الرئيسية / اقلام حرة / شبكات التواصل الاجتماعي : ظاهرة الفيسبوك

شبكات التواصل الاجتماعي : ظاهرة الفيسبوك

    تتجلى ظاهرة العلاقات الاجتماعية في التواصل بين الناس، من خلال العيش والتعايش داخل المجتمع الواحد، وفيما بين المجتمعات. كان التواصل في البداية يتم مباشرة بين الأشخاص، ثم بدأ يتوسع ليتم عن طريق المراسلة لما اكتشف الإنسان الكتابة.

    عرف التواصل خلال القرن العشرين تطورا مضطردا لتسارع الاكتشافات في الميدان، تبعا للعديد من العوامل، ومنها حاجة الدول الرأسمالية الكبرى لتأمين توسعها الاقتصادي، ونفوذها العسكري.

    كانت البداية باختراع خطوط البرق : Télégramme، ثم الهاتف والمذياع والتلفزيون، وتوالى تطوير أجهزتها، إلا أن اكتشاف الأنترنيت كان له مفعول قوي على مختلف الميادين، مما شكل ثورة التكنولوجيات الرقمية المتطورة، والتي أبهرت سكان العالم قاطبة، مهما كان مستوى بلدهم الاقتصادي والثقافي، وخلق نوعا من التقارب بينهم، مهما بعدت المسافات، وأصبح يطلق على العالم بأنه مجرد قرية صغيرة، من السهولة بمكان أن يتعرف بعضهم على بعض خلال زمن قصير.

    كان لهذا الزخم من الاكتشافات، وهذا التراكم الهائل من توفر المعلومات في ميدان التواصل، أن تَصادف مع حلول الألفية الثالثة، وكأن الزمن هو من لعب دورا أساسيا في إحداث هذا التغيير، مع أن الانتقال من ألفية إلى أخرى هو انتقال افتراضي، باعتبار الزمن في حد ذاته عامل خيالي، لكنه هو أساس الوجود الكوني، ووسيلة لتحديد ترتيب الأحداث بطريقة متسلسلة ومتوالية دون الرجوع إلى الخلف، ( تطور مفهوم الزمن، وخاصة في العصر الحديث، حيث اعتبره إسحاق نيوتن شيء كوني مطلق، بينما نظرية النسبية الخاصة ل"ألبرت إنشتاين" اعتبرته بُعْد فيزيائي رابع للمكان، يلاحظ من خلال حركة الشمس وتداول الليل والنهار).

    يرجع تأسيس الفيسبوك إلى الأمريكي " مارك زوكربيرغ " Mark Zuckerberg خلال شهر أكتوبر 2003   انطلاقا من موقع يسمى "فيسماتش "  Facemach عندما كان طالبا في السنة الثانية،  بجامعة هارفارد Harvard الخاصة المتواجدة بمدينة كامبريدج على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو من مواليد سنة 1984 ( من بين خريجي هذه الجامعة، الرئيس الأمريكي السابق : باراك أوباما وبيل غيت Bill Gates صاحب شركة برامج مايكروسوفت ) وذلك بالتعاون مع زملاء له في الدراسة بشعبة علوم الحاسوب، ومنهم داستين موسكوفيتز Dustin Moscovitz (مبرمج) وكريس هيوز Chris Hughes وأندرو ماكولام  Andrew Mc Collum(رسام جرافيك)، في إطار إنشاء شبكة تواصلية بين طلبة هذه الجامعة ثم بدأت الشبكة تمتد إلى جامعات أخرى، فتلاميذ المدارس الذين يسعون إلى التعرف على الحياة الجامعية. استقر موقع فيسبوك قاصرا على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية . وفي شهر مارس عام 2004 سمي فيسبوك : Facebook.com.

    لما بدأت شعبية الموقع تتسع وتكتسب شهرة بين الأصدقاء في جامعة هارفارد، عمل على توسيع قاعدته لمن يحق لهم الدخول إليه، ليشمل طلبة جامعات أخرى، وكذلك طلبة المدارس الذين يسعون إلى التعرف على الحياة الجامعية.استمر موقع فيسبوك قاصرا على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية لمدة سنتين، ثم قرر زوكربيرغ فتح أبواب موقعه أمام كل من يرغب في استخدامه، شريطة توفره على بريد إليكتروني صحيح خاص به  ( مايل ) وكانت النتيجة طفرة في عدد المستِخدمين، إذ ارتفع العدد من 12 مليون مستخدم شهر دجنبر 2006 إلى أزيد من 40 مليون بداية عام 2007. بينما وصل العدد إلى ملياري (2) مشارك حتى شهر ماي 2017. وصل عدد مستخدمي الفيسبوك بالمغرب بداية سنة 2017 إلى 13 مليون شخص، تحتل جهة الدار البيضاء – سطات الصدارة ب 4 ملايين مستخدم.

    ترجع تسمية facebook إلى اسم الدليل الذي كانت تسلمه بعض الجامعات الأمريكية لطلابها الجدد، ويتضمن صور وأسماء زملائهم القدامى ومعلومات مختصرة عنهم، حتى لا يشعروا بالاغتراب.

    في شهر يونيو 2004 تم نقل مقر الفيسبوك إلى مدينة بالو ألتو : Palo Alto في ولاية كاليفورنيا، بالساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح شركة. كما انظم إلى هذا الفريق "إدواردو سافرين" Eduardo Saverin (المدير التنفيذي للشركة). في هذه المنطقة توجد مجمعات سيليكون فالي Silcon Valley  أو وادي السيليكون (نسبة لصناعة مادة السيليكون المنتشرة بتلك البلدة، وتستعمل في الصناعات الإليكترونية)؛ وبها المعامل المختصة في تطوير الاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيات الرقمية المتطورة وأعمال التقنيات العالية على الصعيد العالمي.

    في عام 2005 حصل زوكربيرغ على مساعدة كبيرة من شركة تسمى  Accel Partners بقيمة 12 مليون دولار، كاستثمار لتطوير شبكة التواصل الاجتماعي

يوجد مقر شركة فيسبوك حاليا بمدينة منلو بارك : Menlo Park بولاية كاليفورنيا، بخليج سان فرانسيسكو، ويقع على مساحة 92 000 متر مربع، صمم على شكل قرية مستقلة، تحيط بها فضاءات خضراء، ويُشَغل 9 000 مستَخدم، حوالي 10% منهم يتوفرون على سكن داخل هذه القرية.

    عملت شركة فيسبوك بتعاون مع عدة جامعات من نفس المنطقة، منها سانت باتريك سيميناري – St Patrick’s Seminary وفولر نورذرن كاليفورنيا – University Fuller Northern California ومنلو بارك – Menlo Park .

    تمتلك شركة فيسبوك أسهم تطبيقات كل من أنستغرام و واتساب.

    أصبح موقع فيسبوك، منذ ذلك الحين يقوم بتطوير خدماته وإضافة إيقونات جديدة، فيما يتعلق بالرسائل النصية وعلبة المحادثة وإرسال الصور وتحديد الموقع، ومحاولة المسيرين إرضاء تطلعات المستعملين والاستجابة لرغباتهم.

    هذه نظرة مختصرة عن نشأة وتطور موقع الفيسبوك، أما استعمالاته فهي متعددة منها ما هو مفيد لجميع الفئات العمرية، ومنها ما هو مضر بدرجات متفاوتة. فهو جزء من عالم الرقميات، وهي ظاهرة العصر، ومن لم يتعلم، على الأقل مبادئها الأولية، يعتبر في عداد الأمية الرقمية. وهذه التكنولوجيات الرقمية هي التي أدخلت العالم في إطار العولمة، وعملت على حذف الحدود الافتراضية بين بلدان العالم ( وليس الجمركية  لأنها تتطلب تأشيرة المرور ووجود حراس واقعيين)، وتم اختراق الحدود الجغرافية والسياسية، لنشر المعرفة وتداول الأخبار على نطاق واسع لتكون في متناول الجميع دون قيد أو شرط. أضحت المجتمعات المختلفة وثيقة الاتصال ببعضها البعض، وهو ما سمي بدبلوماسية الاتصال الإليكتروني.

    ظهر مفهوم الإعلام الجديد كنتيجة لتنامي ظاهرة العولمة (إعلام التواصل الاجتماعي)، وأصبح يجمع بين النص والصوت والصورة في ملف واحد، ويشارك فيه القارئ أو المتلقي أو الجمهور بصفة عامة، بدلا من أن يكون مستقبِلا، ومتأثرا بمضمونها فقط. لقد لعب هذا النوع من الإعلام دورا فاعلا ومهما في إضفاء التفاعلية عليه، تجلى في تفاعل الجمهور مع الطرح الإعلامي وقراءته والتعليق عليه. أحيانا قد يصبح الجمهور مشاركا حقيقيا في العمل الإعلامي، فكم من تدوينة بسيطة أصبحت موضوعا إعلاميا قد يصل صداها إلى مختلف دول العالم. كل هذا بفضل موقع الفيسبوك على رأس شبكات التواصل الاجتماعي الأخرى.

    الفيسبوك موقع تواصل اجتماعي يعمل على تكوين أصدقاء، ويساعدهم على تبادل المعلومات والملفات والصور الشخصية ومقاطع الفيديو والتعليق عليها، ويتيح إمكانية المحادثة أو الدردشة الفورية، ويسهل عملية تكوين علاقات في فترة قصيرة، مع إتاحة الفرصة بالالتقاء مع الأصدقاء القدامى والجدد، وتبادل المعلومات وآخر الأنباء وتطورها فيما بينهم.

    أصبح بإمكان أي شخص لديه صفحة على الفيسبوك أن يثبت المناسبات الهامة التي تخصه وعائلته، ويرغب بحضور أو مشاركة الأصدقاء معه فيها.

    هذا التحول الذي أحدثته ما يسمى بالثورة الرقمية، وخاصة من حيث التأثير على حياة الناشئة والشباب، أصبح يحتاج إلى تحسيس وتوعية بما يمكن أن تحمله استعمالاتها من فوائد، وكذلك ما تنطوي عليه من مضار ينبغي تجنبها.

    إذا كان من دلالة لمقولة " تعلم الأشياء خير من جهلها " فإن فكرة الوقاية خير من العلاج، لا تقل أهمية في حياة الفرد والجماعة، نتعلم لمعرفة السبيل الصحيح وتلافي الخطأ، لكي نتجنب المضار ونتعامل معها بحذر.

    إن هذه الأجهزة الرقمية، سيف ذو حدين، لذا يقتضي الأمر أخذ الحيطة والحذر في التعامل معها.

    هناك العديد من الدراسات والندوات التي تناولت الجوانب الاجتماعية والنفسية والأخلاقية لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وأهمها الفيسبوك، ومدى تأثيرها على فئة الناشئة والشباب.

    لنطرح بداية بعض التساؤلات للتفكير، من قبيل :

  • كيف يتمثل المغاربة الأنترنيت بصفة عامة، والفيسبوك بصفة خاصة، أي الواقع الافتراضي،  la réalité virtuelle ؟
  • ما هي علاقتنا بالتكنولوجيا الرقمية ؟
  • لماذا نلجأ إلى التخلي عن علاقات القرب الواقعية، ونفضل العلاقات عن بعد، أي الافتراضية ؟
  • كيف نتصور العلاقة بين ظاهرة استخدام الفيسبوك، وأثرها على العلاقات الاجتماعية لدى الشباب والناشئين ؟
  • ما هي أهمية موقع الفيسبوك للتنفيس والترويح، والتسلية عن النفس؟
  • كيف نتصور ظاهرة الإدمان على استخدام الفيسبوك ؟

    يوفر موقع الفيسبوك مزايا وفوائد جمة، من خلال ربط التواصل بين الناس عن بعد، نظرا لتعدد خدماته، سواء في التلقي أو في التبليغ، وانتقال المعلومات وانتشارها بسرعة فائقة، وبطريقة غير مكلفة، سواء من حيث الزمن أو المكان.

    إن السؤال الذي أصبح يطرح نفسه : هل يمكن أن نعيش بدون اللجوء إلى العالم الافتراضي، وخاصة الفيسبوك، خصوصا بالنسبة للفئة العمرية ما بين 10 سنوات إلى حدود 50 سنة مع تقلصها بالتدريج التصاعدي ؟

    الملاحظ أن دور الفيسبوك امتد ليشمل النشاط السياسي من خلال تداول المعلومات الخاصة بالأحداث السياسية، والدعوة إلى حضور الندوات والتظاهرات. لعب الفيسبوك دورا رئيسيا في تظاهرات الربيع العربي سنة 2011 ، وفي صيف 2016 كان لبعض التدوينات على الفيسبوك وقع كبير في إفشال حركة الانقلاب العسكري في تركيا. كما لعب دورا أساسيا في احتجاجات الحسيمة 2016/2017 .

    نستنتج من خلال العديد من البحوث المتعلقة بالتعرف على آثار استخدام شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك مجموعة من النتائج، سنقوم بتقديم خلاصة للبعض مما جاء فيها :

  • ما هي الأسباب التي تدفع إلى التسجيل في موقع الفيسبوك؟

تذهب الدراسات إلى تحديد البعض منها فيما يلي :

  • للتعبير عن الآراء والاتجاهات الفكرية التي يصعب التعبير عنها صراحة في المجتمع.
  • لأغراض اقتصادية تجارية، لكونه يوفر مساحات واسعة للإشهار.
  • للبحث عن الزواج من خلال الدردشة عبر علبة المحادثة.
  • للانضمام لبعض الحملات الاجتماعية.
  • للخروج من دائرة العزلة والبحث عن صداقات.
  • لمتابعة أخبار المشاهير في ميادين الفن والرياضة وكل ما يواكب العصر ويأتي بالجديد.
  • ما هي طبيعة العلاقات الاجتماعية عبر الفيسبوك ؟
  • للبحث عن صداقات جديدة وتعزيز علاقات صداقة قديمة، والبحث عن أشخاص فقدنا رؤيتهم منذ زمن بعيد، ونرغب في إحياء التواصل معهم، والحنين إلى استرجاع الذكريات، وخاصة بالنسبة للمتقدمين في السن.
  • للتواصل مع الأقارب البعيدين مكانيا.
  • لتكوين صداقات من بلدان مختلفة.

    إذا كانت غرف الدردشة أصبحت تعبر عن صيحة علمية وتكنولوجية باهرة، فإن لها وجها آخر يكمن في تعبير مستعمليها عن فراغ عاطفي ونفسي ووجداني، كما يعود إلى غياب الضبط الأسري والهروب من العلاقات الاجتماعية المباشرة والواضحة، وهي علاقات محكومة في مجتمعنا بالسرية ومحاطة بالكتمان ؛ مأمونة العواقب في ظاهرها، إلا أنها قد تقود لا محالة إلى مزالق خطيرة تعصف بحياة الأفراد ومستقبلهم ( لا تقتصر هذه الظاهرة على الشباب، بل قد تطال حتى الكبار والمسنين، ممن تمتد بهم فترة المراهقة المتقدمة، وبعض المشاهير، وكثيرا ما يتدخل الإعلام ليفضح هذه العلاقات.

  •  ما هي الآثار الإيجابية الناتجة عن استخدام الفيسبوك ؟
  • المساهمة في الانفتاح على المجتمعات.
  • المساهمة في تسهيل عملية التواصل.
  • الاستفادة من الفيسبوك في الأغراض التثقيفية.
  • ما هي الآثار السلبية الناتجة عن استخدام الفيسبوك ؟
  • تؤدي كثرة الدخول إلى موقع الفيسبوك واستغراق وقت طويل في الإبحار إلى التفكك الأسري، وتقليص العلاقات الاجتماعية الحقيقية.
  • إهمال الواجبات الاجتماعية من : دراسة ، عمل ، واجبات نحو الأسرة…
  • تراجع مستوى التحصيل العلمي، والتخلي عن قراءة الكتب والمجلات، وإهمال دور المطالعة.
  • يحدث أضراراً جسدية، نظرا لطول مدة الجلوس، وطول مدة النظر إلى الشاشة وتأثير المغناطيس على العيون. كما ينصح بعدم تناول الطعام أو الشراب بالقرب من جهاز الحاسوب مشغلا، فذلك قد يسبب الإصابة بالسرطان على المدى البعيد، نظرا لما تعكسه الشاشة من مغناطيس على الطعام والسوائل بسرعة فائقة.
  • أضرار تصيب العمود الفقري والرجلين نتيجة نوع الجلوس والمدة الزمنية التي يقضيها المستخدم أمام الحاسوب.

بعض الدوافع والآثار المترتبة عن استخدام غرف الدردشة عبر الفيسبوك :

    يعتبر الفيسبوك أداة فعالة للتواصل الاجتماعي، إذ بإمكانه أن يفتح الباب بكل جرأة للاستخدام بين الجنسين كلما كانت الفرصة متاحة لذلك، وغالبا ما تكون في الفترة المسائية. بينت بعض الدراسات الميدانية بأن دوافع مستخدمي غرف الدردشة كانت في غالبيتها للمحادثة وقضاء وقت الفراغ بالنسبة للجنسين، سواء أكانت بين الذكور أو بين الإناث، أو بين بعضهم البعض. تدور مواضيع الدردشة حول ربط علاقات متوسطة، واهتمامات مشتركة مع الأصدقاء. كما بينت الدراسة بأن معظم الفئة العمرية الشابة يتصلون عبر موقع الفيسبوك في أوقات الفراغ، ويهدفون من اتصالهم إلى ربط علاقات صداقة وتبادل الأفكار مع الجنس الآخر، إلا أن هذه العلاقات غير جدية، بل هي عبارة عن منفذ للتسلية والترفيه عن النفس بالنسبة لهم. في حين تذهب دراسات أخرى إلى الكشف عن فئتين من المندمجين في العالم الافتراضي ؛ الفئة الأولى تبحث عن ذاتها لتحقيقها بعيدا عن الضوابط الاجتماعية الكابحة للمشاعر، وذلك في محاولة منها للهروب من سلطة المجتمع وتقاليده، الفئة الثانية ؛ هي كذلك مندمجة في العالم الافتراضي، لكنها تحاول تحدي سلطة التقاليد والقيم السائدة وتجاوزها بالإبقاء على العلاقة العاطفية عبر الوسائل الإليكترونية حتى ولو لقيت معارضة من طرف المجتمع الواقعي.

    خلصت بعض الدراسات إلى نتيجة توضح مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على جمهور المتلقين، حيث لم يعد بإمكان متصفحي الفيسبوك الاستغناء عنه، لما يوفره من أخبار وتغطية شاملة وعاجلة، ومعلومات جاهزة، ومعارف مفيدة ومتنوعة، ومحادثة مع الأهل والأصدقاء، وزملاء الدراسة والعمل وتبادل الملفات ومقاطع الفيديو، إضافة إلى أنه مجال مفتوح لتبادل الآراء والتعليق عليها، والرد على تلك التعليقات، وخلق صداقات افتراضية جديدة، وثقافة وترفيه.

التدوين على الفيسبوك

    إن الكتابة أو التدوين بصفة عامة عبر العالم الأزرق قد تخفي وراءها عدة قراءات. هناك من يسعى لترميم نفسه افتراضيا بصورة يبدو فيها أجمل وأفضل وأكثر بهاءً مما هو عليه. هناك من يكشف عن سلوكات تثير السخرية والقرف أحيانا، وهناك من يبدع حقا، ويخلق تفاعلا إيجابيا خلاقا.

هذه التدوينات عن ماذا تنم في العمق ؟

هل هي إبداع حقيقي أم نداء استغاثة ؟

    هناك من صنعت له كتاباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك مكانا رفيعا في المشهد الإبداعي. بينما آخرون قد لا يكسبون سوى الخسارة بسبب كتابة تدوينة طائشة، أو نشر صور غير لائقة أو عبر المشاركة ( Partager ).

أصبح الإنسان يبوح بأشياء لا يستطيع الإدلاء بها مباشرة أو عبر المحيط الفيزيقي.

    هذه الصور وهذه الكتابات التي يتم تدوينها على حائط الفيسبوك ربما تعبر عن معاناة معينة ؛ فنجدها تحكي في كثير من الأحيان عن الحميمي، من زيارات لآثار وأماكن متنوعة، والقيام بسفر، أو لقاء صديق، أو شخص مهم، هو بوح من نوع حميمي، عاطفي. إن نشر صور مع مشاهير وعظماء، إذا ما سنحت له الفرصة لملاقاتهم، ربما تكون  للتباهي، بينما يدخل هذا الفعل، غالبا عن غير وعي، ضمن عقدة الأنا، أنا و لا أحد سواي ! فتصبح هذه الأنا النرجسية جزءً أساسيا متغلغلا في إنسان الفيسبوك.

    هناك من يقوم بنداء استغاثة لاستعطاف الأصدقاء الافتراضيين استجداءً لدعواتهم ومؤازرتهم أو مواساتهم له، في حالات متعددة، قد تكون مرضا أو إصابة في حادثة أو عند توجهه لاجتياز امتحان…الخ.

يدخل هذا النوع من التواصل ضمن افرازات المكنون والمكبوت بطريقة غير مقننة. يصبح كمرآة تعكس ما نعيشه، ولكننا نعبر عنه بطريقة غير صحيحة.

    غالبا ما يكون البوح بطريقة عشوائية، وخاصة عندما لا تكون لدى الفرد علاقات عائلية سوية، مبنية على الحوار، والمناقشة الهادئة. حتى الإبداع المنشور على الفيسبوك فهو يتحدث عن نفسه بطريقة غير مباشرة، بطريقة رمزية. هناك من ينشر بعض الفكاهات.. وكأنها لا تعنيه، بينما في الواقع هو يعرض مشاكله بطريقة مبهمة، قد يكون فيها خطاب يعرض للطابوهات، أو فيها سخرية. لكن ما هو الداعي لذلك ؟ إنه خطاب تمويهي للتحدث عن النفس.

    حينما يقوم الفرد بنشر تدوينة معينة، فهو يريد تفريغ ما يثقل كاهله من الهواجس التي تؤرق الخاطر، وتشغل البال، وهو ما يسمى بعرض الذات : exposition de soi أو نشر غسيل معين على الأسلاك الافتراضية. الغسيل طبعا فيه أوساخ، يتم القيام بالتخلص منها على حائط الفيسبوك، ليتفرج عليها باقي المستخدِمين للموقع.

    يعيش كل إنسان مشاكل شخصية متنوعة، تكاد لا تفارقه، وهي جزء من صيرورة الحياة، ومن خلالها نتعلم التدبير العقلاني لحلها، فهي مثلها مثل المسائل الدراسية، سواء المتعلقة بمادة الرياضيات أو الفيزياء وغيرها، تتطلب حلولا عقلانية مبنية على قواعد علمية. مشاكل الحياة اليومية بدورها تتطلب اختيار الأطراف المساعدة في الحل بشكل دقيق ومبني على معايير معقولة وواضحة، منها : المعرفة بالموضوع، والصدق، والمحبة، والكتمان، وهذا كله في إطار العلاقات المجتمعية الحقيقية لا الافتراضية. أصبحت المشاكل الاجتماعية مع ظهور الفضاء الأزرق، أو السوق الأزرق، سلعة نتفاوض عبرها من أجل تحقيق أهداف معينة. هناك من يطمح للتواجد بالساحة ورفع أسهمه الوهمية انطلاقا من السوق الافتراضي، وهناك من يناور كأنه يضع استمارة ليجس نبض الرواد من خلال تفاعلهم سلبا أو إيجابا، وكسب اعجاباتهم أو جيماتهم. آخرون يعيشون جفافا تواصليا وعلائقيا في الواقع الحقيقي، ويحاولون الاستعاضة عنه بالتواصل الافتراضي، والحضن المزيف، ومنهم من بسذاجة يتقاسم كل شيء ضانا منه أنه سيجد الحل الأمثل لدى زوار الفيسبوك، في حين أنه لا يحصل من وراء استغاثته سوى على أدعية جنائزية.

    الأمور الشخصية من مشاكل وغيرها، تبقى ملكا خاصا بصاحبها، وحلها بشكل واقعي ومعقول، يبدأ من إرادة الشخص نفسه، وينتهي عند أهل التخصص في ظروف عقلانية، وطبق شروط علمية دقيقة. خلافا لما أصبح عليه الفيسبوك أو السوق الأزرق، الذي يماثل سوق عكاض،  الذي كانت العرب تعلق عليه القصائد الشعرية، حسب بعض المحللين النفسانيين.

    أصبحنا نعلق خصوصياتنا على جدار السوق الأزرق، بمعنى الافتراضي، وهو في زرقته شبيه بالسراب في صحراء قاحلة، ويوحي إلى الأمل بوجود الماء، الأمل الذي لن يتحقق لمن اشتد ظمؤه. نلاحظ في كثير من الأحيان تعليقات بعض السياسيين الذين أصبحوا  يعرضون مشاكلهم مع المجتمع على شبكات التواصل الاجتماعي، المجتمع الذي ربما يفقد فيهم الثقة ويحاولون من خلال تدويناتهم، كسب ثقته.

    إن الاستعمال اليومي للعالم الافتراضي، جعله يصبح واقعيا، لكن إذا كان استعماله بطريقة غبية، فإن نتائجه تنعكس سلبا على صاحبه، وتخلق له متاعب. قد يكون الهدف من التدوين والنشر على الفيسبوك مفيدا، إلا أنه مهما حاولنا تزيينه وتجميله، ما لم يكن صادقا، فإنه ينكشف ويتعرى ويزاح عنه الرداء، ويسقط في الفخ وتظهر عيوبه.

    يعتبر التعامل الاعتباطي مع الآلة الرقمية بمثابة الأمية الرقمية     ( ليس بمعنى عدم معرفة أبجديتها وتقنياتها ) ولكنها تكمن في الاستعمال الذي تكون فعاليته سلبية. آنذاك يكون للاستعمال الافتراضي ردود فعل على المستوى الواقعي، فيحدث الانقسام والانفصام.

    إن من يطرح مشاكله في الافتراضي (عن بعد) ولا يجرؤ على طرحها في القرب ؛ بحيث لا يستطيع التحدث عن مشاكله في إطار الحوار العائلي، ومع المقربين وذوي الاختصاص ؛ ربما يتهرب من الواقعي حتى لا يفتضح أمره، بينما في الافتراضي يمكنه أن يتنكر. قد يقع حتى التسجيل بالفيسبوك باسم مستعار، واستعمال صورة مستعارة أو مبهمة، (ويحيلنا مثل هذا الموقف على قضية فؤاد مرتضى – مهندس إعلاميات – قضت عليه محكمة بالدار البيضاء بثلاث سنوات سجنا وغرامة 10 000 درهما، بتهمة انتحال شخصية الأمير مولاي رشيد، على صفحته بالفيسبوك، وذلك شهر فبراير 2008، وكان عمره آنذاك 26 سنة. عقب صدور هذا الحكم انطلقت موجة من الاحتجاجات عبر الفيسبوك طبعا، كما تقدمت عائلته باعتذار على أن ما قام به كان مجرد مزحة، مما مكنه من الاستفادة من العفو بمناسبة عيد المولد لتلك السنة). قد نجد هناك مستخدِم مسن يضع بالبروفيل صورته وهو طفل، أو يستعمل هوية مزيفة. هناك من ينشئ أكثر من حساب وبشخصيات مختلفة، أو جنس مغاير لجنسه، فيصبح إنسانا بلا هوية، وينعكس ذلك على واقعه، فيتولد لديه الاضطراب والقلق المشتت،  إلى غير ذلك من التمويهات، في محاولة منه كي لا يتعرف عنه الآخرون الذين يعرفونه في الواقع. يقع مثل هذا التصرف غالبا لدى الأشخاص الخجولين والمنطوين، الذين يبحثون لأنفسهم عن تكوين شخصيات جريئة في العالم الافتراضي، عالم الفيسبوك. كما أن التفكك العائلي و ابتلائنا بالآلة الرقمية التي لا زلنا نجهل الهدف من استعمالها في كثير من الأحيان، جعلنا نتخلى عن علاقات القرب واللجوء إلى العالم الافتراضي، أو العالم الأزرق الشبيه بالسراب، أو زرقة البحر الذي لا يروي ماؤه من العطش.

مسؤولية التدوين

    تبقى وسائط التواصل الاجتماعي أو الافتراضي، مجالا منفلتا، حيث يسمح لرواده، وخاصة فئة الشباب، بالكتابة والنقد والتعليق، وكسر الطابوهات السياسية والاجتماعية والجنسية، بشكل غير مسموح به في الفضاء العام بصغته الواقعية. عندما يمارس المستخدم نشاطا كتابيا في موقع التواصل الاجتماعي، أو يقوم بتعليق أو مشاركة، فإنه يقوم عن اقتناع بتنفيذ ما يعبر به، وما يريد أن يخبر به الناس في وسيط إعلامي، ويبقى مسجلا عليه، ولا يمكنه التبرؤ منه، وكما يقال (سبق السيف العذل) لذا يتطلب الأمر أن تكون هناك مسؤولية يتحملها المدون فيما يكتب، وهذه المسؤولية مرتبطة بمجموعة من القوانين والضوابط التي تحمي المتلقي. يقوم بالسهر على مراقبة هذه المسؤولية، السلطات المكلفة بمتابعة الأجهزة الرقمية، وما يقوم به مستعملوها من أنشطة قد أصبحت في بعض الأحيان تغذي عقول وأفكار الشباب الذين لا خبرة لهم، وتؤدي إلى إفساد أخلاقهم وتسميم أفكارهم.

    إن جميع ما يدون على الفيسبوك، يقوم بمراقبته برنامج   Planétoscope facebook  ويتتبع جميع التدوينات، ويقدم إحصائيات بخصوصها، حيث يقوم بتسجيل 510 000 تدوينة في الثانية الواحدة، وبلغ ما سجله خلال سنة 2016 ما يزيد على 16 000 مليار تدوينة  ( ما بين كتابة على الحائط وتعليق وصور ).

في شهر نونبر 2016 وقَّعت شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما، فيسبوك وتويتر ويوتوب ومايكروسوفت، بينها اتفاقية تضع ضوابط للحد من تصريف المستخدِمين لشحنات الكراهية والحقد.

    في الفترة ما بين 30 أكتوبر و فاتح نونبر 2017، على إثر الشكوك التي حامت حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016، بتدخل روسي، تم استدعاء الممثلين القانونيين لشركاتها، وهي كلها أمريكية، للحضور أمام لجان الكونغرس الأمريكي، واستجوبتهم حول ما يروج في القضية. تبين من خلال أجوبتهم، أن شركات المعلوميات الرقمية أصبحت مثل حصان طروادة، تحمل في بطنها جنود العدو للداخل الأمريكي دون أن يعي الجمهور أنهم روس. وتعهدت بأن تعيد النظر في محتواها، وتعزز الرقابة الإلكترونية. التزمت حينها شركة فيسبوك وحدها بتوظيف 1 000 إطار في أسرع وقت لمراقبة عمليات التدوين والإشهار.

    عندما يقوم الشخص بالتدوين، فإنه يعطي فكرة عن شخصيته ونفسه، من حيث اللغة والتعبير والأفكار ، لأنه في عملية إبحار : navigation فينبغي أن يكون على دراية لإمكانية الغوص في العالم الذي يريد أن يتحدث عنه، كمن يريد السباحة، فإن لم يكن يتقن فن العوم، فإنه سيغرق، كذلك من يريد مناقشة موضوع من المواضيع، سواء كانت فكرية، جنسية، سياسية، إلى غير ذلك، فإنه يحتاج إلى خبرة ومعرفة، حتى لا تثير مداخلته ردود فعل، قد تكون عنيفة ومثيرة للسخرية والاستهزاء. وربما تكون لها تبعات قانونية وقضائية، لمساسه بالنظام العام أو إخلاله بالأخلاق الحميدة، كالإشادة ببعض الأحداث الإرهابية ( فرسان العدالة إثر مقتل السفير الروسي : الصكَوعة ) أو مخلة بالحياء ( قيام بعض اليافعين والشباب بنشر صور أثارت عليهم ضجة إعلامية ومتابعات قضائية… ) وكذلك افتراء الكذب على شخصيات وازنة في المجتمع، أو التشهير بأشخاص يشير إليهم مباشرة.

    لذا ينبغي لمن يريد النشر على الفيسبوك، أن يكون مدركا ومطلعا على قوانين التدوين  ( لا يعذر أحد بجهله القانون ).

    إن حرية التعبير لا تنفي المسؤولية في الكتابة، ومن لم يكن على دراية بالقانون، فلا بد أن يفرض على نفسه رقابة ذاتية حتى لا يمس بحريات الآخرين، إذ ينبغي أن يكون الهدف نبيلا من التدوين، وأن تكون الكتابة ناضجة ومسئولة.

    قد يهدف الشخص من خلال التدوين إلى إيجاد موقع له في المجتمع، وكسب مرتبة رفيعة بين الناس، وقد تكون له مشاعر كاذبة بممارسة نوع من الاحتيال وتزييف المشاعر الحقيقية، فتترتب عن ذلك فضائح، أو تصريحات صادمة.

    انطلاقا مما سبق، فإن أولياء أمور الشباب مطالبون بمراقبة ما ينشره هؤلاء، وذلك في إطار جو من الحوار والنقاش الجاد، وليس المنع التعسفي، لماذا ؟ لأنه في بعض الأحيان يجد رب الأسرة أن ابنه أو ابنته، سقط في ورطة بسبب تدوينة طائشة أو نشر صورة مخلة بالحياء مثلا، وأصبح متابعا قضائيا، فمن الأفضل أن تكون الرقابة قبلية، وناتجة عن حوار صريح، تفاديا للعواقب التي قد تكون مؤسفة.

الإدمان على استخدام الفيسبوك وأثره على الشباب

    الإدمان هو عبارة عن مرض غير عضوي ناتج عن تعود شخص على استعمال مادة معينة، من شأنها أن تؤثر على سلوكياته، ولا يستطيع الإقلاع عنها، ويصبح مفعولها ملحوظا على نفسيته، إلى درجة أن مزاجه لا يتحسن إلا باستعمالها، وبالتالي فهو كل ما يؤثر على السلوك الطبيعي ويحدث له اضطرابا، ولا يهدأ الاضطراب إلا بممارسة ذلك النشاط، سواء كان ماديا ملموسا، من أدوية أو مخدر أو مخمر أو بعض الممارسات الشاذة، كلعب القمار، وكل ما لا تقره الأخلاق، أو معنويا غير ملموس.

    يرى أستاذ علم النفس الأمريكي، جون جروهول : John M. Grohol أن إدمان الأنترنيت بصفة عامة، والفيسبوك بصفة خاصة، عملية مرحلية، حيث أن المسجلين الجدد هم الأكثر استخداما بسبب انبهارهم بتلك الوسيلة، وبعد مدة تبدأ عملية التوازن في استعماله. بينما يرى آخرون أن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب الاكتئاب والشخصيات القلقة والذين يعانون من الملل والفراغ. 

    تذهب بعض الدراسات النفسية إلى اعتبار التعود على استعمال الأنترنيت بصفة عامة، والفيسبوك بصفة خاصة، وبطريقة مفرطة، تفقد الفرد استقلاليته في تدبير وقته، وصعوبة التخلص منه، يحسب في عداد الإدمان، وبالتالي يكون لمفعوله تأثير على سلوك الفرد ويفقده العديد من خصائصه وأدواره الاجتماعية. آنذاك يكسبه بعض العادات السيئة، فلا يستطيع النوم الهادئ، ولا يكون اجتماعيا، وتظهر لديه مشاكل وأعراض نفسية، فقد يستيقظ بالليل أو في الصباح الباكر، وحتى أثناء الدراسة أو الاجتماعات، أو في أوقات الأكل، فيشغل جهاز الاتصال (هاتف أو طابليت..) ليتفقد إن كانت هناك تنبيهات notifications لرسائل نصية أو أخبار من جهة ما. التفحص في الجهاز قد يمتد وقتا طويلا للتعليق والرد، أو معرفة مدى تفاعل الأصدقاء مع تدوينة أضافها على حائطه، وكم جنته من إعجاب وتعليق، دون إعطاء أي اهتمام للوقت الذي كان من المفروض صرفه فيما هو أجدى وأنفع. أصبح يطلق على مستخدِمي شبكة التواصل الاجتماعي ؛ (شعب الفيسبوك، أو جيل الفيسبوك) وأفراده أصبح لهم تعريف رقمي : profil digital عندما تنقر على أحدهم، تظهر لك صفحته بما تحتوي عليه من معلومات وتدوينات ولائحة أصدقائه.

    إن كتابة التدوينات قد تأخذ الكثير من الوقت، وخاصة إذا تعود الشخص على نشر كل ما يحدث له، أو يخطر بباله  (أصبح حائط الفيسبوك مكانا لنشر الغسيل والأوساخ) ولم تبق مناقشة المشاكل في إطار محدود، عملا بالمثل الفرنسي القائل ( le linge sale se lave en famille) ، بل أصبحت أوساخ ومشاكل العائلة تنشر في مكان عمومي، ليتفرج عليها الجمهور الواسع من الأصدقاء الافتراضيين، وينتظر منهم إبداء مواقفهم. أضحت التدوينات تضم الخصومات العائلية، وبين الأصدقاء، وتتطرق للأفراح من زواج وولادة، ونجاح في امتحان أو مباراة، والقيام برحلة، وكل ما لا يجرؤ المرء على البوح به في العلاقات الواقعية الحقيقية، لأنه ربما لا يجد من ينصت إليه لتفاهة الموضوع، فيحاول فرضه على الآخرين لمشاهدته أو قراءته أو الاستماع إليه كفيديو مثلا. التهرب من الحوار والمناقشة المباشرة، قد تعقبه تعليقات من الأصدقاء الافتراضيين، بعضهم يجامله، وبعضهم يكون رده مسيئا وقاسيا، فتكثر الثرثرة، ويتكرر الرد والتعقيب، ويتطاير السباب والشتم، وحتى الكلام النابي والفاحش. عندما لا يتم التفاعل معه بالقدر الكافي الذي كان يتمناه باللايكات، فإنه يشعر بغياب الأمان الاجتماعي، ويسمي من لا يتفاعلون معه بالأموات، وذلك حسب نظرية الاحتياجات الفسيولوجية في التسلسل الهرمي ل"ماسلو" Abraham Maslow .

يعزي الاختصاصيون سبب ما يجري من صراعات على حائط الفيسبوك، إلى كون المدمن على الدخول إليه باستمرار، يجعله يفقد العلاقات والصداقات في العالم الواقعي، نظرا لتواصله الدائم مع أصدقاء افتراضيين، وتنعدم الصداقات الحقيقية، وهو ما يدخل الفرد في إهمال كلي أو جزئي للحياة الاجتماعية والالتزامات العائلية والوظيفية، وعدم التركيز، وعدم الاهتمام بما هو واقعي وحقيقي في الحياة المعاشة.

    يتجلى الإحساس بالإدمان على الخصوص حين يصاب المستخدِم للفيسبوك  بالقلق والتفكير المفرط  والشعور بالحزن والكآبة، في حال بقي بعيدا عن الجهاز الرقمي، أو في حالة إصابته بعطب، أو انقطاع عن الكونكسيون (الصبيب أو الرابط)، فيصل إلى حد الهوس. قد يصبح كمثل سمكة خرجت من الماء. في يوم من الأيام سيصبح المدمنون على الفيسبوك مبرمجون مثل الأنفوغرافات ( ميدان إنشاء الصور الرقمية بواسطة الحاسوب)، وأي خلل في التدفق العادي للمعلومات يجعلهم معتلين، حسب لوتشيانو فلوريدي (Luciano Floridi) في كتابه الثورة الرابعة، بينما يحس بسعادة وراحة نفسية حينما يرجع الاتصال إلى حاله المعهود.

يذهب الاختصاصيون في العلاج النفسي عند تقديم النصح للمدمنين،  بقصد التخلص من هذه الآفة أو التقليل من أوقات الدخول إلى الفيسبوك، شريطة امتلاك الإرادة والعزيمة القوية ، نذكر من بينها :

  • أن يكون الفرد مؤمنا من داخله بأنه يريد التخلص من الجلوس كثيرا عبر موقع الفيسبوك.
  • قبل فتح الفيسبوك تكون له فكرة للاطلاع على موضوع معين وخلال وقت محدود مسبقا.
  • أن يحدد لنفسه يوميا عدد الساعات، ويبدأ بتقليصها تدريجيا للتخلص من كثرة الجلوس.
  • أن يحاول عدم التفكير في فتح الموقع والابتعاد عن زيارته خلال فترة قد تطول، ويشغل نفسه بأشياء أخرى أكثر أهمية مثل القراءة والرياضة. إذا أراد الشخص الانهماك في المراجعة أو المطالعة وقراءة كتاب أو مقال، عليه أن يبعد عنه جهاز الهاتف، وأن لا يوصله بالكونكسيون، حتى لا تزعجه التنبيهات المتكررة.

    بعد تقديم هذه النبذة عن ظاهرة الفيسبوك، أريد أن أختم بملاحظة تتعلق بتجاهل العديد من فعاليات المجتمع للاهتمام بالموضوع، ومنها الوسط العائلي  والجمعيات المهتمة بالتربية، وجمعيات حقوق المستهلك، باعتباره استهلاكا لا ماديا، والمؤسسات الرسمية الحاضنة للشباب والناشئة، سواء منها التابعة لوزارة التربية الوطنية أو الشبيبة والرياضة والثقافة، هذه الفعاليات من واجبها تنظيم دورات لتوعية  و تحسيس هذه الفئة الهشة من مستخدمي الفيسبوك ، وتوجيههم إلى كيفية الاستفادة من خدماته وذلك في إطار البرامج التعليمية المندمجة والندوات باستضافة ذوي الاختصاص بقصد  إرشادهم  لتفادي الأضرار التي يمكن أن تنجم عنه.

  • كاتب وباحث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :

ـ برنامج بصراحة لإذاعة ميدي 1 – تدخلات :

ـ ذ/ أحمد الدافري

ـ ذ/ مصطفى الشكدالي

ـ حنان بنت شعشوع الشهري : أثر استخدام شبكات الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية ـ رسالة ماجستر.

ـ هبة فتوح : نشأة وتطور وسائل الإعلام PDF

Les dangers de facebook pour les 8-17 ans : Union nationale des associations familiales ( Unaf) France .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *