الرئيسية / كتاب البديل / سيارت الخدمة و سيارت الوظيفة أي فرق لأي هدف؟

سيارت الخدمة و سيارت الوظيفة أي فرق لأي هدف؟

 

عند وصول السيد عبد الرحمان اليوسفي الى  رئاسة الحكومة , عمد سنة 1998-ظهير فبراير 1998-  الى التخفيف من السيارات التابعة للدولة و التي كانت تقدر أنذاك بأكثر من 85600 سيارة تابعة للدولة , و لم تمض إلا شهور قليلة حتى انخفض هذا الرقم ليستقر في 72000 سيارة بعد أن تم التنازل لفائدة الأطر المستعملة لهذه السيارات بأثمنة تفضيلية , لكن هذه السياسة –ترشيد نفقات الإستثمار و التسيير المتعلقة بهذا القطاع – لم تدم طويلا حيث  تخلت الحكومات المتعاقبة عليها ليتجاوز اليوم عدد سيارات الدولة بجميع أصنافها رقم 120000 سيارة و شاحنة و دراجة نارية , و لعل الرقم المثير للإستفهام  في هذه الزيادة هو ارتفاع عدد الدراجات النارية في ظرف سنتين بمعدل فاق 18 في المائة حيث يقدر عددها حاليا بأكثر من 38000 دراجة ,فمن يستعمل هذا الكم الهائل من الدراجات إذا ما استثنينا بعض وحدات  رجال الشرطة – رجال الدرك –الشيوخ و المقدمين – سعاة البريد – ربما وجب وضع علامة تبين تبعيتها للدولة على غرار السيارات.و للإستئناس فقط نشير أن عدد السيارات التابعة للدولة في فرنسا مثلا تقدر ب 140000 سيارة وبالولايات المتحدة ب72000 سيارة و كندا ب26000 ,بريطانيا ب 3000 سيارة و اليابان ب 3400 سيارة .فهل دولة من 36 مليون نسمة و بإنتاج  سنوي خام لا يتجاوز 100 مليار أورو يحتاج الى هذه الترسانة من السيارات بجميع الأنواع  و الموديلات ؟

الثابت إذنا هو أنه و بالرغم من  الظرفية الإقتصادية العالمية  التي تتسم منذ أكثر من 5 سنوات بالصعوبة و بأزمة  عالمية خانقة و بارتفاع مضطرد لأثمنة  الوقود, انعكس مباشرة على المستهلك بعد أن قرار الحكومة تحرير سعره و  إخراجه من صندوق المقاصة , وبالرغم من" التذكير  الحكومي " في كل من ميزانية 2013 و 2014 ب" الامتناع عن شراء السيارات إلا في الحالات الضرورية والمعللة" أو من خلال  المذكرة التي عممها  رئيس الحكومة  السيد عبد الإله بنكيران على كل القطاعات الوزارية مذكرة تفصيل متعلقة بالتحضير لقانون المالية 2014 ،حيث حث السيد  بنكيران كافة الوزراء على عدم شراء أو كراء أية سيارة جديدة إلا للضرورة القصوى وبتوقيع شخصي منه , بالرغم من كل ذلك  و ذاك  لا نزال نستقبل في شوارعنا و أزقتنا سيارات جديدة تابعة للدولة أو للجماعة المحلية التي جعلت من اقتناء السيارات الخفيفة أو ما يصطلح به بالسياحية –وليست الخدماتية – تعبيرا عن حسن تدبيرها و عن تصريفها الجيد لميزانياتها ناسية أو متناسية ما يلي ذلك من  مصاريف يومية تتعلق بالصيانة و بالوقود و التأمين  تتجاوز في أغلب الأحيان الوظيفة التي تؤديها .

ولعل ما أثارني في هذا الموضوع هو سوء الفهم الكبير عند مستعملي هذه السيارات من الناحية القانونية و من الناحية الأخلاقية , حيث يتم المزج بين سيارة الخدمة و سيارة الوظيفة و السيارة الإدارية في غياب نصوص واضحة تحدد  حدود كل منها و دائرة استعمالها , فسيارة الخدمة –VOITURE DE SERVICE- , هي سيارة توضع رهن إشارة الموظف أو المستخدم أو مجموعة منهم لاستعمالها في التنقلات التي تخص العمل و لا يمكنهم استعمالها خارج الدوام العادي لأي غرض شخصي أو عائلي  , كما يمكن من باب الاستثناء السماح باستعمالها من و إلى مسكن الموظف خارج أوقات الدوام  بالنسبة للموظفين الذين لهم مسؤوليات تستوجب حضورهم للضرورة خارج أوقات العمل ,إدارات المياه و الغابات , إدارات التجهيز ,الصحة ,..فمكان سيارات الخدمة كالسيارات الإدارية خارج أوقات العمل هي مرائب المصلحة التي تنتمي إليها, أما سيارات الوظيفة VOITURE DE FONCTION    فإنها تختلف عن الأولى لأنها تضع رهن إشارة الموظف أو المستخدم نظرا لخصوصيات وظيفته  فيمكنه استعمالها خارج أوقات العمل  الرسمية , و يبقى استعمالها للأغراض الشخصية رغم إمكانيته من الناحية القانونية مرتبط أخلاقيا  بقناعات المسئول التي وضعت رهن إشارته , كما أن هذا النوع من السيارات في واقعنا اليومي لا يقتصر على استعماله أيام العمل  بل نراه في الطرقات الكبرى  المنتجعات و المدن السياحية ايام الأحد و العطل محملا بالأهل و الأصحاب .و إن كان تحديد الوظائف و الإطار الذي يمكن للموظف الاستفادة من هذا النوع من السيارات غير واضح و لا يستند إلى قوانين ثابتة فإنه على سبيل المثال في فرنسا و نحن على أبواب الجهوية  يستفيد فقط من سيارة الخدمة رئيس الجهة  و نائبه و رئيس بلدية يتجاوز عدد سكانها 5000 نسمة في حين لا يستفيد نائبه أو نوابه من سيارة الوظيفة  إلا إذا تجاوز عدد سكان المدينة 80000 نسمة .

وإن كان من الصعب بمكان ترشيد استعمال سيارات الوظيفة لعدم محدودية تحركها في الزمان و المكان حسب تعريفها  و بالتالي تبقى الأخلاق هي الفاصل في حسن استعمالها ,فإن نوعيتها و أثمنة اقتناءها تضع أكثر من علامة استفهام  ففي وقت نسعى فيه الى ترشيد النفقات  والتغلب على الفقر و الهشاشة  و نحاول على الورق و أمام المانحين الدوليين القيام بإصلاحات شد "الصمطة"و إصلاح الصناديق المثقوبة , نرى من الجانب الأخر كل معاني الثرف و الفرفشة و التبراع بفلوس المواطن ,فمن لم يركب سيارة من قبل ففي انتظاره سيارة الجماعة للإستعراض  و حضور الملتقيات الحزبية و التفويج عن الأهل و الأحباب أما رؤساء الجماعات  فهم يتنافسون على أخر موديلات السيارات ضربا عرض الحائط  المردودية الإقتصادية لجماعتهم , و التي غالبا ما تعيش على الإعانات الوطنية لسد حاجيات التسيير الأساسية بما فيها رواتب عمالها, و إقليم بن سليمان لا يخرج عن القاعدة بل كرسها في مجموعة من جماعاته .

أما السيارات الإدارية  فحدث و لا حرج , فبين سيارة إسعاف التي تنقل الخرفان ايام العيد إلى الشاحنات الصهريجية التي تسقي الملاعب و محارك الخيول,مرورا بسيارات نقل الموظفين التي تستعمل لرحلات الجمعيات في حين تبقى سيارات نقل الموتى اقل عرضة للاستعمال المجحف حتى إشعار أخر.

اليوم و نحن نسمع لرئيس الحكومة يفتح المجال بشكل غير مباشر لمصالح الدولة  في مشروع الميزانية الجديد2016  من خلال ربط الميزانية بالأهداف دون الدخول في حيثيات الصرف بالنسبة لكل وزارة على حدى , ننتظر أن تتضاعف حظيرة سيارات الدولة و الجماعات و دراجاتها النارية  مستقبلا على اعتبار أن "الكاميلا " و "الخبز" موجود في صفقات الصيانة و الكازوال أكثر من غيره لصعوبة مراقبته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *