لوهلة قصيرة ضن المغاربة أن مطلبهم القاضي بفرض استقلالية مجلس النواب عن الحكومة ورئيسها، وعدم ربط انتخاب رئيس مجلس النواب وباقي أعضاء مكتبه المسير، بالتشكيل الحكومي… قد تحقق خلال هذه الولاية.. بعد أن خيل لهم أنه تم إطلاق سراح البرلمان من قبضة المتفاوضين على التشكيل الحكومي. حيث قرر زعماء الأحزاب السياسية اليوم الجمعة دعوة نواب الأمة، من أجل انتخاب رئيس لمجلس النواب. علما أن التشكيل الحكومي لازال عالقا في عنق زجاجة الأخوين التجمعي والإسلامي (نوش ومامنوش). ويرجع الفضل في هذا الإجراء الذي صادق عليه الزعماء كرها وحسرة. إلى مبادرة الملك محمد السادس، الذي وبعد أن طلب عودة المغرب إلى مكانه الشرعي والمؤثر داخل الاتحاد الإفريقي. وهو الطلب الذي سيناقش خلال القمة ال28 للمفوضية الإفريقية نهاية الشهر الجاري. كان لابد للحكومة والبرلمان بغرفتيه (مجلسا النواب والمستشارين) أن يسارعوا إلى المصادقة على القانون الأساسي لمفوضية الإتحاد الإفريقي قبل عقد المؤتمر الإفريقي بأدبي أبابا…، ونشره بالجريدة الرسمية، ليصبح ساري المفعول قبل انعقاد المؤتمر..
إنه المنطق الديمقراطي الذي طرق باب السياسة بالمغرب. وفرض على ساسة البلاد، الاحتكام إلى الشرعية المطلقة، التي تقتضي استقلالية السلطتين التنفيذية (الحكومة)، والتشريعية (البرلمان). عوض جعل منصب رئيس مجلس النواب وباقي أعضاء مكتبه، ضمن (كعكة التفاوض)، التي تضم بالإضافة إلى الحقائب الوزارية، مئات الوظائف السامية والراقية بدواوير الوزارات ومرافقها العمومية المركزية والجهوية والإقليمية و..
المنطق الذي يؤكد على ضرورة أن يتم انتخاب أجهزة مجلس النواب، مباشرة بعد انتخاب نواب الأمة. وألا تكون هناك علاقة بين هذا الانتخاب، وبين التشكيل الحكومي. وإلا فإن البرلمان سيكون تابعا للحكومة. وستكون له مهمة واحدة، متمثلة في التطبيل لكل القرارات والمقترحات التي تأتي بها الحكومة.. ويفقد بذلك عمله المتمثل في المراقبة لعملها…
لكن ساسة المغرب، مصرون على أساليب (الطرز والطنز)، وإعادة صباغة وطلاء هذا المنطق الديمقراطي (لي جابوا الله)، بما اعتادوا نسجه من وهم وهراء. ليتم إجهاض هذا المنطق الديمقراطي الذي فرض نفسه. وذلك الرهان على موعد الاثنين…
فبعد أن كادوا تحويل مجلس نواب الأمة إلى ما يشبه (الحلقة) بجزم اللام كتلك التي ينصبها (الحلايقية) بساحة جامع الفنا بمراكش،أو (الجماعة) بجزم الجيم، التي يحدثها سكان حي أو دوار ما، للتكفل بتقديم العزاء والتهاني والدعم الاجتماعي، بعيدا عن الوثائق والشكليات الرسمية. وبعد أن ذهب رئيس الحكومة ومن يستشير معه إلى فكرة عقد مجلس النواب تحت إشراف أكبر النواب سنا. من أجل التصويت على القانون الأساسي لمفوضية الإتحاد الإفريقي. والاحتفاظ بمناصب البرلمان حتى موعد (الوزيعة) أو (التويزة) الحكومية الذي بات بعيدا بعد جملة (انتهى الكلام) التي حررها رئيس الحكومة في بلاغه الأخير…
