الخبر القنبلة، كشفت عنه صحيفة "إسرائيل ديفينس" العسكرية، في مقال لإفرايم لبيد العميد السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية و الباحث في شؤون المخابرات بجامعة "بار إيلان"، قال فيه أن الجاسوس المصري رفعت علي سليمان الجمال، المعروف جماهيريا باسم رأفت الهجان، كان «عميلًا مزدوجًا»، جندته المخابرات الإسرائيلية لخداع المصريين.
وقال افراييم لابيد إنّ الجاسوس المصريّ رفعت علي سليمان الجمال، الذي عرض التلفزيون المصري قصته في المسلسل الشهير (رأفت الهجان)، كان في الواقع عم يلاً مزدوجًا، حمل الاسم السري (يتيد)، ومعناها بالعربيّة وتد أوْ إسفين، زاعمًا أنّه قام بنقل معلومات مضللة للمخابرات المصريّة عشية عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967.
وأوضح افراييم لابيد: "قصة العميل المزدوج، الذي تم منحه اسم (ياتيد)، كانت واحدة من أهم عمليات جهاز الأمن العام الداخلي (الشاباك) في الستينيات، المواطن المصري رفعت الجمال كان لديه مشاكل قانونية في بلاده، وعرض عليه رجال المخابرات المصرية الذين اكتشفوا قدراته العمل كجاسوس مقابل إسقاط التهم الموجهة ضده".
وأضاف: "وافق وهاجر إلى إسرائيل كيهودي في إطار مواجهة هجرة اليهود من مصر بعد عملية سيناء (العدوان الثلاثي)، وعندما وصل إلى إسرائيل أثارت ممارساته الشكوك، واعتقله الشاباك، وعندما اكتشفوا أجهزة تجسس في بيته عرضوا عليه العمل كعميل مزدوج مقابل عدم محاكمته بتهمة التجسس لصالح دولة عدو".
وتابع لابيد: "من أجل تعزيز موقفه في إسرائيل أمام المصريين ساعدوه في افتتاح مكتب سياحة في شارع برنار في تل أبيب، المخابرات المصرية أخذت انطباعا عن قوة استيعابه في البلاد لكونه وكيل سفر".
وأشار الضابط الإسرائيلي إلى أن "المعلومات التي تدفقت من خلاله للمصريين كانت في جزء كبير منها حقيقية من أجل تعزيز الثقة فيه من قبل مُشغليه المصريين. على مدار سنوات كان هناك صعود وهبوط في أدائه الوظيفي تجاه جهازي المخابرات، المصري والإسرائيلي، اللذين عمل معهما".
وقال إفرايم لابيد: "عندما اقتربت حرب الأيام الستة تم نقل معلومات خاطئة من خلاله للمصريين حول منظومة التشغيل في سلاح الجو الإسرائيلي، رفعت نجح في إقناع المصريين أن سلاح الجو يعاني من ضعف كبير أمام سلاح الجو المصري، وأن إسرائيل لن تجرؤ على إصابة القواعد الجوية المصرية لأنها محمية بشكل جيد ببطاريات مضادة للطائرات، وهكذا بنت مصر تصورًا أن أي هجوم وقائي إسرائيلي لن يتم تنفيذه بواسطة سلاح الجو".
وأضاف: "عندما علم الجيش الإسرائيلي أن هذه الرسالة تم استيعابها من قبل المصريين، زادت ثقتهم في الخطة التنفيذية «موكيد»، والتي كانت الخطوة الأولى في حرب الأيام الستة، هجوم مفاجئ مسبق واسع النطاق من قبل سلاح الجو الإسرائيلي على الطائرات المصرية، بينما هي على الأرض في القواعد الجوية".
وتابع الضابط الإسرائيلي: "في بداية السبعينيات طلب رفعت مغادرة إسرائيل، وتم إرساله إلى ألمانيا، حيث مات عام 1982، وفي عام 1988 كشفت صحيفة مصرية رفعت كبطل قومي عمل 20 عامًا من قلب إسرائيل دون أن يتم اكتشافه، ثم تم تحويل قصته لمسلسل تليفزيوني".
ولا تعد هذه أول مرة تتهم فيها جهات إسرائيلية رفعت الجمال بلعب دور عميل مزدوج,حيث سبق و أن ذكرت صحيفة «هآرتس» ، في تقرير نشر قبل ثلاث سنوات، أن مفخرة المخابرات المصرية "رأفت الهجان"، الذي يحفظ المصريون قصّته عن ظهر قلب، ويتداولون بطولته وجرأته وحنكته الأسطورية، ما هو إلا "يتيد"، العميل المزدوج الذي نجحت الاستخبارات الإسرائيلية في كشفه، ثم تجنيده، واستخدامه لاحقاً لتضليل الاستخبارات المصرية عبر تقديمه معلومات كاذبة كان لها دور حاسم في نجاح الضربة الجوية التي شنّها سلاح الجو الإسرائيلي في الساعات الأولى من حرب الأيام الستة سنة 1967.
وقتها كتب يوسي ميلمان، معلّق الشؤون الأمنية في "هآرتس"، أنّ قضية "يتيد"، التي كانت محور محاضرة أُلقيت وقتها في مركز التراث الاستخباري، مثّلت بحسب قوله، إحدى عمليات الخداع الأنجح في تاريخ الاستخبارات الإسرائيليّة. و أن العملية بدأت عندما ألقي القبض على عميل أُرسلته الاستخبارات المصرية إلى إسرائيل في الخمسينيات ، و أنه وافق، بعد كشف أمره، على التعاون مع تل أبيب، ليصبح «عميلاً مزدوجاً»، نُقل بواسطته الإسرائيليون الى المصريين معلومات كاذبة.
و حسب رواية "هآرتس" دائما فقد بدأت القصة، ، بتجنيد رفعت الجمّال للاستخبارات المصرية، بعدما تورط مع القانون وعُرض عليه في مقابل عدم محاكمته أن يكون جاسوساً. وفور موافقته، خضع لسلسلة تدريبات اشتملت على زيارات كُنس من أجل معرفة الدين اليهودي. وبعد إعداده، انتحل هوية مختلقة ليهودي مصري اسمه "جاك بيطون".
في بداية 1955، أبحر الجمّال (بيطون) من الإسكندرية الى إيطاليا حيث مكث وقتاً ما، وعمل فيها من أجل تعزيز ساتر التغطية. وفي النهاية هاجر الى إسرائيل، حيث كان يتعين عليه، بحسب خطة طموحة أعدها مُشغّلوه، أن يندمج في المجتمع الإسرائيلي. ومن أجل ذلك، زودوه بمبلغ كبير من المال استثمره في وكالة سفر «سي تور» في شارع برنار في تل أبيب.
وتتابع "هآرتس" روايتها لقصة الهجان، فتقول إنه تحت غطاء السفر للعمل، أكثر الجمّال/ بيطون الخروج إلى أوروبا للقاءات مع مُشغليه في الاستخبارات المصرية. هذه الأسفار أثارت الشكوك لدى شريكه، الدكتور ايمرا فريد، وهو من رجال المؤسسة الأمنية المتقاعدين. شكوك فريد وصلت إلى مسامع أعضاء من «الشاباك»، و هناك وجدت لها آذاناً صاغية لم تُهمِل الشكوك، بل أولتها الأهمية المطلوبة، وخصوصاً أنها صدرت عن شريك الجمّال، الذي من المفترض أنه مطلع على أوضاعه المادية تحديداً والتي لا تتيح له تمويل هذه الرحلات إلى الخارج، وفق ما نُقل عن فريد الذي قال "من أين لمهاجر جديد المال، فيما عملنا لا يُكسب أبداً؟".
في أعقاب هذه الشكاية، وُضع "بيطون" (الجمّال) تحت المراقبة التي استمرت بمساعدة الموساد في الخارج أيضاً، حيث شوهد يلتقي مشغّله المصري. ومع عودته إلى إسرائيل، قبض "الشاباك" في المطار على الجمّال ووضعوه بين خيارين: إما المكوث في السجن عشرات السنين بتهمة التجسس، وإما الموافقة على أن يكون عميلاً مزدوجاً. وبحسب "هآرتس"، فقد اختار الجاسوس المصري الخيار الثاني، فتم ليبدأ العمل تحت إمرة الضابط "شلومو غولند"، قبل أن تنتقل مسؤولية الإشراف عليه لاحقا إلى "دافيد رونين". ومن أجل تثبيت الثقة به عند المصريين، صوّر «بيطون»، تحت رقابة وثيقة من رجال "الشاباك"، قواعد للجيش الإسرائيلي، وجنوداً في محطات وشعارات وحدات ونقل المعلومات الى المصريين.
وينقل ميلمان عن مُشغّل الجمال، رونين، قوله إن "المعلومات التي نُقلت كانت غير سيئة البتة من وجهة نظر المصريين"، ولهذا رأوه أحد أفضل عملائهم. وفي إحدى زياراته لأوروبا سنة 1963 التقى امرأة ألمانية، تزوجا وولد لهما ابن.
إما ذروة عملية "يتيد/الهجان"، بحسب ميلمان، فكانت نقل معلومات كاذبة الى المصريين في 1967، قُبيل حرب الأيام الستة، مفادها أنه و بحسب خطة الحرب التي حصل عليها من مصادره، ستبدأ اسرائيل المعركة بإجراءات برية. وكان هذا، بحسب "هآرتس"، تضليلاً من الطراز الأول، يساوي في قيمته "حيلة القطع"، التي نجحت بها جهاز الاستخبارات البريطانية اللامع زمن الحرب العالمية الثانية، في خداع و تضليل النازيين حول مكان نزول قوات الحلفاء إبان غزو أوروبا في 1944.
وتضيف "هآرتس" أن المعلومات المضللة لـ"بيطون" كانت أحد الأسباب التي جعلت مصر غير مبالية جداً قُبيل الحرب وتركت طائراتها مكشوفة لأنظار الجميع على مدرجاتها في المطارات، وهو الأمر الذي سهّل على سلاح الجو الإسرائيلي القضاء عليها في ثلاث ساعات، وبهذا حُسمت المعركة بقدر كبير في واقع الأمر. وتعليقاً على أهمية دور "بيطون" في حرب الأيام الستة، قال أبراهام أحيتوف، الذي كان زمن تشغيل "بيطون" رئيس الشعبة العربية في "الشاباك" ورئيساً للجهاز في الثمانينيات: "وفّر علينا (بيطون) دماً كثيراً، كان تشغيله يوازي قوة فرقة".
وتضيف «هآرتس» أنه بعد حرب 1967، انتفت الحاجة الى بيطون، فضلاً عن شعوره بالتعب جرّاء التوتر اليومي لعمله السري، فأصبح عصبياً وأخذت تكبر مطالبه المالية من الدولة، ليستقرّ الرأي على قطع الصلة به وإعادة تأهيله. و لهذه الغاية، دبّرت المؤسسة الأمنية أمر دخوله في شراكة مع رجل أعمال إيطالي، مالك لشركة نفط نقبت قبل الحرب في سيناء التي أصبحت حقولها تحت السيطرة الإسرائيلية. لكن هذا لم يكن كافياً لـ"بيطون" وطلب ملايين الدولارات في مقابل خدمته التي استمرت 12 سنة. لتدخل علاقته بمشغّليه في "الشاباك" مرحلة التدهور.
