إن ما يجري ويدور في الساحة السياسية بالمغرب، لهو قمة العبث والاستخفاف ب(الشرعية)، وبأصوات الناخبين وكافة المواطنين الذين وبعد حراك مرير…ضنوا للحظات أن الكوبل (عباس/بنكيران) سيرسمان لهم طريق الانتقال الديمقراطي، ماداما يمسكان بالمصباح المنير والميزان العادل…وماداما استعانا بالكتاب الملقم بالشيعية والسنبلة الأمازيغة… لكن فجأة وبعد أول عيد ميلاد لهذا القران، تبدأ إجراءات الطلاق دون اعتبار للشعب الذي زكى وأشر على زواجهما، وزفهما. بعد أن رحل الزعيم عباس وعوضه زعيم ثاني شاء القدر أن يكون شباط… ليتضح جليا أن طرق ومسالك الأحزاب يرسمها زعماءهم، وأن تلك الأحزاب لا برامج لها ولا عهد لها مع الناخبين. بالأمس القريب خرج بعض الشعب لينتقي قادته لما بعد حراك 20 فبراير، الذين سيسهرون على تنزيل الدستور الجديد، ويؤمنون البلد من مخاطر اللصوص والمتربصين من داخل وخارج المغرب… وتم الانتقاء وتمت التزكية والقبول حتى من طرف اليائسين والمحبطين من غير المشاركين في تلك الانتخابات. على أساس أن القيادات الفائزة ستضع حدا لعشوائية التدبير والتسيير، وتغير من أساليب المماطلة والتأخير. وتعيد بريق البلد وتبنيه من جديد… وثق الشعب ببرامج تلك الأحزاب، ولو أنها كلها متشابهة، وقبل بما تيسر من عزيمة وإرادة أبان عنها المترشحون إبان حملاتهم الانتخابية. و أغمض الشعب عينه عن تلك التحالفات التي تمت بدون مرجعيات سياسية ولا برامج موحدة، على أساس إبراز نيته الحسنة…ليفاجأ الشعب ودون استشارته أن هناك حركة انتقالية واسعة بدأت تشكل من جديد داخل الأغلبية والمعارضة، وأنه مرغم على انتظار ما ستفرز من (كوبلات) جديدة، قبل العودة للحديث عن مطالبه وانتظاراته. تم الطلاق إذن وبعد طول انتظار وهدر للمال والوقت والجهد تم زواج ثاني بين العدالة والتجمعيين…لكن لا شيء تغير…
إن السؤال الذي يحير الشعب وأغلبه غير دارس للقانون الذي ينغم بأوتاره العارفين والنافذين، يتلخص أساسا في مدى شرعية هذا الطلاق الذي كان سريعا ومتسرعا. وذلك الزواج الذي تم خارج الطقوس المتعارف عليها.. ألم يكن من الحكمة أن تنتفض المعارضة البناءة من داخل الحكومة عن كانت هناك معارضة أصلا، وأن يتم الإفصاح عن أنواع الخلل الذي جعل شباط يبادر بالانسحاب من حكومة يعتبر حزبه ثاني أقوى ركيزة بها. ألم يكن من الحكمة أن يجالس شباط وزراءه ويناقش معهم اختلالاتهم ويدعمهم بلجان من داخل الحزب يقومون بأدوار استشارية، لتقوية عطاءهم، والكشف للشعب عما يزعجه من تسيير بنكيران ووزراءه، والعمل على تسويتها لكي لا يعطل قطار التنمية، ويشل حركة الحكومة ويدخلها في متاهات سياسية، يسعى كل طرف فيها أن يلمع صورته وصورة حزبه…عوض أن ينزعجوا من كون هذا يتحدث من موقعه الحكومي بغطاء حزبي، أو أنه لا يفرق بين حقيبته كرئيس حكومة أو وزير وبين رداءه الحزبي..
وكيف تم زواج الإخوة الأعداء داخل حزبي الحمامة والمصباح؟ … كيف تم العناق بين من تبادلا الرصاص الحي، وكالا لبعضهما الشتائم والاتهامات الخطيرة، التي كان من المفروض أن تكون موضوع قضايا داخل المحاكم؟…
…إنكم بمواقفكم الفردية وبأنانيتكم وضيق مسالك أفكاركم يا زعماءنا البواسل (من البسالة طبعا بجزم الباء)، والكواسر(من الكسر أو الكسرة ديال الخبز)… تدخلون البلد يا سادة في مصير مجهول. تتوسلون وتتسولون أصوات المواطنين والمواطنات، وتتاجرون في بعضها لتحصدوا أكثر ما يمكن من المقاعد البرلمانية. وتحاولون ركوب سفن الإصلاح الوهمي بأشرعة ورقية تبلل وتمزق مع أول قطرة ماء أو ندى.
تخوضون صراعات تافهة من أجل الانفراد بالحكم، وصراعات أخرى من أجل السيطرة والتحكم، وتراوغون الشعب بتبريرات واهية، لجعله يتقبل خرجاتكم ويقبل بترحالكم… أحزاب ألغت فترات النوم والاسترخاء إلى حين الظفر بمقاعد داخل الأغلبية أو التمكن من تحالفات معارضة قوية… وأحزاب تغرد خارج سرب الأغلبية والمعارضة، مدمنة ومهووسة بشعارات خارجية عن الديمقراطية والانفتتاح وتحمل شعار (حتى حاجة في المغرب ما كتعجب)، وكأن الديمقراطية والانفتاح التي تتغنى به يتغذى به مناضلوها الذين يعيشون القمع والتهميش داخل هياكلها المتصدعة …. وأحزاب أخرى تقتات من الوضع السياسي وتحاول ترميم أسوارها وجدرانها…
بالأمس القريب أبان حزب الاتحاد الاشتراكي على أنه يعيش أزمة فساد داخلية، بعد ان وقعت المواجهة الأولى مباشرة بعد مؤتمره الأخير الذي اختتم بولادة تيار معارض، وبروز بوادر انشقاقات كادت تعصف بالحزب (السوق الممتاز) ككل، وتجعله يفرخ لأحزاب (حوانيت) صغرى. وبعده دخل الإخوة الأعداء داخل نقابة الفدش في مبارزات شهدها العالم ككل. وقبل أيام اختتمت سبيبة الحزب ببوزنيقة سلسلة الفضائح بحرب أهلية استعملت فيها أسلحة بيضاء ومادة الكريموجين، وعرفت نزيفا دمويا لشباب آمنوا للحظات أنهم على الطريق الصحيح… مواجهات وصراعات لو كانت ثؤثت وتحضر لديمقراطية حقة لاعتبرنا مبادرات إيجابية، و لم التغاضي عن ما وقع. لكنها مبادرات مصالح وأغراض شخصية تهده أولا وأخيرا إلى التموقع. نسي مناضلو الاتحاد الإشتراكي أنهم يحملون أرشيف وتاريخ حزب عريق، عليهم الحرص على حمايته وتطويره، و إغناءه. وأن الشعب كل الشعب ينتظر أن تكون لديه معارضة قوية تضمن لهم مراقبة صارمة وفعالة لتدبير الحكومة. لا أن تدخل أحزاب المعارضة في صراعات داخلية، وتترك وظيفتها المحددة والتي قبلت بالتموقع داخلها.