عاد إلى صوابه، بعد الاجتماع الذي عقده مع باقي زعماء الأحزاب التي تتوفر على نواب برلمانيين. حيث تم الاتفاق على عقد اجتماع طارئ لنواب الأمة يوم الاثنين المقبل، برئاسة الاتحادي شيخ البرلمانيين عبد الواحد الراضي (أكبرهم سنا)، من أجل انتخاب رئيس لمجلس النواب. على أساس أن يدعوا هذا الرئيس المنتخب، إلى اجتماع ثان للنواب البرلمانيين، من أجل المصادقة على القانون الأساسي لمفوضية الاتحاد الإفريقي. وذلك قبل انعقاد مؤتمر المفوضية (أي قبل 22 يناير الجاري). ويرجح أن يتم ذلك خلال الأسبوع المقبل…
منصب رئيس مجلس النواب، منح قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات، للاتحادي لحبيب المالكي، على صفحات عدة منابر إعلامية. قدمته كمرشح وحيد. بناء على معطيات لم تصدر بشأنها أية بلاغات رسمية، من طرف أحزاب احترفت إصدار البلاغات والتراشق بها. فحزب الأصالة والمعاصرة الذي اصطف بالمعارضة حتى قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية. خرج من السباق رغم قدرته على المنافسة والفوز. وأعلن عن عدم الترشح بشأن منصب رئيس مجلس النواب. كما أن المنصب أريد له أن يكون خارج سرب الأغلبية الحالية، والمتمثلة في أحزاب (العدالة والتنمية، التقدم والاشتراكية، الاستقلال). كما أن المنصب تم رفضه من قبل حزب التجمع الوطني للأحرار بعد أن قدم إليه (على طبق) من قبل رئيس الحكومة. على أساس القبول بأغلبيته الحالية، والكف عن المطالبة بجر حلفائه (الاتحاد الاشتراكي، الاتحاد الدستوي) إلى خانة الأغلبية. بينما لم نسمع لحزب حركة الشعبية ولا همسة، بخصوص هذا المنصب…
على العموم.. كان حلما قصيرا لمنطق الديمقراطية، وعدنا إلى الواقع حيث الوهم الديمقراطي.. سنعيش يوم الاثنين، تحالفا غامضا. لم تفرزه ثلاثة أشهر من المفاوضات… وطبعا فالمغاربة لا يأبهون بالنتائج كيف ما كانت ، وقد اعتادوا أن يرفعوا شعارهم الخالد (عليك أمان.. عليك أمان.. لا حكومة لا برلمان). ولكنهم غير محبطين باعتبار أن البلد لها من يدبر شؤونها داخليا وخارجيا… وأن الوهم الديمقراطي والهراء السياسي لساسة المغرب، يزيدهم تشبثا بالمؤسسة الملكية..
وأمام عبد الإله بنكيران مقترحين لا ثالث لهما. إما أن يقبل بالتحالف ب(جوقة) من الأحزاب لكي تذوب قوته وسطهم. ولكي يتم تشتيت الحقائق الوزارية، وفرض قوة الجوقة على رئيس الحكومة. وإما عليه أن يقدم على ما سبق وأقدم عليه مع حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال، وأن يطلب ود إلياس العماري أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة. وأن يغمض عينيه وعقله وقلبه على ما تراشقا به من ألفاظ نابية وتهم خطيرة. ليشكل معه تخالف بحزبين. طبعا مع تقديم تنازلات من الحزبين، فيما يخص الأسماء المنتظر استوزارها.. لكي لا ندخل المغرب في حلبة للصراعات الواهية… أما الحل الذي يفرضه القانون في حال تعذر تشكيل الحكومة من طرفه. فهو حل غير وارد لا من طرف الدولة ولا من طرف الشعب.. وكفانا هدرا للمال العام…