وعن نهاية حياته، كتبت "هآرتس" أنه بعد ذلك بوقت قصير أُصيب بالسرطان. فبدأ رحلة العلاج في مستشفى باسرائيل لكن ارتيابه في أن رجال "الشاباك" سيحاولون تسميمه، جعله يطلب نقله للعلاج في أوروبا. فاستجاب "الشاباك" لطلبه وتم نقله لمستشفى في ألمانيا ومات هناك.
وختمت "هآرتس" تقريرها بالإشارة إلى أن الجمال دُفن في مصر، وقالت إن الإسرائيليين ظلوا يحافظون على صمت تام. ونقل ميلمان عن أيسر هرئيل، رئيس الموساد و الشاباك في مطلع التسعينيات، قوله، تعقيباً على الرواية المصرية للقضية:"ليفرحوا، وليظلوا يصدقون حكايتهم". وهذا تقريبا نفس ما قاله نائب رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق في برنامج "سري جدًا" مع يسري فؤدة, حين أكد أن رأفت الهجان خرافة مصرية ابتدعتها المخابرات المصرية…
و على الطرف الآخر، استطلع موقع "إيلاف" آراء عدد من الباحثين و الخبراء المصريين، من بينهم الدكتور عماد جاد، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي أفاد أن الحديث عن الهجان له علاقة بالخوف الإسرائيلي من توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد سقوط نظام مبارك، الذي كان حليفًا لهم، لاسيما في ظل عدم معرفتهم بتوجهات النظام الذي سيأتي للحكم وطبيعة علاقته معهم وغموض توجهات النظام الجديد، مشيرا الى أن الأمر لا يتعدى كونه حلقة جديدة من حلقات الجدل الدائر حول العملاء بين البلدين مثل أشرف مروان، الذي يحكى أنه كان عميلاً مزدوجًا بين الحين والآخر.مؤكدا على أن إثارة الموضوع الآن ليس له دلالة سياسية بقدر ما يعني إثارة داخلية لملف الجواسيس بين مصر وإسرائيل في الحلقات النقاشية التي تعقد هناك، لافتًا الى أن إثارة هذا الملف أمر متكرر ويحدث بين الحين والآخر ولا ينظر إليه بعين الاهتمام لأنها قضايا جدلية.
فيما اعتبرت الكاتبة الصحافية المهتمة بالشأن الإسرائيلي فريدة النقاش في حديثها لـ"إيلاف" أن طرح القضية في الوقت الحالي راجع الى حرب نفسية تحاول أجهزة المخابرات الإسرائيلية شنّها على الشعب المصري، بعدما أعادت له ثورة 25 يناير كرامته وإحساسه بذاته وجعلته يشعر بالقوة والفخر بجنسيته.
ولفتت الى أن الموساد اعتاد تصوير نفسه في وسائل الإعلام باعتباره جهاز المخابرات الأقوى عالميًا الذي لا يقهر ولا يمكن اختراقه من خلال تلفيق قصص وأكاذيب واهية، موضحة أن كل الدلائل والوثائق المتوافرة حتى الآن في قضية الهجان تشير الى ولائه وإخلاصه للمخابرات المصرية.
وأوضحت النقاش أن كل ما تردده المخابرات الإسرائيلية حول الهجان وأشرف مروان يظل في خانة الاتهامات المرسلة غير المثبتة بأي وثائق، مشددة على أن أكاذيب الموساد تأتي دائمًا لرغبته في عدم الاعتراف بالفشل في أي مهمة والتأكيد دائمًا أنه جهاز لا يمكن اختراقه.
و اتفق معها في الرأي محمد بسيوني، سفير مصر السابق في إسرائيل، مشيرًا الى أن أي جهاز مخابرات في العالم يرفض الاعتراف بأنه تم اختراق من جهاز دولة أخرى، مؤكدًا في الوقت نفسه على أن مصر لديها كل الدلائل والحقائق التي تثبت أن رأفت الهجان أدى أداء حسنًا، وقام بتقديم العديد من المعلومات المهمة والخدمات الجليلة للمخابرات المصرية.
عن كود