الرئيسية / السياسية / فرنسا والجزائر: أُمٌّ غاضبة من عقوق ابنتها.. أو بداية قطع الرَّحِم؟!!

فرنسا والجزائر: أُمٌّ غاضبة من عقوق ابنتها.. أو بداية قطع الرَّحِم؟!!

 

أغلب المتتبعين للعلاقات الفرنسية الجزائرية، عبّر عن اعتباره الخصومة بين الإيليزي والموراديا مجرد سحابة صيف لن تلبث أن تُبدّدَها رياحُ الإرضاء والاسترضاء التي ستهبُّ لا محالةَ من قلب مبنى الموراديا باتجاه الإيليزي حاملةً معها نسائم التوبة عن ذنب العقوق، ومعبّرةً عن إرادة الاستفادة القسرية من دروس السياسة والدبلوماسيا الدوليتَيْن، وفي مقدمتها درس البراغماتيا المَرِنة، التي تضع مصالح الوطن وأهله فوق كل اعتبار، وفي أسوإ الحالات، مصالح الطغمة الحاكمة في علاقاتها بداخل الوطن وخارجه!!

لكن القليلين فحسب، هم الذين أشاروا في تعاليقهم وتحليلاتهم إلى أن في الأمر رسائلَ أخرى تكاد تكون خفية يتبادلها الطرفان من وراء حُجُب الظاهر السياسي، ومن بينها ملفات شائكة كثيرة تتعلق، على سبيل المثال بما يلي:

– التعامل الفرنسي مع ملف ملايين “الحَرْكِي” الحامل منذ ليل التاريخ الفرنسي الجزائري المشترَك لخاتَم: “صُنِعَ في فرنسا”؛

– التجارب النووية التي مارستها فرنسا في باطن الأراضي المغربية، المحتلة جزائرياً بالتوارث، ومعها بالمناسبة عمليات الدفن الممنهَج للنفايات النووية في ذات التربة؛

– الوجود البالغ أقصى درجات الإحراج، داخل التراب الفرنسي وتحت الحماية السياسية والأمنية الفرنسية، لرئيس دولة وحكومة المنفى لجمهورية القبائل، وخاصة بعد إعلان هذه الأخيرة استقلالها الاعتباري من جانب واحد، في انتظار تحقيق استقلالها الفعلي، وتَجاوُزِها ذلك إلى تقديم ذاتها للمجتمع الدولي ككيان مؤسساتي مُطالِبٍ بحقه في تقرير المصير، ثم قَبول هيأة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لهذا المنحى قَبولاً سياسياً من حيث المبدأ، وهذا الأمر وحده كافٍ لإذكاء نيران العداوة بين الموراديا والإيليزي بالنظر لعلاقته الوثيقة، ولو إعلامياً على الأقل، بما يدّعيه نظام الجزائر من التزامه بمبدإ دعم تقرير مصير الشعوب المستضعفة، وهو الالتزام الذي يعرف العالم برمته أن النظام العسكري بالجزائر كاذب ولا يريد به سوى مرتزقة “الجزائر الجنوبية” المقيمين بتيندوف المحتلة، وإلاّ لكان دفاع ذلك النظام الكسيح عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها قد طال شعب الأهواز العربي، الذي سلّم الاستعمار البريطاني قيادَهُ للاستعمار الإيراني؛ وشعب كاطالونيا الذي يناضل من أجل الانفصال عن التاج الإسباني؛ وشعب الآغور المضطهَد ليلَ نهارَ بأيدي زبانية النظام الصيني؛ وشعب الطايوان الذي يكافح بدوره من أجل الانفصال عن هؤلاء الأواخر؛ وشعوب أخرى تَسعى كلُّها إلى نيل حقها في تقرير مصيرها، في مستعمرات فرنسية وبريطانية وغيرها… ثم لَكان النظام الجزائري قد التزم قبل كل هذا وبَعده بالدفاع عن أوكرانيا ضد العدوان الروسي بدلاً من لحس حذاء بوتين بدعوى أنه محبوب عالمياً، كما قال عبد المجيد تبون بعظمة لسانه خلال زيارته المُهينة لروسيا، وأيضا بدعوى كونه الراعي لأمن الجزائر والحامي لحِماها والضامن لاستقلالها، كما وصفه نفسُ الرئيسِ غريبِ الأطوار في ذات الزيارة فأثار بذلك سخرية العالَم واستهجانه وقَرَفِه، وسخرية بوتين ذاته!!

المشكلة الجزائرية الفرنسية إذَن، أكبر من مجرد غضبة عابرة “لِعسكرِ نادي الصنوبر” من أمهم فرنسا، بسبب انضمام الإيليزي إلى أطروحة المغرب العادلة في موضوع صحرائه الجنوبية الغربية، والعُقبى بالمناسبة لصحرائه الشرقية؛ والمشكلة أيضاً أكبر من ورقة الأديب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، التي حاولت الجزائر نفخها وتضخيمها لتضغط بها على ماكرون في حركة بئيسة تشبه إلى أقصى حد تَعَلُّقَ الغريق بالقَشّة، لأنه من غير المعقول ولا حتى الجِدّيّ، وبالتالي المُجْدي، أن يضع تبون وشنقريحة وزن الريشة الذي يُجسّده الكاتب بوعلام صنصال، مقابل وزن الفيل، بل وزن الجبل، الذي تشخّصه العلاقات المغربية الفرنسية المبنية من الآن فصاعداً على الخدمة الواقعية والبراغماتية لمصالح المغرب وفرنسا دولةً وأمّة!!

لكن حكاماً، مرفوعٌ عنهم القلم، مثل تبون وشنقريحة، من الطبيعي أن يعجزوا عن فهم قواعد العلاقات بين الدول كما ينبغي لها أن تُفْهَم، حتى لو تسنى لهذين الأخيرين أن يخضعا لحِمية علاجية ضد إدمان الكحول والمخدرات الصلبة وحبوب الهلوسة، لأنهما أساساً بلا ثقافة سياسية، وبلا أدنى علم بأبسط قواعد التعامل الدولي، وبلا أبسط دراية بأولويات تدبير الشؤون العامة للمجتمعات والأنظمة، بالرغم من كونهما يمثّلان نظاماً قائما بذاته ظاهرياً، ولكنه في واقع أمره مجرد ابن غاضبٍ وعاقٍ لأم بدأت في التخلي عنه إضطراراً لأنه أصبح يجر عليها أذيال المهانة، ولذلك وصفه الرئيس ماكرون بالنظام “المتخلي عن كرامته” و”المسيء إلى سمعته” بين الأنظمة والدول!!

بالأمس سمعتُ أحد المؤثّرين المغاربة الجديرين بالثقة والاعتبار، وهو د. عبد الفتاح نعوم، يتنبأ للنظام الجزائري بالاضطرار في نهاية مطافه إلى التخلي عن مطالبته فرنسا بمراجعة علاقاتها الطيبة مع المغرب والداعمة لوحدته الترابية، بل سيضطر إلى التخلي عن ميليشياته الجنوبية وترك مسألة نزاعه المفتعل حول صحرائنا في يد مجلس الأمن وهيأة الأمم المتحدة دون غيرهما، بعد أن أنفق أكثر من نصف قرن في الجري وراء حلم لم ولن يتحقق لأنه قائم على باطل، وبَعد أن جوّع مواطنيه وألقى بهم إلى طوابير المهانة، وجعل عُمْلتَه واقتصاده في أسفل سافلين، بل في خبر كان، رغم ثَرواته الطبيعية والبشرية المُهْوِلة!!
أعتقد شخصياً أن هذا المآل ليس ببعيد!!
__________

محمد عزيز الوكيلي

إطار تربوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *