الرئيسية / اقلام حرة / سنة 2017 : الزلزال والارتدادات

سنة 2017 : الزلزال والارتدادات

جرت العادة عند نهاية كل سنة وإشراق شمس سنة جديدة ، أن يرتفع منسوب الآمال وتشتد درجة الأمنيات في أن تكون الأيام والشهور القادمة أفضل من سابقاتها، وموازاة مع ذلك تشد أنظار المتتبعين خاصة الإعلاميين منهم نحو السنة الراحلة أو الوشيكة الرحيل ، لاستعراض أهم ما ميزها من أحداث ووقائع في عالم السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع أو الثقافة أو الرياضة أو غيرها على المستوى الوطني كما على المستوى الدولي ، وإذا كانت كل "سنة" تنفرد بحدث أو واقعة ،فلا يختلف إثنان في كون سنة 2017 انفردت –وطنيا- عن غيرها من السنوات ب"الزلزال السياسي" الذي اشار إليه جلالة الملك في خطابه بمناسبة افتتاحه للسنة التشريعية ، وهو الزلزال الذي أطاح بأربعة وزراء في الحكومة الحالية ، بالنظر إلى مسؤولياتهم في إطار الحكومة السابقة ، على خلفية ثبوت مسؤولياتهم بدرجات متفاوتة في تعثرات واختلالات شابت برامج التنمية الشاملة ومشاريع "الحسيمة منارة المتوسط"  كما ورد في تقرير الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الذي قدمت نقطه العريضة أمام أنظار الملك ، ودون الخوض في تفاصيل وجزئيات الحراك الذي اندلع لشهور بالحسيمة والنواحي من قبل الساكنة المحلية احتجاجا على تعثرات هذه البرامج التنموية ، فقد كانت له عدة حسنات يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي :

 

–  أنه أثار انتباه الرأي العام الوطني إلى  الاختلالات التي طالت مشاريع تنموية  رائدة أعطى جلالة الملك انطلاقتها ، وهي المشاريع التي من شأنها أن تدعم البعد الأورمتوسطي لمدينة الحسيمة ، وتساهم في تحريك عجلة الحياة الاقتصادية في المدينة وفي منطقة الريف ككل وتجويد مستوى تنميتها .

 

– أن بعض المسؤولين الحكوميين والمحليين لا يباشرون المهام المنوطة بهم سواء على مستوى تتبع المشاريع التنموية التي يدشنها الملك، أو على مستوى الإنصات للساكنة والاستجابة لطلباتها والبحث عن الحلول المناسبة للمشاكل التي تواجهها ، ويمكن تسجيل أن جل المسؤولين لم يكترثوا وقتها بما كان يجري في الريف من حراك، ولم يقدروا تداعيات ذلك على الواقع الأمني الوطني أو على مصالح الوطن الذي تواجهه جملة من التحديات المتعددة المستويات ، بعد أن كان شغلهم الشاغل  تقاسم "كعكة" ما بعد الانتخابات والظفر بما يكفي من الكراسي والمناصب، لذلك ظلت دوائر الحراك في الامتداد يوما بعد يوما ، وتم إلقــاء الكرة بشكل كلي في مرمى مختلف المكونات الأمنية التي تحملت وحدها وزر الاحتجاجات الآخذة في الانتشار .

 

– أن الساكنة يمكن أن تلعب أدورا إيجابية فيما يتعلق بمحاربة الفســــاد ، من خلال رصد كل المشاريع التنمويــة وتتبع مراحل تنزيلها على أرض الواقع ، وإثارة انتباه الرأي العام ووسائل الإعلام إلى كل ما يمكن أن يتخللها من مشاكل أو تعثرات ، وذلك في إطار احترام الضوابط القانونية والتحلي بروح المسؤولية .

 

– أن الحراك يعكس فشلا ذريعا في مؤسسات الوساطة من نقابات وأحزاب سياسية ومنتخبين محليين وبرلمانيين ممثلي الجهة ،لذلك وجدت الساكنة في الشارع ملاذا للاحتجاج والتعببير عن مطالبها الاجتماعية وهي عموما لا تخرج عن نطاق الشغل والصحة والتعليم وغيرها ، وهي الحقوق التي تتقاسمها كل المدن والأرياف في الشمال كما في الجنوب في الشرق كما في الغرب وليست حكرا على منطقة الريف ، فكل المناطق المغربية تعرف وبدرجات متفاوتة خصاصا في التنمية ، لكن مهما كانت حدة الخصاص ، ومهما كانت أحقية الساكنة في الاحتجاج ورفع المطالب الاجتماعية ، فغير مسموح بأي صيغة من الصيغ المس بالثوابت أوالإساءة للوطن الذي يسع الجميع مهما كانت حدة الاختلاف أو الاحتجاج.

 

لذلك ، فقد جاء "الزلزال السياسي" عنيفا وجريئا لم تألفه الحيـــاة السياسية من قبل ، بل أكثر من ذلك رافقته ارتدادات جانبية مست عددا من المسؤولين المحلييـــن الذين ثبت في حقهم التقصيــر بدرجات متفاوتة ، وهذه الخطوة التي تأتي تفعيلا لمبدأ "ربط المسؤوليات بالمحاسبة" ، هي رسالة مفتوحة لجميــــع المسؤولين المركزيين والمحليين من أجل تحمل مسؤولياتهم كاملة وأن يتجاوبوا ميدانيا مـــع تطلعات وانتظار الساكنة ، وأن يواكبوا المشاريع التنموية الملكية إلى حين تنزيلها على أرض الواقــــع خدمة للمواطن وقبله إسهامـــا في رقــي الوطن وازدهـــاره ، ويبقى الأمل معقـــودا على التفعيل الصارم لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"  لدفع المسؤولين إلى العمل وكبح ما يمكن أن يصدر عنهم من تصرفات تدور في فلك " الفساد" ، وألا يظل هذا الزلزال السياسي حدثا ظرفيا أملتــه ظروف وسياقات خاصة .

 

-أستاذ السلك الثانوي التأهيلي ، باحث في القانون الخاص .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *