لازال الإعلام بين نفس الأيادي الأمينة الوفية التقية، التي لا تتفوه إلا بحكم الأولياء ولا تكتب إلا أقوال الصالحين وتحن إلى زمن الأساطير في كتاب " ألف ليلة وليلة".
رغم أنك تطل على العالم اليوم من خلف جدارك الأزرق لتنفتح على عوالم غاصت في أعماق البحار وأخرى علت في أفق الفضاء الواسع، يصر البعض على تمديد فترة حداد هذا الوطن، بحناجرهم التي بحت بترديد أناشيد الإمامة على أعتاب المعابد.
إنها أنشودة التقليد ترفض التغير وتقهر الزمن ـ لا كلمة تعلوا فوق كلمة المخزن ـ يقوى بمرور الوقت يطغى ويتجبر، ثم يخرج المنددين والرافضين إلى الشوارع وتتعالى الأصوات من الداخل والخارج، فيلين وينفتح ويتظاهر بالضعف ويعيد غزل خيوط اللعبة. وتنطلق آلة تدجين الرافضين ـ بدل الطريقة هناك ألف ـ من لا تسقطه السلطة يسقطه المال، ومن لا يسقطه المال تقهره الزلات، ومن يصمد في وجه التيار يجد من ينوب عنه من الأقارب والمقربين في السقوط، إنها لعنة السقوط إلى الأعلى.
لعنة أصابت شعبا هو في حقيقة الأمر شعبان، شعب من الملائكة في مواجهة آخر افتراضي من الشياطين.
أفراد هذا الشعب المثالي الذين يطالبون بالديمقراطية والحرية، وسيادة الدولة المدنية في إطار مؤسساتي يضمن الحريات العامة والخاصة، ويحفظ كرامة المواطنين. هم نفسهم في المقابل من يمثلون ذلك الشعب الذي يغوص في الواقع ويكرس الاستبداد بسلوكه اليومي، من منا لا يتمنى أن يكون له أحد المعارف داخل الادارة ليقضي له مصلحته على وجه السرعة دون أن يضطر للوقوف في ذلك الطابور الطويل، من منا يرفض وساطة للحصول على وظيفة. كل من كبر أو صغر مشكله إلا ويرجو تدخل صاحب الرجاء الصالح ليحل مشكله، متجاوزا بذلك كل المؤسسات وضاربا بعرض الحائط كل أعراف الديمقراطية ومكرسا لما اشتكى منه سابقا من محسوبية وزبونيه.
إن من يدافع عن الديمقراطية لا يرى ضررا في استعمال أساليب الكولسة للحصول على منصب.
ومن يدافع عن الدين لا يرى ضررا في استغلال خدمة الخالق لكي لا يكون ملزما بخدمة المخلوق.
إن من يمتهن القانون هو نفسه من يبحث عن ثغراته إما لتبرئة أو إدانة المتهم.
إننا شعب نعبر عن متمنياتنا وتطلعاتنا ولا نعمل على تحقيقها بل لا نمد يد العون حتى في المساعدة على تطبيقها، نحن شعب من الحيارى تملكه الإحباط فقاده إلى اليأس واليائس هو مشروع متطرف في المستقبل.
وقد جرت العادة في التاريخ أنه إذا عودت شعبا على القمع والمنع لعقود وبعدها مكنته من الحرية دون أن توفر له شروطها، فإنك تصنع شعبا زاهدا في كل القيم غير مستقر لرأي مستعد للتحرك في أي اتجاه وإن كان ضد مصلحته، مستعد للتخلي عن ثقافته عاداته وتقاليده لصالح أي ثقافة أخرى غربية كانت أم شرقية، مستعد للتخلي عن تسامحه وتعايشه وسلمه واستقراره والدخول في حرب نحن غير معنينا بها. أوليس هذا ما حصل في الربيع العربي؟
إن شعبا يتبع هواه ويتأثر بصحافة البؤس وما يتجشأ به كتاب "الصرف" الغير الصحي، وينتصر للظلم ويستكين لمن يمسس بلقمة عيشه. لا تنتظر منه اصلاحا أو تغيرا، بل ادعو من الله ألا يفسد أكثر لنترك للأجيال القادمة مهمة الإصلاح إذا نحن تركنا لها ما تصلحه.
لاشك أن حب البلاء أصبح لعبة الشعب المفضلة، يتلذذ بآلامه ويصبر لمعاناته ويسكت على ظلمه.