بعث الأستاذ والفنان عبد القادر البدوي رئيس جمعية العهد الجديد فرقة البدوي للثقافة و المسرحي وأحد قيادي وقيدومي المسرح المغربي رسالة شديدية اللهجة إلى كل من
عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة، وإلى وزيري حكومته في الثقافة والاتصال، ومعهم رئيس لجنة التعليم والثقافة والإعلام بمجلس النواب، وكل رؤساء الفرق البرلمانية. ندد فيها بمحتوى مسودة مشروع قانون الفنان، الذي اعتبره يغرد خارج سرب المسرحيين والمسرح المغربي وما يحمله أرشيفه من طاقات وإبداعات كبيرة. إليكم نص الرسالة ….
باسم الله الرحمان الرحيم
الدار البيضاء في 5 يناير 2016
السيد المحترم رئيس الحكومة ، السيد المحترم وزير الثقافة ، السيد المحترم وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ،
السيد المحترم رئيس لجنة التعليم والثقافة والإعلام بمجلس النواب، السادة المحترمين رؤساء الفرق البرلمانية،
سلام تام بوجود مولانا الإمام، وبعد
الموضوع : ردا على مسودة مشروع قانون الفنان.
على إثر المبادرة التي اتخذتها وزارة الثقافة والنقابة المسماة ب ” النقابة الوطنية لمحترفي المسرح بالمغرب ” بتقديم مشروع قانون لتنظيم عمل محترفي المسرح ببلادنا في إطار مسودة مشروع قانون الفنان،
وعلى إثر توصل الفرق النيابية بمسودة هذا المشروع وبداية تدارسه قبل تقديمه للمناقشة وللمصادقة على مضامينه،
ونظرا للطابع المفاجئ الذي اكتسته هذه المبادرة، بالنظر لصبغته الأحادية في تقرير مصير الفنان المسرحي الاحترافي ببلادنا، بدون الاستشارة معه أو الإنصات لوجهات نظره ولمطالبه،ونظرا لأن الأمر قد جاء للالتفاف على جهود مضنية وشاقة كان قد بذلها الرعيل المؤسس للمسرح الاحترافي بالمغرب،
ونظرا للبعد التآمري لهذه المبادرة على ذاكرة رجال المسرح الاحترافي الحقيقيين ممن أضحت أصواتهم مصدر إزعاج لممتهني ثقافة الريع والاسترزاق والزبونية والمحسوبية باسم المسرح الاحترافي المفترى عليه،
ونظرا لإيماننا العميق أن هذا النهج الاستئصالي لن يعمل إلا على توجيه رصاصة قاتلة لهوية المسرح الاحترافي المغربي، إبداعا وتنظيما وتأطيرا وإشعاعا،
لكل ذلك، فقد قررنا، داخل مسرح البدوي، ومن موقع مسؤولياتنا التاريخية، توجيه هذه الرسالة لكم قصد تنبيهكم لخطورة ما يتم التخطيط له من توجهات تدجينية تمس في العمق بمصداقية الانتماء لمهنة الممارسة المسرحية الاحترافية وتفتح الباب أمام إفراغ هذه الممارسة من نبلها الوطني، ومن عمقها الإنساني الذي زرعه الرواد المؤسسون، واحتضنته تنظيمات الحركة الوطنية التحررية، ورعته جهود الغيورين والمخلصين بمغرب ما بعد الاستقلال.
ولوضعكم في الصورة، نقترح عليكم توزيع ملاحظاتنا على الشكل التالي :
أولا – إذا كانت المبادرة الحالية تزعم العمل على تنظيم مهنة المسرح الاحترافي وتحصين تجربة الفنانين المحترفين، فإن الأمر يبدو مكتنفا بالكثير من عناصر الريبة والشك. دليل ذلك، أن هذه المبادرة قد تجاوزت حصيلة كل ما تم إنجازه في السابق من أعمال ومبادرات، لا شك وأن تفعيلها وترجمتها على أرض الواقع كان سيكسبها قوتها الإجرائية الكفيلة بتحقيق المكاسب المتوخاة والمرجوة بالنسبة للفنان المسرحي المحترف الممارس.
يؤسفنا، في هذا المقام، التنبيه إلى أن مجهودات مسرح البدوي الممتدة على فترات زمنية طويلة تجاوزت الستين سنة، قد ووجهت بالكثير من عناصر الاستخفاف والإقصاء والتنكر. بل إن اسم الفنان عبد القادر البدوي قد أصبح مصدر قلق للكثير من المتحكمين في صنع القرار سواء داخل وزارة الثقافة أو داخل النقابة غير الشرعية. وتكفي الإشارة – في هذا السياق – أن كل ما كان لي شرف القيام به من مجهودات مسترسلة في إطار التنظيمات النقابية الفنية لسبعينيات القرن الماضي، وخاصة مع النقابة الوطنية لرجال المسرح، قد تم تجاوزه والسكوت عنه، وكأنه صفحة بيضاء في تاريخ الحركة المسرحية الوطنية، علما أن هذه التجربة قد اكتست الكثير من عناصر الريادة والجرأة في مقاربة إشكالات الممارسة المسرحية الاحترافية ببلادنا، بل وتحولت إلى عناصر ارتكازية في كل جهود التوثيق لواقع حال المسرح المغربي الاحترافي وآفاق النهوض به والارتقاء بوظائفه وبشروط الفعل بالنسبة لممارسيه.
ثانيا – تأسيسا على ذلك، كان الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني قد شرف عبد القادر البدوي باختياره ناطقا رسميا باسم المسرحيين المغاربة خلال لقاء جلالته بهم بالقصر الملكي العامر يوم 28 مارس من سنة 1991، الأمر الذي أثمر حيوية كبيرة في التحضير لعقد المناظرة الوطنية الأولى للمسرح الاحترافي بالمغرب. وقد بذلنا جهدا كبيرا في بلورة رؤى متكاملة للنهوض بالعمل المسرحي الاحترافي ببلادنا من خلال صياغتنا لتصور عام للمسرح الاحترافي بالمغرب و الذي على إثره جاءت الرسالة الملكية لمحترفي المسرح بتاريخ 14 ماي من سنة 1992. فأين نحن الآن من ثمار هذه الحيوية ؟ وكيف وقع طمس كل ما تم الاتفاق حوله في المناظرة المذكورة ؟ وما هو مآل مضامين الرسالة الملكية المشار إليها و التي نعتبرها ميثاق المسرح الاحترافي بالمغرب؟ وكيف وقع الالتفاف على كل المكتسبات التي حملتها المناظرة والرسالة الملكية ؟ أسئلة متناسلة، لا شك وأنها تميط اللثام عن حقيقة المواقف المستترة من أجل سحب البساط من تحت أقدام جهود تفعيل توجيهات الملك المغفور له الحسن الثاني وتطلعات كل الغيورين على المسرح الوطني الاحترافي ببلادنا، وهي التوجهات التي كانت – في حينها – ميثاقا ناظما لآفاق النهوض بالمسرح المغربي، وأرضية للتأسيس لشروط الفعل المسرحي الاحترافي ووضع حدود فاصلة بينه وبين عمل الهواة أو الموظفين والمستخدمين الذين يمارسون مهنا أخرى ويتطاولون على المجال من أجل الانتساب إليه. لقد تناسى أصحاب هذا التوجه، والذين يمارسون سطوتهم داخل الوزارة الوصية والنقابة الغير الشرعية المعلومة، أن الانتماء للمسرح الاحترافي يشترط ان لا يزاول أصحابه إلا مهنة المسرح ولا شيء غير ذلك، من دون الجمع – بشكل قطعي – بين هذه المهنة وأية مهنة أخرى. فالمسرح الاحترافي يظل مصدر الدخل الوحيد لممتهنيه، ومحدد هويتهم الإبداعية وانتسابهم المهني. لذلك، لا يجوز ممارسة مهنة أخرى أو الحصول على دخل آخر من قطاع وزاري آخر كيفما كانت الأسباب والمبررات، وقبل ذلك لا يجوز لمن يجمع بين المسرح ومهنة أخرى أن يتحدث باسم المسرحيين الاحترافيين ولا أن يمثلهم في إطار نقابي أو جمعوي أو ما شابه ذلك، لسبب بسيط يتمثل في أنهم غير محترفين، ما دام فيهم المعلم والصحافي والموظف والإداري …الخ.
ثالثا – إذا كانت الوزارة الوصية قد اعتبرت التنسيق مع النقابة الغير الشرعية نوعا من الإشراك المباشر لرجال و نساء المسرح الاحترافي، فالأمر يظل مكتنفا بنوايا تآمرية فاقعة، مادامت النقابة غير الشرعية لا تمثل إلا نفسها، ومادامت قطاعات عريضة من ممارسي المسرح الاحترافي ببلادنا قد احتفظت لنفسها بمسافات واسعة عن كل ما يمت لهذه النقابة الغير الشرعية بصلة. باختصار، هي نقابة تفتقد للشرعية، مادامت لا تمثل الفنانين المحترفين الحقيقيين، ومادام المتحكمون في دهاليز النقابة المزعومة هم مجرد مستشارين أو موظفين بالوزارة أو موظفين أشباح، ظل هاجسهم الأساسي ينحصر في تدعيم امتيازاتهم العينية ومصالحهم المادية المباشرة.لذلك، فإننا نرفع صوتنا عاليا، مؤكدين أن هذه النقابة لا يمكن – أبدا – أن تمثل مسرح البدوي ولا يحق لها أن تتحدث أو أن تتفاوض باسم المسرحيين المغاربة المحترفين، مادامت لا تمثل إرادتهم في شيء.
رابعا – تفعيلا للبعد التشاركي في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الخاصة بمآل الممارسة المسرحية الاحترافية ببلادنا، نرى أن الأمر أصبح يقتضي إعادة المشروع المقدم للبرلمان إلى مساره الطبيعي داخل دهاليز الوزارة الوصية و الرجوع لمضامين الرسالة الملكية لأنها ميثاق المسرحيين المحترفين، و البحث عن آلية لإشراك كل الرموز و المحترفين، بعيدا عن منطق الإقصاء وعن نزوعات التآمر وعن خلفيات الأحقاد الشخصية. فالأمر أكبر من كل هذه السقطات، وأسمى من أن ينتهي بين يدي تجار المناسبات وانتهازيي فرص الزمن الضائع وفرانكفونيي المرحلة.
خامسا – لكل ذلك، فإننا نتوجه إليكم، من موقع مسؤولياتنا التاريخية التي جسدناها داخل مسرح البدوي كفضاء للعمل الوطني وللتربية على قيم المواطنة وللتأصيل للهوية الثقافية الحقة، من أجل تحملكم لمسؤولياتكم في إيقاف العبث المستشري داخل دواليب عمل الوزارة والنقابة الغير الشرعية، ومن أجل بلورة رؤية بديلة بإشراك جميع الأصوات الغيورة. ومن جهتنا، فإننا على أتم الاستعداد لتحمل مسؤولياتنا، مثلما عهدتمونا دائما، للعمل داخل الإطار العام الذي يستثمر الإنجازات والتجارب السابقة، من أجل استشراف المستقبل، ومن أجل إيقاف زحف آلة التردي والفساد والجحود التي أضحت تنخر جسد الممارسة المسرحية الاحترافية الوطنية. ويقينا منا أن التفكير المسؤول سيعود بنا لمساءلة حقيقة خبايا التردي الراهن، في أفق العودة للبحث في سبل استثمار التراكم السابق، وهو التراكم الذي يسعى متهافتي المرحلة الراهنة إلى مسخه وتقديمه كما لو أنه صحراء قاحلة، في تنكر مكشوف لجهود الرعيل المؤسس، وفي جحود مزمن لا شك وأنه يشكل العنوان الأبرز لمهاوي إفلاس الممارسة المسرحية الوطنية الاحترافية الراهنة.
أملنا كبير في روحكم الوطنية وفي غيرتكم على الهوية الثقافية المغربية، من أجل تدارك الأمر والالتفات لمطالبنا بإشراكنا في كل المشاريع التي تستهدف إعادة التأطير القانوني للعمل المسرحي الاحترافي ببلادنا. ونحن على استعداد لوضع بين أيديكم كل الوثائق المرجعية ذات الصلة وكل الاجتهادات والمبادرات السابقة، وتنظيم لقاءات تشاورية معكم، قصد إغناء عملكم ووضعكم في صورة انتظارات ممتهني المسرح ببلادنا، وقصد الوصول إلى تجاوز ثغرات مشروع القانون المقدم للبرلمان في أفق نسخه وبلورة قانون بديل يستجيب لتطلعات أسرة المسرح المغربي الاحترافي المعاصر.
وفي انتظار ذلك، تقبلوا فائق عبارات التقدير والاحترام.
ذ.عبد القادر البدوي رئيس جمعية العهد الجديد فرقة البدوي للثقافة و المسرح.