عجيب أمرنا نحن المغاربة… لدينا السلاح الحاد والقادر على مواجهة كل إعصارات المستثمرين و الوسطاء الذي يحتكرون بعض المواد الاستهلاكية، ويتلاعبون في أسعارها بمبررات واهية… لدينا سلاح المقاطعة والامتناع عن استهلاك كل منتجاتهم وجعلها تتراكم داخل مخازنهم لتتعرض للتعفن والتلف… لكننا لا نتوحد من أن أجل إشهار هذا السلاح الفتاك في وجه كل من يريد ابتزازنا ويسعى إلى إفقارنا من أجل تضخيم حساباتهم البنكية…
لديها السلاح الحاد والجاد الذي يمكننا من التصدي لبائعي الجملة والوسطاء الذين يحتكرون السمك والفواكه والخضر والمواد الغذائية الأساسية غيرها من المواد التي يحرقنا لهيبها الآن ونحن في أوج الصيف والشهر الفضيل…
اعتدنا الاحتجاج وانتظار رد فعل الحكومة،من أجل التدخل وإنقاذنا من المدمنين على جمع المال وتخزينه بالمغرب والخارج. والذين لا يهمهم سوى ما يوفرون سنويا من أرقام مالية تزيد من أسهمهم داخل البورصات والبنوك الوطنية والدولية.
لنتوحد من أجل تلقين هؤلاء و أولائك دروسا في الاحترام الواجب للمستهلك، وفي التقنين الواجب للأرباح. ولنلقن الحكومة درسا في التعامل الحسن مع الشعب، ووقف نفوذ النخب. لتعلم أن عليهما توفير المواد الاستهلاكية الضرورية لكل فرد من أفراد الشعب، بأثمنة رمزية، لأنها تدخل في ضمن حقوقه المتمثلة في التغذية والسكن والعمل والصحة والتعليم… وأن الشعب لا يشحذ حقوقه، بل يطالب بها مرفوع الهمة والكرامة وينتزعها انتزاعا إذا تطلب الأمر ذلك...
عجيب أمرنا… ونحن الشعب الوحيد ي العالم الذي يمكنه تغيير وجباته اليومية وتنويعها بالنظر إلى تقاليدنا وسمو مطابخنا، وسخاء طبيعتنا (الأم الحاضنة) التي توفر لنا من كل الطيبات والملذات…بإمكاننا مقاطعة الحليب المصنع ومشتقاته، واقتناء الحليب الطبيعي مباشرة من عند مربي الأكباش والأبقار والجمال والماعز… أو من عند وسطائهم القرويين الفقراء الذين اعتادوا بيع الحليب بالتجوال، أو من عند (المحلبات)… بإمكاننا شرب الشاي بالنعناع أو الزعتر أو فلييو أو لقامة او خزامة …وبإمكاننا صنع الرايب التقليدي اللذيذ والمغذي والذي لا يحتوي على تلك السموم التي تمزجها الشركات داخل منتجاتها لضمان الحفاظ على جودتها… بإمكاننا الامتناع عن شراء كل أنواع الخضر أو الفواكه التي يقوم الوسطاء والجمالة بتخزينها داخل (الفريكوات)، وانتظار نذرتها في الأسواق الحضرية والقروية، لإخراجها من أجل بيعها باثمنة باهضة دون احترام لجيوب الفقراء والموظفين الكادحين… بإمكاننا الامتناع عن ركوب سيارات الأجرة إن زاد ثمن تذاكرها واستبدالها بالحافلات أو العكس… واستبدال الأدوية الطبية العصرية بأدوية طبيعية…وبإمكان البعض التخلي عن قنينات غاز المطبخ ولو لأيام قليلة واستعمال (المجمر) و(الكانون)، والكهرباء والطاقة الشمسية …
بإمكاننا …جعل هؤلاء يطلبون نجدتنا من أجل إنقاذ شركاتهم من الإفلاس… لأنهم لن يصمدوا أمام مقاطعتنا لمنتجاتهم ولو ليوم واحد….ننتظر تدخل الحكومة من أجل إنصافنا… ونحن نعلم أن كل زيادة في الأسعار هو بتزكية وقبول تام من طرف الحكومة… وأن الثنائي الحكومة والباطرونا (بنكيران وبنصالح)، يعقدان اجتماعات مكثفة سرية من أجل تحديد متى وكيف سيتم الإعلان عن تلك الزيادات، ويقضيان الأيام في جس نبض الشارع، واختيار الموعد المناسب… لكي يزفان لنا بشرى الزيادة…
عجيب أمرنا… نضل نشهر هذا السلاح في غير مكانه… نقاطع التسجيل في الانتخابات، ونقاطع الانتخابات الجماعية والتشريعية والاستفتاءات، مع أننا مرغمين على الخضوع لقرارات المنتخبين الناجحين وبرامجهم ومخططاتهم التافهة…نرفض الترشيح والتصويت للأصلح الذي ينبغي أن ننتقيه نحن، لا نجعله هو من يسوق لترشيحه. وندعمه لكي يكون أملنا في التغيير من داخل المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية وغرفتي البرلمان…نقاطع الإصلاح في إطار جمعيات المجتمع المدني، التي يمكن بفضلها أن نغير قدر المستطاع وجه المدينة والحي والشارع.. وأن نغير سلوك الأطفال والشباب والنساء والرجال… حول أمور تخص حياتنا اليومية وتعيد إلينا لمتنا وتماسكنا القديم (أوليدات وبنيات الحومة)، و(الجماعة بجزم الجيم)، وتعاطف الجيران….
نقاطع الحوار والتفاوض والتواصل مع أهل والأحباب والجيران لأسباب وخلافات تافهة، ولمدد قد تصل إلى عدة سنوات، نفقد من خلالها أخوتنا وروابطنا… ولا نستطيع أن نقاطع أكلة بالطماطم أو وجبة بالحليب ليوم أو يومين…علما أن لدينا البديل الذي لا يعد ولا يحصى…