هنا وهناك في قمم الجبال والهضاب وفي المنحدرات والسفوح… مدارس أحدثت بعشوائية، وبدون أدنى تخطيط مسبق، … فوق برك وأحواض مائية، أو في مناطق منعزلة تلبية لبعض الوجوه السياسية والنافدة… بنيات متدهورة و غير نظيفة… بدون مرافق للتطهير… يلجها أطفال أبرياء بعد معاناة يومية مع صعوبة المسالك والفيضانات والحرارة المفرطة حسب فصول السنة… حرب ضارية خلال فصل الشتاء ضد مجاري الأودية وانفجار القناطر والسدود والمسالك المقطوعة… وقتال عنيف ضد الأوبئة والأفاعي والعقارب والجراثيم تحت أشعة الشمس الحارقة خلال فصل الصيف… أطفال يصعب عليهم التحصيل الدراسي داخل قاعاتها بسبب الروائح الكريهة الناتجة عن الرطوبة بفعل التسربات المائية من أسقفها أو نوافذها… هذا الوضع المتأزم المفروض على ساكنة المغرب النائي، لا يعدو أن يكون امتدادا للعبث والعشوائية التي يعرف قطاع التعليم بكل مناطق المغرب، وخصوصا بالنسبة لجانبي الصحة والنظافة. … ألم يحن بعد تفكير واهتمام الدولة بأولوية نظافة وصحة التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية ببلادنا؟ . بتزويد تلك المؤسسات بالماء والكهرباء، وإحداث مراحيض نظيفة وكافية للاستيعاب. ألم يحن بعد التفكير في إحداث مراكز صحية داخلها والاعتناء بالدفتر الصحي للتلاميذ المهمل برفوف مكاتب الإداريين والحراس العامين. وتوفير طاقم طبي قادر على مراقبة وتتبع صحة التلاميذ؟ . ألم تضع الدولة هدف تعميم التعليم، وهي تعرف جيدا أن بتوفير الرعاية الطبية للتلاميذ، فهي توفرها لكل الأطفال المغاربة. وأن بعض المؤسسات المدرسية أصبحت مكتظة بالتلاميذ إلى درجة أن عددها بات يفوق عدد ساكنة بعض الأحياء السكنية، وأنها تستوجب بناء مستوصفات داخلها. سلسلة مشاكل صحية تعترض التلاميذ داخل المؤسسات التعليمية. حيث ندرة أو تلوث أو انعدام المياه داخل بعض المؤسسات التعليمية، وبعد أو افتقار بعض المناطق لمراكز ومستوصفات صحية قريبة من المؤسسات التعليمية، وخصوصا الابتدائية منها. وكذا المشاكل التي تعترض الإداريين عند إصابة أي تلميذ بمرض أو مكروه ما، حيث يتعذر في بعض الأحياء الحصول على سيارة إسعاف لنقل المريض أو المصاب، كما أن بعض أفراد عناصر الوقاية المدنية يترددون في الاستجابة لنداءات الإدارات، بسبب كثرة النداءات، وكذا بسبب توصلهم بطلبات استغاثة كاذبة. ولعل النقطة التي أفاضت كأس الغضب لدى مجموعة من الآباء والأمهات، تتمثل في الدفتر الصحي للتلميذ، الذي ناذرا ما يجده التلميذ لدى إدارة المؤسسة، وإن تم العثور عليه، فإنه يكون خاليا من أية تقارير أو متابعة طبية. علما أن بعض الآباء يضطرون إلى تزوير محتوى الدفاتر الصحية لتقديمها ضمن الوثائق اللازمة لولوج المعاهد والكليات. فبعيدا عن المراكز الصحية وفي غياب برامج واضحة ودقيقة لمسؤولي الصحة المدرسية …يبقى التلاميذ عرضة لكل أنواع الأمراض والمضاعفات. فالتلاميذ المرضى المحالون على المستوصفات المجاورة لمؤسساتهم التعليمية، والمفروض أن تتم إحالتهم صحبة مرافق إداري ومعهم الدفاتر الصحية، للوقوف على وضعية التلميذ الصحية، وتتبعها بتقارير تدون في تلك الدفاتر. غالبا ما يهملون مباشرة بعد نقلهم من طرف عناصر الوقاية المدنية، هؤلاء يكتفون بوضع المريض داخل المستشفى وتركه لوحده دون ولي أمر ولا مرافق إداري، ودن إخبار ولي أمره. وتبقى المذكرة الوزارية رقم ستة الصادرة بتاريخ 3 فبراير 2004 أهم ما يعتمد حول موضوع الدفتر الصحي المدرسي والفحوصات الطبية المنتظمة ، وتنص المذكرة على ضرورة توفر كل تلميذ على دفتر صحي مدرسي الذي عمدت الوزارة إلى إعادة النظر في محتواه بشكل يسهل عملية التعبئة والاستثمار ، وفي طريقة توزيعه، واعتبرت المذكرة أن الدفتر الصحي المدرسي وثيقة أساسية في ملف التلميذ ، لذا ، يجب إلزام التلاميذ الجدد ، المسجلين في السنة الأولى من التعليم الابتدائي ، باقتنائه وتسليمه إلى المؤسسة التي تقوم بتعبئة الجزء الخاص بالمعلومات الشخصية وختمه بطابع المؤسسة . ويتم حفظ الملف الصحي للتلميذ بعناية تحت مسؤولية مدير المؤسسة التعليمية أو الأستاذ المسؤول عن الفرعية ، ويتوجب في جميع الحالات الحفاظ على سرية المعلومات الصحية . لكن محتوى المذكرة ضل حبرا على ورق.
