكررة للهجرة غير النظامية، لولا أن هناك اعتبارات لا يمكن ان تخطئها أعين وبصائر المتتبعين ذوي الخبرة في هذا المضمار… فكيف ذلك؟
أولاً: كانت عملية الاجتياح تلك، مطبوخة على نار هادئة في غرف مظلمة يُقيم فيها خارج الوطن أشباه معارضين مغاربة ممن باعوا الذمة والضمير والانتماء، وقبضوا الثمن ملاييناً من الأوروهات المنهوبة والمسروقة من مقدرات الشعب الجزائري المسطول والمغيَّب، دفعتها، ومازالت تدفعها بسخاءٍ يصل إلى حد السَّفَه، مخابراتٌ بليدة يَشبع العالم فيها على مر الأيام سخريةً وضحكاً، لا يمكن أن تكون إلا جزائرية!!
معارضون من النوع الرخيص يقبضون من أجل بث أخبار بعضها للأسف يكتسي نوعاً من الصحة، حول سوء تدبير الحكومة المغربية لبعض المجالات من الشأن العام، ويتفننون في إجراء مقارنات مقصودة ومبيّتة بين هذه المآخذ، وبين الاستعدادات الجادة والقائمة على قدم وساق لاحتضان فعاليات كل من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في نهاية 2025 ومطلع 2026، ونظيرتها العالمية برسم 2030, مدّعين، وأقصد دائما بائعي الضمير أولئك، بأن كل ما يقوم به المغرب الصاعد استعدادا لهذه الاستحقاقات إنما يتم على حساب الفئات الهشة والمستضعفة، ومدّعين بلا أدنى نزر من الحياء، بأن بلادنا ما كان لها أن تترشح لتنظيم أيٍّ من تلك التظاهرات إلا بعد أن تصبح في مثل سنغافورة، أو السويد او فنلندا، ولِمَ لا الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وهم يعلمون حق العلم بأن هذه الأخيرة توجد لديها من الفئات المهمّشة والهشّة والفقيرة أكثر بكثير مما لدى بلداننا الصاعدة، بالرغم من كونها تتوفر على أعظم وأكبر وأفضل اقتصاد في المعمور!!
ثانيا: إن هذه العملية منذ بداية الإعداد لها على أيدي أشباه المعارضين أولئك، انضمّت إليها مخابرات عبلة وبثت فيها العشرات من ذبابها العفن، بل دفعت بأكثر من مائة وستين من ذلك الذباب إلى المجيء إلى المغرب عن طريق الجو، مرورا بتونس أو بإحدى بلدان أوروبا، مستغلين عدم فرض التأشيرة عليهم إكراماً للأواصر، ثم السفر بواسطة حافلات النقل عبر المدن إلى الفنيدق رأساً، كما يفعل السياح الاعتياديون، ومِن ثَم البدء في الاحتشاد استعداداً للاجتياح السابق ذكره…
العناصر المخابراتية الجزائرية كانت إَذَن حاضرة وبقوة، ويكفي التذكير بأن قوات الأمن المغربي الرائعة استطاعت أن تضبط منها ما يزيد عن مائة وستين جزائريا بالتمام والكمال!!
ثالثاً: إن هذه العملية لم تكن بأي شكل من الأشكال تلقائية كما يحاول أن يقدمها بعض الأقلام الهجينة أو المأجورة، بل كانت معدّةً ومخططاً لها بمكر شيطاني، لأنها لم تغفل إقحام أطفال في عمر الزهور ضمن جحافلها، حتى أن من بينهم من لا يزيد عمره عن اثني عشر ربيعاً… فأيّ ذمة عند هؤلاء، وأي خدمة هذه التي يدّعون تقديمها لشباب مسدود الآفاق كما يقولون في أدبياتهم التي ناءت بها وسائل التواصل، وخاصة تلك الصادرة عن أشباه المعارضين المقيمين في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا على حساب مخابرات عبلة البالغة أقصى مراتب البلادة والغباء!!
* نهايته… هناك الكثير مما ينبغي عمله على صعيد حكومة تشكو من الكثير من الآفات، وتبدو قطاعاتُها سائرةً بسرعات متفاوتة وبغير تناسق وتكامل ظاهرَيْن، ومطلوبَيْن بكل تأكيد!!
* هناك الكثير مما ينبغي فعله على أيدي أحزاب يبدو منذ زمن غير يسير أنها تخلّت عن دورها الدستوري في التربية السياسية والمدنية والتأطير والتوجيه، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني الأخرى التي جعلها الدستور شريكةً فاعلةً في تدبير الشأن العام، لكل مَن أراد ان يُدلي بدلوه بكل غيرة ومواطَنة!!
* هناك دور الأسر، التي باتت تُخَرِّج لنا أطفالا آباؤهم هم الذين يدفعونهم إلى البحث عن وسائل “للحريك” خارج الوطن بعد أن تركوا مقاعدهم المدرسية لسبب أو لآخر، فضلا عن الغياب الغريب والمريب لقواعد التربية الأسرية التي ترعرعت في ظلها أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات… والتي لم نعد نسمع عنها الآن إلى في حكايا الجدّات، أو بين تنهيدات وتأوّهات شيوخ متقاعدين باتوا ينظرون إلى كل ما حولهم ومَن حولهم بعين الحذر والريبة!!
* ثم هناك إعلام يبدو جد متقاعس عن السير بالهمة والفعالية اللازمتين، ليس فقط للتنوير والتحسيس بخطورة مثل هذه المحاولات، النائلة من راحة الوطن وأمنه واستقراره، فضلا عن كونها تشكل مساساً خطيراً بسمعته، بينما هو يقدم نفسه في صورة اقتصاد صاعد يشرئبّ إلى الالتحاق بنادي الكبار، ويستعد لاستقبال آلاف الصحافيين وملايين الزوار من سياح الثقافة والرياضة والتجارة والتبادل الثقافي والحضاري، ومن المثقفين والجامعيين وأخصائيي التربية، والأخصائيين النفسانيين، ومن كل الأطياف الإنسانية الأخرى التي قد لا تخطر على بال أحد منا…
وأخيراُ… هناك هذا الآصرة التي أفرغها الجيران العدائيون من روحها وجوهرها، والتي ما عادت لتصلح كمبرر للسماح للجزائريين خاصةً بالولوج إلى ترابنا الوطني بدون تأشيرة سفر، وبدون الإجابة على كل الأسئلة الأمنية التي تفرض الإجابة عليها كل الدول التي تحترم نفسها وتفرض بالتالي احترامها على الآخرين…
نعم… إن الحمل ثقيل، وثقيل جدا… واليد الواحدة لا تصفق… وأرجو أن تكون الرسالة قد وصلت كما ينبغي!!!
_____________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.