نحن على شفى حفرة عميقة ومظلمة… والفساد خلفنا يزحف بكل أسطوله لدفعنا إلى داخل تلك الحفرة….مستمدا قوته من شبح الانفتاح والتحرر الذي رسخ لمفاهيم جديدة لا علاقة لها بمعنى الكلمتين…مفاهيم تحولت إلى فيروسات ضربت في العمق أعمدة وأسوار المجتمع، وجردت هياكله وروابطه المتينة، وزعزعت بنيانه…من أجل إرضاء جهات خارجية، وكسب عطف قلوبها وجيوبها…كنا نتوخى من حكومة عبد الإله بنكيران الإسلامية الشيء الكثير، ومن كل تلك الأشياء الحفاظ على سمعة وكرامة وشرف المغاربة، وحماية دينهم الإسلامي، والتصدي لمن يسعون إلى تعرية المغاربة وإفساد عقولهم بمظاهر التعري والفساد الجنسي. و تحصين القطب الإعلامي العمومي، وأخص بالذكر القنوات التلفزيونية المغربية العمومية، التي تمول برامجها من أموال المغاربة. وتنقية رفوفها ومكاتبها من الدخلاء الذي يخدمون أجندات غربية. كنا نأمل أن يستمر صراخ الإسلاميين وتنديدهم كما كان في السابق… لا أن يقبلوا بالتنازل عن مواقفهم وإعطاء التبريرات الواهية، وإطلاق سياسات (عفا الله عما سلف، إعدام صندوق المقاصة، الزيادة في الأسعار…).
لقد تحولت الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون المغرب إلى امرأة حائرة وتائهة تقضي أيامها في محاولات لفت الاهتمام، بماكياجها وربطة شعرها ولباسها وطريقة مشيها وتحدثها…تحاول اصطناع مظاهر مختلفة لعلها تفوز بنظرة إعجاب وتقدير دولية دون اعتبار لمطالب الشعب الحقيقية. لا أحد يجادل في أن المغرب مستقر أمنيا، ولسنا في حاجة لأن يصعد في كل مرة مسؤول إلى منبر، ويصرح بها، وكأنه هو من صنع الاستقرار الأمني. علما أن الاستقرار صنعه المغاربة (الطيبون والطيبات)، لقناعاتهم بأن لا استقرار بدون تنمية، ولأنهم يقدسون دماءهم، ويحترمون أطفالهم ونساءهم وشيوخهم ومرضاهم. لا أحد يجادل في أن المغرب أجمل بلد في العالم بكل مقوماته البشرية والطبيعية، ولسنا في حاجة لكي يطربنا مسؤول بها في كل مداخلة أو تصريح، يرددها على مسامعنا وكأنه هو من رسم وشكل جمال المغرب الطبيعي، وغرس نبات ومشاتل طبيعته الخلابة… لا أحد يشكك في أن المغرب يزخر بكفاءات وطاقات بشرية خلاقة ومبدعة قادرة على ترسيخ التنمية الحقيقية والرقي بالشعب إلى مراتب أعلى…والشهادات في هذا الاتجاه تنطق بها أعرق الدول والحضارات، التي عرفت كيف تستفيد من طاقاتنا البشرية… لكن بالمقابل فإن لا أحد يقبل بأن يكون انفتاحنا وتحررنا هو سبيل سقوطها وفشلنا. ولا أن يصبح هذا البلد الأمين (بقدرة الخالق)، مسرحا للانزلاقات والتجاوزات الدينية والسياسية والثقافية، حيث سن البعض قوانينهم الخاصة وأصبح (العرف) بديلا لقانون البلاد… وزاد التحرر فيه إلى درجة قياسية، لم تعد هناك خطوط حمراء ولا سوداء، تحمي الدستور وأعمدة وأسوار البلاد وتعصمها من انتقادات تهدف إلى زعزعة أمن وسلام المغرب والمغاربة.، والتي يكون وراءها جاهلين أو عارفين مسخرين… هاهم المغاربة توافقوا على دستور 2011، وإن كان بعضهم وهم أقلية، غير مقتنعين بكماليته، ويرغبون في المزيد من الانفتاح والديمقراطية. لكن ذلك الدستور الذي سعينا إلى إعادة طرزه وخياطته ونسجه وفق ما تشتهيه الملائكة والعفاريت والتماسيح… لم نوفق بعد مرور أربع سنوات من أجراة قوانينه، ولازلنا نطرب الشعب بأوثار قوانين سابقين وأعراف.
فلنتساءل أولا عن سبب تعثر الدساتير السابقة، وهل كانت عرجاء وصماء بكماء إلى درجة تجعلنا نثور ضد الدستور ونطالب بتعديله أو تغييره جدريا…لقد ظلمنا تلك الدساتير بغض النظر عن محتواها، لأننا لم نتمكن يوما من أجرأتها على أرض الواقع، ولم يوفق البرلمان بغرفتيه في تنزيل كل القوانين اللازمة لأجرتها. لتضل كل الدساتير أو كما يحب البعض نعتها ب(الدستور الواحد المعدل أو الملقح)، حبرا على ورق، وتتحول فصولها إلى شعارات يهتف بها المسؤولون كلما أرادوا الرد على انتقادات دولية، أو إسكات الجاهلين من الشعب، وخصوصا فئة (المغفلون) الذين لا يحميهم القانون لجهلهم لفصوله… فكم من قضايا ضلت عالقة بالمحاكم بسبب انعدام فصول و بنود قانونية تعاقب المخلين ببعض فصول الدستور، وكم من قضاة اضطروا إلى فتح باب الاجتهاد أو (المندل) من أجل الحكم في قضايا يجرمها الدستور، ولا يملكون لها قوانين إجرائية… ولكم و لكم… لكم أحزنني أن يخرج المتضررون من السكن يوميا للمطالبة ب(قبر الحياة)، أو هؤلاء الشباب المطالبين بالشغل، وهما حقان يضمنهما لهم الدستور. لكم أحزنني أن يكون بين هؤلاء أناس مدسوسين، يسعون إلى التموقع والتصارع السياسي، وأن يتم قبولهم ضمن المجموعة المتضررة، والتغاضي عن أفعالهم الدنيئة. ولعل حزني يزيد أكثر فأكثر حين استمع إلى متضرر يلقي باللائمة على مسؤول لا علاقة له بالضرر الذي لحق به، ويترك الجاني عليه بعيدا عن كل لوم أو انتقاد. لكم تمنيت أن تنزع الدولة رداء (الهاجس الأمني)، الذي يضل لصيقا بكل برامجها ومشاريعها، وأن تثق بأن الشعب المغربي الطيب، يأمل في حياة كريمة، وأن الدولة يجب أن تلعب دور الأب الحاضن لكل الشعب، لا لجزء منه… إن الهاجس الأمني مرض خطير يجعل بعض أجهزتها تسارع إلى حيث يجب ألا تكون…فكيف لقائد أو باشا أو عامل أن يحاور المواطنين في شأن أمور تخص المنتخبين، بل منهم من يقدمون وعودا للمتضررين وأصحاب المطالب الخدماتية، علما أن بعض تلك الخدمات أو المشاريع تستوجب حضور مكاتب مسيرة لجماعات محلية، أو ربما عقد دورات عادية أو استثنائية للتأشير عليها. فما علاقة القائد والباشا والعامل بمعضلة الماء والكهرباء والنظافة وتطهير السائل والبنية التحتية…ولما يصر رجل السلطة التابعة وزارة الداخلية حشر أنفه في مشاكل تخص المواطنين وحلولها بيد الجماعات المحلية أو القضاء… إنه بطبيعة الحال الهاجس الأمني… هذا الهاجس الذي جعل مجموعة من الأعضاء المستشارين يغطون في نوم عميق خارج تغطية صراخ وأنين الساكنة. وجعل بعضهم يكتفي بتقديم خدمات للمواطنين لا علاقة لها بمهامه التي انتخب من أجلها… من قبيل بعض الوثائق الإدارية التي تستخرج للمواطنين من مقرات تلك الجماعات… أو تقديم بعض الخدمات خلسة… أو الوساطة أو البحث عن وظائف وشغل لأبناء وبنات الناخبين.