برنامج الدولة يتضمن ثلاثة فحوصات طبية رسمية نادرا ما تقوم بها اللجن الخاصة بالصحة المدرسية، يستفيد منها التلاميذ والتلميذات طيلة مسار دراستهم. حيث يخضعون لفحص أولي عند التحاقهم بالسنة الأولى ابتدائي وفحص ثاني عند التحاقهم بالأولى إعدادي وفحص ثالث عند ولوجهم السنة الأولى الجامعية. وهي فحوصات تشمل كل الأمراض الممكنة وخصوصا التي قد تعيق مسار التلميذ التعليمي. مع العلم أن هناك حملات موسمية خاصة بالتلقيح ضد بعض الأمراض والأوبئة أو فحوصات طبية لمرضى العيون والأذن وأمراض القلب. ويتم تسجيل الوضع الصحي لكل تلميذ داخل الدفتر الصحي المدرسي الذي يصاحب التلميذ طيلة فترة دراسته المدرسية والجامعية. فباستثناء الفحوصات الطبية الرسمية التي تجرى على الأقل كل ست سنوات، فإن باقي المواسم الدراسية والجامعية تفرض على التلميذ آو الطالب المريض الالتحاق وحده بالمركز الصحي الذي يوجد به الطبيب المعني، مصحوبا بورقة الزيارة التي يوقعها مسؤول بالمؤسسة التعليمية، حيث يخضع لفحوصات وعلاجات لا تدون في معظمها داخل الدفتر الصحي المدرسي. إضافة إلى الصعوبة التي يجدها الأطباء في ملء الدفاتر الصحية، سواء من حيث العدد الكبير لتلك الدفاتر مقارنة مع عدد الأطباء والممرضين المعتمدين، أو بسبب عدم توفر التلاميذ على كل الفحوصات الممكنة. فحوالي نصف الدفاتر الصحية فارغة أو تحتوي على معلومات ناقصة عن الوضع الصحي للتلاميذ. رغم أن هناك اتفاقيتين تم التوقيع عليهما قبل سنوات، وقعت الأولى ثنائية بين وزارتي الصحة والتربية الوطنية، ووقعت الثانية ثلاثية بينهما وبين وزارة الداخلية لدعم الصحة المدرسية. لكن المؤسسات التعليمية لا توفر قاعات الفحص بالمواصفات اللازمة أو مراكز صحية حسب ما تفرضه الاتفاقيتين، وهو ما يجعل الأطباء والممرضين يضطرون إلى العمل داخل قاعات لا تلاءم عملهم أو فحص التلاميذ داخل قاعات الدراسة وهو ما يحد من عملهم. كما يستفيد التلاميذ (الداخليين) من فحوصات إضافية خصوصا الخاصة بالكشف عن الأمراض المعدية ووضعهم الغذائي. والمؤسسات التعليمية مرغمة على التوقيع على عقد شراكة بينها وبين أطباء يكلفون بالإشراف الطبي ومصاحبة التلاميذ والتلميذات الداخليين
وهم ما لا يتم.
كما أن معظم مطاعم المؤسسات التعليمية القروية والداخليات داخل المؤسسات الحضرية والقروية لا تخضع لأدنى مراقبة لجودة المأكولات وقيمتها الغذائية ولا لمدة صلاحية بعدها. بدليل أن تلك المطاعم لا تخضع لزيارات يومية لأطباء ومراقبي المواد الغذائية، باستثناء بعض الزيارات الخاطفة لمصلحة الصحة المدرسية بنيابات التعليم. وبرنامجها الغذائي الأسبوعي ناذرا ما يتم الإعلان عنه، ومواده الغذائية المقتناة رديئة وغير ذات جودة. ومعظم المؤسسات لا توظف أطباء للداخليات، كما أن الأطباء الذين لهم عقود عمل مع بعض المؤسسات التعليمية يتقاضون تعويضات هزيلة لا تشجعهم على تقديم خدمات في المستوى. ومعظمهم لم يتلقى تعويضاته منذ سنوات، وهناك أطباء لم يسبق لهم أن تلقوا تعويضات عن عملهم داخل بعض الداخليات. إضافة إلى غياب الوسائل اللوجيستيكة من وسائل النقل والوقود لتنقل الأطباء من المستشفيات إلى المؤسسات التعليمية.