غرائب بلاد العجائب!!
محمد عزيز الوكيلي
بالطبع، ومرة أخرى، لا نعني بهذا العنوان إلا جارة الشرق، التي بزّت بغرائبها السياسية والدبلوماسية، وحتى الثقافية، كل ما طالعناه في طفولتنا الصغرى عن “أليس” وبلادها العجائبية… فكيف ذلك؟!
اِطّلعتُ بالصدفة على تحليل سياسي في غاية العقلانية لصحافي جزائري من الهاربين من جحيم بلادهم، يطرح فيه فكرة لا تعدم ان تكون تأويلاً سليماً للموقف الجزائري من الاعتراف الفرنسي بمغربية صحرائنا الجنوبية الغربية، جاء فيه: أن الرئيس عبد المجيد تبون، أخذ علما بالموقف الفرنسي الجديد بكل حذافيره، مباشرةً من فم “حبيبه” ماكرون، أثناء اللقاء الحميمي الذي جمعهما على هامش مؤتمر السبعة الكبار، في إيطاليا، قبل نحو شهر، وأنه لم يشأ أن يُخبر بذلك باقي حكام بلده، وخاصة العساكر منهم، وأنه، ربما بتنسبق مع ماكرون، خطط لاستغلال ذلك الاعتراف الفرنسي كرأس حربة في حملته الانتخابية القائمة راهناً، وذلك بتقديمه نفسه للشعب الجزائري المسطول كقائد باسل وشديد المراس، من خلال موقفه العنيف والرافض للطرح الفرنسي، وتماديه “نوعاً ما” في ذلك إلى درجة “سحب” سفيره لدى باريس، بسرعة قياسية وبأثر فوري، وتلويحه بقائمة من العقوبات ضد فرنسا، يعلم هو ذاته، قبل غيره، بأنها ستظل مجرد هرطقات كلامية لا تقدم ولا تؤخر، لأنه وكل من يحيطون به لن يستطيعوا اجتياز خط أحمر وضعه الإليزي في طريقهم ولا يزال، منذ التوقيع على اتفاقية إيفيان الشهيرة، التي تمنح للجزائر ما يشبه “الاستقلال الذاتي” بواسطة مرسوم رئاسي يكرس لحدث “تقرير مصير” الشعب الجزائري بتاريخ 1962, وهو بالمناسبة، الحدث الذي رفض أهالي صحرائنا الشرقية المسروقة والمنهوبة عنوةً أن يشاركوا فيه، من منطلق شعورهم العميق والثابت بانتمائهم التاريخي والإثني والثقافي لوطنهم الأب: المغرب…
هذه الحقيقة موجودة وموثقة في مختلف وسائل الإتصال والإعلام والتوثيق في كل جهات المعمور!!
ونعود إلى السي عبد المجيد، الذي ببدو انه ارتكب خطأً سياسيا فظيعاً بإخفائه ما أخبره به الرئيس الفرنسي أثناء حضوره الهامشي لفعاليات مؤتمر السبعة الكبار، مما أدى إلى الموقف السياسي الغريب لساكنة الموراديا، الذين لم يجدوا غير الرد رسميا على موقف مفاجئ لم يبلّغ إليهم بالطرق الدبلوماسية الرسمية، مما شكّل مرة أخرى سابقة في ساحة العمل الدبلوماسي الدولي لا ريب انها تستحق الولوج إلى سجل “غينيس” للأرقام القياسية تحت عنوان أو بند: “أفظع الحماقات الدبلوماسية”!! هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لا ريب أننا جميعا قد أخذنا علما بالانشقاقات الخطيرة التي انفجرت مباشرة بمجرد عودة تبون من إيطاليا، وحتى قبل أن يعلن ماكرون رسميا عن موقفه الجديد من قضية وحدتنا الترابية، وهي انشقاقات غير مسبوقة بكل المعايير، لأنها هذه المرة، لم تلبث أن أثمرت انفصالا شديد الخطورة في الجسم العسكري “للجيش الوطني الشعبي”، الذي خرجت منه جحافل أعلنت عن حركتها الانشقاقية تحت مسمى “الجيش الوطني الحر”، والتي لم تكتف بهذا الإعلان الواضح والفصيح، بل انتقلت رأساً إلى العمل المسلح إيذانا بدخول الجزائر في حرب أهلية ذات طبيعة عسكرية، وهذه كما نعلم جميعا، أشد خطورة من الحرب الأهلية التي عرفتها الجارة الشرقية في تسعينات القرن الماضي تحت مسمى “العشرية السوداء”، والتي كانت قائمة بين العسكر الذي اختطف الثورة الجزائرية منذ بدايتها، وبين المدنيين، بسبب رفض مختطفي الثورة من الجنرالات للاختيار الشعبي القاضي بتمكين جبهة الإنقاذ ذات الانتماء الإخواني من تدبير شؤونهم العامة!!
ها نحن، إذَنْ، أمام وضع في غاية الخطورة، تؤكده الفيديوهات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يلعلع الرصاص فيها بكثافة غير مسبوقة بين فصائل من الجيش الجزائري، في مناطق مختلفة من البلاد، مما يوحي باتساع رقعة الصراع وسريانه كسريان النار في الهشيم، وهو الواقع الذي لا يستطيع محلل أو متتبع أن يفصله عن بهلوانيات الرئيس تبون، الذي نسي كل شيء يخص بلده ومواطنيه، ولم يعد يضع نصب عينيه سوى الظفر بعُهدة رئاسية ثانية بكل الوسائل، بما فيها إذكاء الخلاف بين الأجنحة العسكرية التي يقف بعضها في صفه، وخاصة منها بقايا جناح القتيل غدراً، الكايد صالح، والتي يتحيّن بعضها الآخر الفرصَ للنيل منه من وراء ظهره، بتوجيه من الثعبان الأقرع الفريق أول، “غير السعيد شنقريحة”!!
ولَعُمري، فإن الرئيس ماكرون كان يعلم كل هذا مسبقاً، لأن كل ما يقع إنما هو بتدبير خفي من دهاقنته الذين ضاقوا ذرعاً بنظام عجوز وكسيح لم يعد يبشر بأي خير أو مصلحة أو منفعة، لفرنسا بالدرجة الأولى، ثم بعد ذلك لكل دول وشعوب المنطقتين المغاربية والمتوسطية!!
بلاد الغرائب والعجائب دخلت، إذَنْ، منذ نحو شهر في سرداب طويل كالح السواد، ربما لن يجد شنقريحة ومن يوالونه أي مخرج منه سوى إعلان الحرب على أحد جيرانه، مالي، أو النيجر، أو موريتانيا، أو ليبيا حفتر… أو المغرب، حتى يتسنى له أن يعيد لملمة شتات جيشه المتآكل، لعل ذلك يزيد في عمره الوظيفي، ليس حبا في الرئاسة الفعلية وفي قيادةٍ عافته قبل أن يَعافَها، وإنما خوفا من أي مساءلة أو محاسبة لن تلبث أن تطاله بمجرد تخليه عن قمرة القيادة في سفينة آيلة إلى غرق أكيد…
والعبرة بما سيأتي!!!
__________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.