إنهم المجذبة الذي عرفوا عبر الأزمنة بقوة وصلابة ولياقة أبدانهم. واتسموا بنبل أخلاقهم… سكان مدينة المحمدية (فضالة سابقا) الأصليين، الذي عرفوا ببساطتهم وتواضع معيشتهم… زهدوا في اللباس والتغذية، إلى درجة أن بعضهم وبغض النظر عن جنسهم أو عمرهم، كانوا يقتاتون من فتاة الطعام، وكانوا يقطعون المسافات الطويلة حفاة وشبه عراة، محملين بالأثقال دون تعب أو كلل. ضلوا متمسكين طقوس (الزيارة والتبرك) من بركات سيدي موسى المجذوب، متشبثين بتقاليدهم وعاداتهم رغم الغزو الحضاري. رفضوا التمدن واعتبروه تنصلا من (جلدهم) وانحرافا عن مسار الآباء والأجداد. وحذروا أبنائهم وأحفادهم من التجديد الذي قد يصيبهم ب(لعنة الأجداد)، وقد يعرض حياتهم وحياة أسرهم للآفات والابتلاءات الفاسدة… ولعل موسم الختان التي تنتظره أسر المجذبة من مختلف مناطق المغرب، كل سنة، خير دليل على حرسهم الشديد على توريث تلك الطقوس وضمان استمراريتها. خصوصا أن موسم الختان المعرف باسم (السابع) ينظم بجوار ضريح الولي الصالح سيدي موسى المجذوب مباشرة بعد ذكرى المولد النبوي من كل سنة. ويختتم بأكبر عملية ختان تجرى في المغرب. يستفيد منها مئات الأطفال دون اعتبار لمستواهم الاجتماعي.
الختان أولى طقوس المجذبة
هي الحياة كما أرادها (المجذوبي) سواء كان أميا أو مثقفا… كان فقيرا أو غنيا…حياة بطعم (ملح) الأجداد و(حكمهم) التي لم تفتتها التكنولوجيا والتفتح العلمي. لا يمكن أن يعيشها إلا إذا واكبت مخزونه التراثي. حياة يستهلها الطفل الرضيع بعرس ليوم ختانه. حيث يكون الطفل العريس وتكون أمه العروس. وتكون المنطقة بكل ساكنتها مشاركة في حفل زفافه. وشاهدة على امتثاله لأول طقس من طقوس المجذبة الأحرار. الختان أو (الطهارة بجزم الطاء) عملية يصر المجذبة على أن تكون يوم السابع بعد ذكرى عيد المولد النبوي. وأن تكون في موسم تحضره كل القبيلة، ووفق طقوس لا يمكن تجاوزها. والمجذوبي حيث ما كان يقطن داخل أو خارج أرض الوطن عليه أن يحضر الموسم بكامل أسرته، وأن يقيم كل الطقوس الواجبة، من أجل ختان ابنه. عرس الختان هو العرس الذي يجعل من الأم المجذوبية (العروس) الوحيدة لطفلها، حيث لا امرأة أخرى تشاركها في حبه. وحيث الكل ينادي لالة المجذوبية ويهنئها طيلة اليوم. وحيث تتلقى الهدايا والزغاريد والابتسامات من كل ناحية وصوب.
تفاصيل طقوس الختان
مباشرة بعد يوم ذكرى عيد المولد النبوي. تبدأ الاستعدادات لدى الأسر التي تريد ختان أطفالها. راضية أم مجذوبية لطفل في الثالثة من عمره، نحيلة الوجه والجسد، وبملابس متواضعة وحافية الرجلين، عانيتها المساء تجري هنا وهناك بمحيط منزلها، وكأنها تسابق الزمن. وخلفها يركض ابنها (الحسين) وينادي أعلى صوته طالبا قطعة خبز، دون أن تنتبه إليه. انحت لحمل حزمة من الحطب، وقبل وقوفها كانت قد ردت تحية المساء، و(ملحتها) بابتسامة المرأة الخجولة والمضيافة. تمتمت راضية قبل أن تستجمع كل الكلمات اللازمة للرد على استفسار المساء حول موسم الختان. وقالت بلهجتها المبللة بالمزاح والدعابة: ها العفريت ديال الحسين… أجي لهنا…غاديا نطهروا هذا العام راني سجلتو…). وتابعت: انت ما شي من هنا…. السابع عندنا كيعمر من قديم والطهارة فيه… فيها البركة …. وذاكشي راه بالتجريب..ز والله أه الشريف…). وكشفت راضية للمساء عن أدق تفاصيل ما يتم من طقوس الختان. موضحة أن كل أقاربها يساعدونها من أجل الإعداد ل(عرس ولدي)، و(هدية ولدي). وأن الأسر الميسورة تقيم عرسا كبيرا بعد عودة الطفل من (خيمة) الختان. فيما تكتفي باقي الأسر ب(الهدية) التي تصاحب الطفل أثناء ذهابه وعودته من موسم الختان. وأن الهدية تكون في مقدمتها أم الطفل وجداته، وأن الأم تتزين بأحسن ما لديها من ألبسة (قفاطن، تكاشط…)، وأن اللون الأبيض هو المفضل، كما أن على الأم أن تكون (مسولفة)، حيث تزين شعرها على طريقة (الظفايرات)، وتتزين بالحناء، كما تزين ولدها بالحناء وتلبسه لباسا تقليديا (جلابة والبلغة والتشامير…). وتتكون (الهدية) من مجموعة من النساء اللواتي يغنين ويرقصن مستعملين آلات موسيقية تقليدية (التعارج، البنادر….). وأضافت راضية أن القافلة (الهدية) تتجه نحو (الخيمة) وهي عبارة عن خيمة قديمة متهالكة، يتم توريثها في صفوف شرفاء القبيلة. حيث يقمن ب(الزيارة) و(التبرك) حاملين الطفل، ومن النساء من يرمي بمنديل أو ثوب لهن فوق الخيمة كهدية مقابل نيل بركة )الشرفاء)، قبل أن يعرجن به إلى الخيمة التي يوجد بداخلها الطاقم الطبي المكلف بالعمليات الجراحية لختان الطفل. علما أنه في السابق كان الحلاق (الحجام) هو الذي يقوم بالعملية الجراحية دون تحاليل ولا ضمانات صحية. وبعد انتهاء العملية، يمنح الطفل لأمه التي تستقبله رفق باقي (الهدية) بالزغاريد والصلاة على النبي (ص)، حاملين علما أبيضا في قمته باقة من النعناع. وتبدأ الهدية مسيرتها الاحتفالية في اتجاه المنزل، وتبدأ معه قريبات الطفل وباقي أفراد الأسرة في تقديم الهدايا للطفل، موضحة أن الطفل يحظى ببعض الأوراق النقدية أو الهدايا البسيطة التي تعلق فوق صدره أو في عنقه. وتدل (الهدية) إلى داخل المنزل أو الخيمة المعدة للعرس. حيث تستأنف احتفالها لبضع دقائق. ثم يتفرق الكل. في انتظار تنظيم العرس الكبير لمن استطاع إليه سبيلا.