فندق إيدو أنفا الدار البيضاء ، 06 دجنبر 2017
بقلم رقية أشمال
يقول هنري ديفد ثورو :’ الكتب هي ثروة العالم المخزونة و أفضل إرث للأجيال و الأمم.’
عند انهائي لقراءة الكتاب لمؤلفه الأستاذ الصحفي بوشعيب حمراوي هنأته على باكورة كتبه التوليفية لعينة من مقالاته الصادرة بعدد من الجرائد المغربية والعربية،كابن رابع ذهني ينضاف إلى قائمة أبنائه البيولوجيين ، محرضة أياه على مزيد من تكثير سواد الكتب.
القراءة هي محاولة اختزال رؤية من زوايا معينة لكتاب ما/تجربة إنسانية ، تظل من الصعوبة مهما يكن من تملك مهارات ، ضبطها في عدد من الخطوط أو الورقات ، ولذلك سأعتبر هاته المحاولة تقف ك’زوم’ عند حدود زوايا معينة تجاسر فيها التقاطع بين ما جاد بها الكتاب ومواضيع الاهتمام بصفة بحثية .
تأسيسا على ذلك سأحاول تناول القراءة من خلال ثلاثة محاور :
المحور الأول / إصدار الصحفيين للكتب؛
المحور الثاني/ عن الكاتب الإنسان المهني؛
المحور الثالث/ الكتاب كتوليفة رسائل سياسية .
أولا : إصدار الصحفيين للكتب
انتفى الفرق بين الصحفي والكاتب وبين الصحفي والأستاذ في ظاهرة إصدار الصحفيين للكتب ، وإن كانت والحالة هاته – الأستاذ بوشعيب حمراوي – يتخطاها على اعتبار أنه يحمل الصفتين ؛ الأستاذ والصحفي. لتشتمل قائمة الصحفيين الكتاب، قائمة المثقفين الذين يتفرغون لتجربة الجمهور الواسع ؛ وعلى العكس نجد صحفيين يميلون إلى إصدار مؤلفات تعتمد على منحى التفكير أو التحقيقات.
إن رهان هذا التنظيم ‘ إصدار الكتب ‘ يمكن حسب بيير بورديو في قائمة المثقفين المتخصصين : ‘ إنه يتلخص ، إن من خلال سؤال فصل الحدود بين الصحفي والحقل الثقافي ، يخرج فيه الصحفيون منتصرين من ممارسات كهذه ، بما أنهم يكشفون الغطاء لأنفسهم ، فإنهم يلغون دون وعي الانفلات من قبضة المثقفين ورجال الصحافة من أجل الصعود إلى قانون الكاتب بشكل كلي.’
ويضيف بورديو : ‘ على الأقل في نظر الجمهور ، إن رؤيتهم الاجتماعية متساوية بل جاوزت رؤية الكتاب من خلال تأسيس مشروعية جديدة على حساب رؤية الحقل الصحفي الذي يرتبط به ويرتبطون تدريجيا بأحكامهم.
هكذا يختار الأستاذ بوشعيب حمراوي الصحفي الصعود برآه إلى مدارج موسعة لمشروعية جديدة هي مشروعية الكتابة والتأليف ، كاتبا ومؤلفا ، أعلى قليلا وموسعا عن الجنس الصحفي الذي اشتغل عليه.
في سنة 1960 كتب لازان فايلد ‘ التيار الوظيفي لمؤثرات وسائل الإعلام، في دراسة خلص فيها من جملة ما خلص إليه : ‘ التواصل الجماهيري ليس سببا ضروريا وكافيا للتأثيرات على الحضور/ الجمهور ، إنه يشتغل من خلال تظافر العوامل الوسائطية.’
لذلك سنجد ذكاء الأستاذ حمراوي يلتقط الإشارة مبكرا ، فيختار الانتقال ، مبقيا على موجة الكتابة الصلبة/ الجريدة ، إلى الكتابة السائلة/ الموقع الإلكتروني ، بتأسيسه لموقع مهني يحمل مسمى ؛ بديل بريس.
ثانيا : الكاتب، خلفية المهني الإنسان
مُوقع هذه التوليفة ، النافذة على قضايا حارقة للوطن وعلى العالم ؛ بوشعيب حمراوي ، أستاذ ، صحفي ، فاعل مدني ، مثقف عضوي ، كل ذلك هو مفرد في صيغة المتعدد ، ملتزم بقضايا الإنسان في علاقته مع المجال الترابي في أصغر دوائره؛ الحي ، المدينة/الدوار ، الاقليم ، الجهة ، الوطن ، فافريقا ، فالعالم العربي، والعالم الإسلامي، فدورانه حول المنتظم الدولي…..
لذلك تظل من الصعوبة جدا مهمة إلقاء القبض على تقديم يليق بحجم طاقة إنسانية مسكونة بالكتابة حد التعب وبالتعب حد الكتابة ، إنه ينتمي إلى طينة أولئك النادرون من المثقفين اليقظين في مجتمع يغط بالنوم ، هذا ‘اليقظ ‘ الكاتب بوشعيب حمراوي ، لا تعادل قيمة تقديمه ، كلفة ما صرفه من عمره ، وأعصابه ، وفكره ودمعه ونضاله مع ورفقة الحرف بشكل متواتر … فتظل زوايا قراءتنا جد محدودة ومقصرة مهما أبدعت.
يكفي أن نقول أن خلفية الكاتب الذي تمرس منهجيا على لغة المنطق /كأستاذ رياضيات يُمهر بيداغوجيا التواصل ، عرف من خلالها كيف يُمرّنها على مستوى التعامل مع جمهور القراء -بانتظام- للجريدة ، وللجريدة في كتابه الحارق أيضا .
كاتب صحفي لم يزهد في برج حروفه بل زاوج أيضا مهامه ووظائفه الإنسانية قبل النضالية عكس هذا التفرد ظلاله على طول رسائل الكتاب.
ثالثا: الكتاب كتوليفة رسائل سياسية
تحليل يزاوج بين الماكرو والميكرو: وقف الكاتب / ذ بوشعيب حمراوي عند الرقم 44 في توليفته الأولية هاته من المواضيع، التي قد تبدو للقارئ/ة أنها متفرقات ، بينما هي عند القراءة، تجسير لهواجس صحفي مثقف يملك مروحة واسعة تجيد الإحاطة بالماكرو تحليل، تتجاوز الميكرو في تناول الآراء والمواقف صوب القضايا ، ولذلك كانت مشاهد مهمة ودقيقة عن المنتظم الدولي حاضرة فيما من موضوع من مواضيع الرسائل ، يكفي أنه اختار أن يذيل بها الكتاب في رسالته الآخيرة وليس الآخرة ؛’ ترامب : نحن الأمريكيون وبعدنا الطوفان’ ، لكأن الكتاب يحمل حرارة مايقع هاته الساعة تحديدا من التاريخ في العالم ؛ الدعوة الاستيطانية لترامب الرئيس الأمريكي لتهويد القدس (ص 177). هو وعي شقي وعميق بأعطاب مفاصل السياسية العالمية وليس فقط ما يحدث وطنيا ..
جهاز كشف الفساد : أمهر الكاتب المشرح في تصوير مشاهده وفاعليه ومجالاته ،دونما تشفير أو مواربة : ( الجماعات الترابية، التعليم ، الثقافة ، القضاء ، الأمن ، الإدارة … ) موصفا في نتائج كشوفات مختبره للفساد : ‘ إنه يدب في مفاصل الدولة وأجهزتها ‘ ، المشرح/ الكاتب يتجاوز التشريح إلى صوابية الإشارة إلى أداة التطبيب أيضا في عبارته الموجزة : ‘ لا للشطط .. نعم لاحترام السلط’.
دفاعا عن الطفولة والشباب : في ما من رسالة يبدو الكاتب مثقلا بهم الطفولة والشباب ، ما ينم أنه منشغل بمستقبل الوطن من خلال انشغاله بقضايا الطفولة والشباب ، مثقل بحاضر يحاصر مستقبل هؤلاء ، مستقبل البلاد أيضا ، خاصة أولئك المهمشون منهم ، المعطلون، الطلبة ، نزلاء الإصلاحيات ، ضحايا المخدرات والخمر والدوباج والتطرف …
توصيفهم بالضحايا موقف يكشف عن خلفية خبرة التربوي للكاتب ، الذي ينأى عن المقاربة الأمنية في معالجة الظواهر السلبية ذات الصلة بظواهر استلاب الشباب، في ظل استقالة مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن التربية والنشئة والتعليم ، وعدم إسناد الأسر المغربية ..
الانتصار للقيم : استدعاء تيمات الكرامة ، عزة النفس ، الشرف ، العفة .. وغيرها مقرونة بملحاحية دور التربية والتعليم والترافع المتواتر لإقرارها كقيم نضالية رغم اتساع مساحة البؤس القيمي الذي أصبح يمتلك أساطيلا واسعة في زمن مابعد المادية.
يكفي أن نشير إلى أن الكاتب انتصر للاستهلال بها في رسالته الأولى عند حديثه عن ظواهر دخيلة على الثقافة المغربية والإسلامية كظاهرة التملق من أجل الارتقاء الاجتماعي..
الكاتب أيضا على عرض وطول رسائله ، لا يكل الحرف فيها إصرارا لاستدعاء روح المواطنة من خلال التحريض على :
- العطاء والبذل والدعوة للمساهمة في تغيير أوضاع الوطن ، تلك الروح الوطنية الجامعة التي لا تقصي أحد ، تنتصر لتعبئة الفاعلين في المجتمع برمته ، بدءا من السياسيين حتى وإن اختلف مع أدواتهم المتباطئة حينا في الإنجاز أو الغائبة أحيانا أو الفاسدة أحيانا آخرى..
- روح مواطنة وطنية تسري فيها دماء غيرة محترقة بغية تجويد الآداء المدني والإعلامي لأجل الوطن.
تعكس تعدد انشغالات الكاتب و هواجسه المدنية والإعلامية المحكومة برؤية تنموية ، تثقن تسليط الضوء على أضلاعها الأساس ، أثناء تطوعه بمقترحاته الممهننة ، ذلك أنه يعي وعي الباحث المتخصص في التنمية ، حينما يكشف أن إيقاف نزيف الاحتجاج متعلق بقدرة
الدولة على إعطاء أجوبة اجتماعية واقتصادية أكثر منها سياسية ، وبذلك يقودنا أيضا نحو المداخل الحقيقية لمسارالتحول الديمقراطي في صيغته المغربية ، ذلك أن الأجوبة المطلوبة لصحة هذا المسار هي تثبيت دعائم التنمية وهو ما يوافق نظريات مارتيا صن الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل للسلام .
الوحدة الترابية والقضية الوطنية لا تخرج عن هذا السياق حينما يلقي الكاتب أيضا بجمرة حرقته على ابنه ، متسائلا محترقا لما لم تدخل سبتة ومليلية المحتلتين الجهة رقم 1″ في التقطيع الترابي للجهات المغربية .
الكتاب رسائل سياسية ؛ أحرف من دماء مناضلة مؤمنة بالتغيير ، بدءا من أصغر الدوائر الترابية بكل تلويناتها بما فيها الأحياء الهامشية المهمشة ، تعبر عن ثراء الكاتب المجالي وأيضا تكشف عن مهارات ذكية في توظيف واستعارة بعض الأمثلة الشعبية من ‘خابية’ توصيف المخيال الشعبي المغربي مثالا في(ص 27) : ‘ إن الأم المرضعة التي ترضع بسخاء كل رضع الجيران يمنحها الله فيضا من الحليب . أما الأم التي ترفض إرضاع مولود الجيران أو الأقارب فإن لبنها ينقص شيئا فشيئا إلى أن تجف ثديها .. كما أن البئر (المحرزة) ، التي يمنعها صاحبها في وجه ساكنة الجوار ، تجف(توكاه) ، عكس البئر التي يكون مالكها سخيا ، ويفتحها في وجه الناس .. لكم أنت طيبة يا أرضي وبلادي وصبورة على تحمل استنزاف وتعفن المفسدين وصمت المتمردين… )
في كل ما ذكر؛ يكشف الكاتب بوشعيب حمراوي ، كما سبقت الإشارة دونما مواربة وكان لسان غسان كنفاني الصحفي الكاركاتيرست المناضل الفلسطيني تطق بدم أحرفه في العبارة: ‘ أنا شخصيا منحاز لطبقتي ، منحاز للفقراء ، وأنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدا ، القضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون ، وهم الذين يسجنون ، هم الذين يعانون المعاناة الحقيقية. ‘
بذلك تكون الرسائل السياسية بمثابة قارورة زجاجية شفافة تكشف عن كل هاته الروح ، من خلال عينة / زاوية ما نظر إليها في هاته الورقة ، وبذلك أيضا – وبه أختم – يكون الكتاب( المرافعة ) قد اختار لصاحبه دون أن يختار هو (الكاتب) صفة المحامي عن فئات المجتمع المسحوقة ، تكشف لنا أيضا عن مهارة مترافع متبصر خبر أدلة وحجاج وفصاحة الترافع عن دربة ومراس.
لأجل كل ما ذكر ، نحرضه من موقعنا ، على مزيد من الالتصاق بالحرف/بالدم ، فما أحوج رفوف مكتباتنا ومشاتلنا للتعبئة المجتمعية أيضا إلى أقلام تكتب بالدم بيقظة جهاز الكبد على المجتمع، بالصدق والنزاهة والكبرياء المتعفف عوضا عن سواد الحبر.