الرئيسية / اقلام حرة / عنف المدارس : عنف واحد وتداعيات مختلفة

عنف المدارس : عنف واحد وتداعيات مختلفة

بقدر ما تتسع دائرة العنف المدرسي ، بالقدر ما يتعمـق الجدل حول واقع المدرسة العمومية ومدى قدرتها على صون القيم وبناء الإنسان والانفتاح الفاعل على المحيط المجتمعي ، ومع كل حالة عنف تطال رجل التعليم ، إلا وينتشر صداها بسرعة ملفتة في مختلف الوسائل والوسائط الإلكترونية من مواقع اجتماعية وقنوات وجرائد إلكترونية وغيرهــا ، وهذا الانتشار الجماهيري الواسع النطاق ، لا يمكن تفسيره إلا بقيمة رجل التعليم ووضعه الاعتباري داخل المجتمـــع ومكانة المدرسة العمومية في بنيان الدولة ككل كفضاء للتربية والتكوين ، لذلك وبعيدا عن الأسباب والمسببات التي تغدي هذا العنف المدرسي الذي يجنح نحو تملك قالب الظاهرة المثيرة للقلق ، سنحاول رصد تداعياتــه على مستوى الضحايا (رجال التعليم) والتلاميذ/الجانحين والمدرسة وكذا على  المستوى الإعلامي .

– على مستوى الضحايا (الأساتذة) :

ما حصل للأساتذة/ الضحايا من إيداء عمدي في إطار مزاولة رسالتهم النبيلة، لا شك أنه خلــق آثارا نفسية تجـــاوزت حجم الضــــرر المادي الذي مس بسلامتهم الجسديــة ، فالجراح قد تندمـل مع مرور الأيام والشهور، لكــن انكسار النفس كانكسار المـرايــا من الصعب جمع شظاياها وإعادتها إلى وضعها السابــق ، مهما كانت حدة التعاطف ودرجة التــآزر، فاعتداء "التلميذ(ة)" على أستاذه أو أستاذته كــاعتداء الإبــن العاق على والديــه ، لذلك فحــدة الإنكســار تبدو أعمــق ، بعدمــا انتهـــــــك الشـرف ومست الكرامــة وتم العبــث بالرسالة النبيلة ، لذلك فمــن الطبيعي أن تتلاشى الثقــة بالنفس مع كل عملية اعتــــــــــداء وأن يتراجــــع منســوب الطمــوح المهنــــي ، فاتحا المجــال للخــوف والتوجــس من التلميذ (ة) والحيطـــة والحدر من أية عمليــة اعتــــداء محتملـــة ، وإذا ما تم استحضار دور مختلف الوسائل والوسائط الإلكترونية في تناقل مقاطع الفيديو والصور ذات الصلة بحالات العنف التي تطال رجال ونساء التعليم ، يمكن تقدير حجم التأثير النفسي الذي يلحق بالضحايا وأسرهم وأقربائهم وذويهـــم وزملائهم بعدما صاروا مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام الإلكترونية منها والورقيــة ، ودائرة الضرر تمتد لتشمل حتــى التلاميذ / الجانحين بعدما انتهى بهم تهورهـــم إلى ما وراء القضبان ، وما واكب ذلك من تتبع إعلامي لهم ولذويهــم .

– المشتبه فيهم (التلاميذ) :

هؤلاء هم طلاب علم ، وعلاقاتهم لا بالمؤسسة ولا بالأستاذ(ة) هي علاقة تربوية وتعليمية ، وبالتالي كـــان عليهم أن يصونوا صورة التلميذ(ة) بكل ما تحمل من انضباط وسلوك  ومواضبة ومسؤولية ، وكان عليهم أيضـــا أن يتحلوا بواجب الاحترام والتقديــر لأساتذة يبدلون قصارى الجهــود من أجل تنويرهــم وتمكينهم من المعارف والقيم والقدرات والمهارات ، لكنهم وتحت تأثيـر التهور الأعمــى وسوء التقديــر  كسروا قواعد الإنضباط التربوية ، ومسوا بالسلامة الجسديـة لأساتذتهم مقترفيـــن بذلك أفعـــــالا جرميـــة معاقب عليها طبقا لمقتضيات النـــــص الجنائي ، قادتهم إلى ما وراء القضبـــان ، وهذا المصير المؤسف من الطبيعي أن يتـــــــرك آثارا على نفسيتهم  عقب ارتكاب الجريمة مرورا بالاعتقال من طرف الشرطة القضائية وتعميق البحث معهم وإنهاء بإدانتهم بالعقوبة السالبة للحرية من طرف القضاء ، وبالقدر ما ستتم الحسرة والندم على ما صدر في حقهم من أفعال جرمية ، بالقدر ما تتعمق أزمتهــم وأسرتهم وذويهـــــــــم ، وهم يرون صورهم ووقائع اعتدائهم تتناقل عبر مختلف المواقع الاجتماعية ، ولن تنتهي الأزمة بانتهاء العقوبة السالبة للحريـــــــة بعدما تلقوا ضربة موجعة لن ينفع معها ندم ولا اعتذار ولا صلح ، ولا شك أنهم وهم داخل الزنــازن سينكسر تهورهـــم وسيدركون أهميـــة المدرسة وقيمة الأستاذ(ة) وكذا ثمــــن الإيــــــــــداء الذي ألحقــوه بأساتذتهم وأسرهـــم على حد سواء ، وإذا كان الضحايا يحتاجون للدعم والمؤازرة لتجـــاوز ما ألم بهم من ضرر مادي ونفسي ، فحتــــى هؤلاء التلاميذ الجانحين هم في أمــس الحاجة إلى المتابعة والمواكبـة بعد خروجهم من السجــن بعد المصالحة مع الذات أولا والضحايا ثانيا ، من أجل إرجاعهم إلى جادة صوابهم كمتعلمين ومتعلمات إنقادا لهم من السقوط في حظن الجريمــة ، فأي خطـــــأ له ضريبـــــة ، ونتمنى أن يدرك هؤلاء التلاميذ حجم الأخطاء التي اقترفوها ، على أمل أن يصححوا تصرفاتهم ويقطعوا  بشكل لا رجعة فيه مع السلوكات المتهورة وغير المحسوبة ، التي قد تدفعهم إلى السجن مرة ثانيــة .

– على مستوى المدرسة :

إذا كان الإيداء يمس بدرجة أولى رجل التعليم/ الضحية ، فهو في نفــــــس الآن يلحق الضرر بالمدرسة العمومية التي تضرب صورتها وسمعتها فــي الصميم ، ذلك أن كل عملية عنف تطال رجل تعليم ، إلا وتخلف اضطرابا على صعيد المؤسسة بين أوساط الأساتذة والإداريين والتلاميذ على حد ســــــــــــواء ، وتحدث أجواء من عدم التوجس وانعدام الثقة بين مختلف  الأطراف ، وهذا الاضطراب يمتد صداه إلى المجتمع ككل ، راسما صورة قاتمـة عن مدرسة ينتهك العنــف حرمتها يوما بعد يـــوما .

– على مستوى وسائل الإعلام :

صور الضحايا وكذا مقاطع الفيديو الموثقــة لوقائع الاعــــتــــــداء ، انتشــرت وتنتشــر في مختلف المواقــــــع الاجتماعيـــة ، وشكلت مادة دسمـــة لوسائــل الإعــلام الالكترونيــة والورقية عل حد ســواء ، وأثارت بالأساس ردود فعل متباينــة في العالم الافتراضي تقاطعت في مجملها حول الإدانة والرفض لما جــرى ويجــري ، وبالموازاة مــع ذلك فقد راجت مجموعـــة من الصور الساخــرة عبر مختلف الوسائل والوسائط بما فيها الهواتف الذكية ، من قبيل "مقطع فيديــو" ساخــر لأستاذ يلقي الــدرس وهو متحوزا بسلاح نــاري ، وبين الفينــة والأخـرى يسدد نحو التلاميــذ المشاغبين ، إلى أن ينتبه أنه أجهــز على الجميــع ، و"مقطع فيديو" ثاني حول أستاذة ترتــدي لباسا خاصا بفنون الحرب وهي توجـه الضربات لبعض التلاميذ وكأنهم خصومــا رياضيين ، وبالمقابل تم ترويج وتقاسم جملة من الصور التي لا تقل سخرية عن تلاميذ يتوجهــون إلى المدرسة وهم متحوزين بأسلحــة بيضاء بداخل المحفظة ، وهذه المقاطع والصور وإن وردت على سبيل السخريـة ، فإنهـا رسمت صورة قاتمة لمدرسة عمومية تعيش على وقــع العنف والصراع بين رجل تربية وتعليم وتلميذ (ة) في إطـار علاقة غاب فيها الحب والتقدير والاحتــرام وانتصــر فيها التهــور والتمــرد والمس بالسلامة الجسدية والمعنوية .

 

           إذن وبناء على ما سلف ، يمكن القول أن عنف المدارس لم ينتــــــه عند واقعة أستاذ ورززات ولم يتوقف عند حدود واقعة أستاذة الدارالبيضاء (الحي المحمــدي) ، بل لا زال النزيـــف مستمــرا ، بدليــل تسجيل حالات جديدة بعــد الواقعة الأخيـــــرة ، ومع كل حالة اعتــــــداء تنتهك كرامة رجل التعليم وتغتصب حرمـة المدرســـة ، وهـذا النزيــف الجارف لا يمكن الحد من امتداده بمذكرات وزاريــــة تعزف على وثــر التنديـــــد والتلويح  أو بلغة الصرامة والزجــــر ، أو بوقفات احتجاجية أو يوم إضــراب ، بـــل بإجــراءات جريئـــــــة وملموســـة على أرض الواقـــع ، وهــذا لــن يتــــــأت إلا بتشريح دقيــق للداء من أجل الدواء الناجـــــــــــــع والفعال .    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *