الرئيسية / كتاب البديل / فرنسا والجزائر: جاء وقت المرور إلى الأفعال بدلاً من الأقوال!!

فرنسا والجزائر: جاء وقت المرور إلى الأفعال بدلاً من الأقوال!!

 

العنوان أعلاه مجرد نقل للعبارة التي فاه بها السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، السيد كزافيي دريانكور، الذي عيّن بهذا المنصب مرتين منفصلتين، ويعرف بالتالي المجتمعَ السياسي الجزائري معرفة عميقة، وخاصة على مستوى الحكام، الذين لا يحملون من هذا الوصف سوى الاسم، وكأنهم منتحلون لتلك الصفة، بل هم كذلك، لأن أفهامهم وأقوالهم وسلوكاتهم تؤكد بالملموس أنهم يمكن أن يكونوا أي شيء آخر غير “حكام” بمعنى ودلالات الكلمة!!

المناسبة التي أدلى فيها ذلك السفير السابق بتلك العبارة الملخصة لواقع حال العلاقات الفرنسية الجزائرية، في هذه الظرفية بالذات، ليست سوى الحملة الشعواء التي تشنها الجزائر ونظامها الحاكم وإعلامها المراحيضي على أمها البيولوجية، فرنسا، التي أنجبتها من علاقة غير طبيعية مع تركيا العثمانية، يقال إنها قامت على “البيع والشراء”، قُبيل سنة 1830, التي حل فيها الزبون الفرنسي شارل العاشر، أو الكونت دارتوا كما هو اسمه في التراتبية الاجتماعية الفرنسية بتلك الحقبة… أقول إن السبب في تفاقم هذا السوء في العلاقة الفرنسية الجزائرية يعود إلى عادة جزائرية يعرفها، الآن، العالمُ كلُّه، تجعل حكامَ الموراديا وإعلامَهم الهجين يعلقون كل إخفاقاتهم وفي جميع مناحي حياتهم العامة، الداخلية والخارجية، على مشجب دولة من الدول، كفرنسا الآن، وإسبانيا بالأمس، والإمارات العربية المتحدة قبل ذلك، وكالمغرب على الدوام، ومعه إسرائيل بطريقة من الطرق، لأن الجميع يعلم أن حكام الجزائر يطلبون ود إسرائيل في الكثير من المحافل والفضاءات وإن كان ذلك من خلف السُّتُر والحُجُب، وقد رأينا وسمعنا، بالأمس فقط، كيف أن السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة بنجامع، وهو يرأس اجتماع مجلس الأمن، نطق باسم المندوب الإسرائيلي لدى المجلس، ليس بوصفه “ممثلاً للكيان” كما تقول الجزائر الرسمية دولةً وحكومةً وإعلاماً، بل بصفته “ممثلا لدولة إسرائيل”، نعم “إسرائيل الدولة”، وقد رأينا بنجامع وسمعناه وهو يُثني على المندوب الإسرائيلي ويشكره عند منحه الكلمة وكذلك عند انتهائه منها… فسبحان مبدل الأحوال!!

ونعود إلى الأزمة الفرنسية الجزائرية، التي لخّصها السفير دريانكور بتلك العبارة، طالبا الانتقال إلى الفعل بدلا من مجاراة الجزائريين في لغطهم المفرط والمستديم، وخاصةً بعد أن وجه النظام الجزائري لفرنسا الرسمية تهمة جد ثقيلة تتمثل في تجنيد إرهابيين من أبناء الجزائر ليقوموا بعمليات داخل هذه الأخيرة، بغرض زعزعة استقرارها وأمنها (عن أيِّ استقرار يتحدثون وأيِّ أمن؟!!) لنجد أن الوضع يتلخص فعلا فيما يلي:

– خروح مؤثرين جزائريين في وسائل التواصل الاجتماعي بتصريحات عنصرية يَدْعُون فيها إلى ممارسة العنف ضد فرنسا وأهلها من جهة، وتطويره إلى القتل ضد معارضي النظام الجزائري من الجزائريين الذين يقيمون بفرنسا من جهة ثانية، والسير في هذا المنحى إلى درجة التحريض على الإضرار بالمواطنين الفرنسيين الذين يبدون عداوتهم للجزائر وفي طليعتهم أعلام اليمين الفرنسي من جهة ثالثة… وبطبيعة الحال، دون التكاسل أو الإغفال عن ربط ذلك كله بدسائس “المخزن المغربي”، الذي يضعه النظام الجزائري على الدوام خلف كل حركة أو فعل أو تصريح لا يعجبه ولا يساير طروحاته غير المعقولة، وغير المنطقية، والمنمة عن عقلية غير سليمة وغير سوية بكل المقاييس!!

بيد أنّ ردة الفعل الفرنسي كانت هذه المرة على درجة من الجدية والصرامة، بحيث أفرزت اعتقالاتٍ فوريةً فرديةً وجماعيةً لكل المؤثرين المُنَوَّهِ عنهم، انتهت إلى عَرض بعضهم على أنظار العدالة لخطورة أفعالهم وسلوكاتهم، واختيار ترحيل بعضهم الآخر إلى بلدهم الأم، الجزائر، لولا أن هؤلاء كانوا وما زالوا يتشبثون بالبقاء في التراب الفرنسي لأنهم يعلمون حق العلم أن عودتهم إلى وطنهم لن تنتهي بهم سوى إلى أحد مآلَيْن:

1- إما إيداعهم في السجون لأنهم أخفقوا في المهام التي أنيطت بهم من لدن استخبارات عبلة للإضرار بفرنسا وبالمعارضين الجزائريين المقيمين بها؛

2- أو تعريضهم للإهمال والمهانة وتركهم عرضة للفقر المدقع والتهميش والتشرد… وهذان كأسان أحلاهما مُرّ!!

في نفس هذا السياق، رحّلت السلطات الفرنسية مؤثرا جزائريا يُدعى “دوعلام” حيث رافقه رجالُ أمنٍ فرنسيون إلى مطار الهواري بومدين بالجزائر، ولكن هؤلاء فوجئوا بالسلطات الجزائرية وهي ترفض السماح لمواطنها بالدخول إلى الجزائر، مما اضطرهم، ربما لقلة تجربتهم، إلى العودة به من حيث أتوا، ليضعوه إثر ذلك في أيدي سلطات القضاء الفرنسي للتحقيق معه ومحاكمته طبقا للقانون الفرنسي بعد تكييف جُنَحِه أو جرائمِه… وقد انتقد بعضُ المعلقين الفرنسيين رجال أمنهم على قبولهم إرجاع المؤثّر المُرَحَل برفقتهم إلى فرنسا من جديد، لأنه كان عليهم بحسب هؤلاء المعلقين أن يمتطوا طائرتهم في طريق العودة ويتركوه في مطار الجزائر يواجه مصيره، فيسببوا بذلك إحراجاً شديداً ومستحَقّاً للسلطات الجزائرية!!

السفير الفرنسي السابق، والأسبق، كزافيي دريانكور، كان إذَن صريحاً وحاسماً في رده على الإعلامي الذي استضافه في إحدى القنوات الفرنسية، بدعوته سلطات بلاده إلى الانتقال من الردود الدبلوماسية والإعلامية لأنها لم تسفر عن أي نتيجة مَرضية، إلى ممارسة حق الرد الذي يخوّله القانون، في إشارة على الخصوص، إلى العقوبات الاقتصادية، التي من شأنها أن تصيب الجزائريين في مقتل، لأن فرنسا هي الممون الأوّل والأساسي للأسواق الجزائرية شبه الفارغة، والتي تشكو أساساً من نقص فظيع في الأغذية والأدوية والتجهيزات المختفلة بما فيها المنزلية، وكل هذه ستصيب الشعب الجزائري بالدرجة الأولى بالانهيار، ومن شأنها أن تزيد في إذكاء احتجاجات الشارع هناك، وربما تدفع به أكثر من أي وقت مضى إلى إحياء حَراكِه من جديد، مما قد ينتهي هذه المرة إلى ما انتهى إليه الأمر في العهدة الأخيرة للرئيس العليل بو تفليقة، أي بالدفع إلى تنحيته!!

ويبقى القول، إن هناك تدابير عملية أخرى يمكن لفرنسا أن تسعى إليها، ولكنها أكثر خطورة من غيرها، ومن بينها تحريك الجماعات الأرهابية التي يعلم الجميع أن فرنسا هي التي زرعتها وأمدتها بالسلاح والعتاد، لكل غاية مفيدة، في جنوب مالي وفي النيجر، وقد تدفع ببعضها إلى الحدود الموريتانية الجزائرية بذريعة دعم موريتانيا على التصدي لميليشات البوليزاريو… وقد يجري تحريك الأزواد والطوارق في نفس الإطار… وساعتئذ سيعرف حكام الجزائر الأغبياء إلى أي منقلب سينقلبون!!!
__________

محمد عزيز الوكيلي

إطار تربوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *