عادة ترتكب المجتمعات من ثلاث طبقات اجتماعية : طبقة عليا وطبقة سفلى وبينهما طبقة متوسطة تقوم عادة بدور الوساطة بين الطبقتين لضمان نوع من الاستقرار في المجتمع ، لكن السياسة المتبعة في المغرب تعمل على محو الطبقة المتوسطة نهائيا حتى تستفرد الطبقة الحاكمة والمتحكمة بالطبقة الفقيرة ويخلو لها الجو من كل ما من شأنه أن يكر عليها متعة الاستمتاع ، فقد عمدت الدولة – خصوصا بعد تولي بنكران رئاسة الحكومة – الى تفقير الطبقات الوسطى بهدف القضاء النهائي عليها . هذه الطبقة المتوسطة توجد أصلا في الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ، وقد تكون عملية التوظيف بالعقدة وما يسمى بالمناولة والليونة في قانون الشغل والتدبير المفوض آخر مسمار في نعش هذه الطبقة التي لم تستفيد من أية زيادة في الأجور لمدة ست سنوات ،رغم الارتفاع الصاروخي الذي عرفته وتعرفه المعيشة ، فالعامل (او الموظف) الوحيد الذي استفاد من الزيادة هو موظف الأمن العمومي ، وهو الوحيد – بالمناسبة – الذي أثنى عليه الخطاب الملكي ونوه بعمله ، فالأساتذة –مثلا- والذين يشكلون جزء هاما من الطبقة المتوسطة كانوا خلال عقد الثمانينات يحتلون المرتبة الثالثة من حيث سلم المرتبات، ، والآن أصبحت هذه المرتبات تحتل درجة 33 أي تم الانتقال من الدرجة 3 الى الدرجة 33. هذا التفقير للطبقات المتوسطة جعلها مضطرة للبحث عن تكملة مرتباتها من مهن أخرى حتى تضمن مستوى عيش لائق. فالطبيب الحديث التخرج لا يكفيه مرتبه فيبحث عن عمل في المصحات والأستاذ يبحث عن الساعات الاضافية او اعمال اخرى مع ما يتطلبه ذلك من بذل مجهود ووقت اضافي ، وقد يحول عمله الاساسي الى عمل ثانوي والعمل الثانوي يصبح هو العمل الأساسي. كما ان هذا التفقير المقصود سبب في انتشار ظواهر غير اخلاقية ، مثل الرشوة في الادارات والمستشفيات والمؤسسات العمومية ، والتكاسل وعدم الجدية في العمل وانتشار الزبونية والمحسوبية، هذه الأمراض التي تجد لها انتشارا سريعا في نسبة كبيرة من المجتمع، وقد يصل اثر هذه الامراض الى حد سقوط الشعور بالانتماء الى هذا الوطن الذي تهدر فيه كرامة المواطن ، الذي لا يجد مكانا آمنا للاشتغال في وطنه ، بل يحس ان كرامته تداس كل يوم ، فحتى حصوله على اوراقه البسيطة كشهادة السكنى او شهادة الحياة ..تعرضه للابتزاز ونطالبه بدفع الرشوة او تحمل كل انواع التماطل وحتى الاهانة ، كما أن ذهابه الى المستشفى بدون رشوة او واسطة لن يحصل على العلاج ولو سقط مغشيا عليه ليلا ونهارا بباب المستشفى وإذا كان محظوظا فسيحصل على موعد لفحص نوع مرضه بعد 11 شهرا . فحتى الموظف النزيه الذي يحكم ضميره سيجد نفسه مهمشا من زملائه ومن رؤسائه بل قد يتلقى اللوم على نزاهته حتى من اقاربه وعائلته ،وعليه ان يتحمل التأنيب اليومي ونعته بالضعف والغباء لأن زملاءه استطاعوا ان يأكلوا من الكتف ، (انظر الى فلان وفلان ماذا فعلا فلم لم تفعل مثلهما …). كل ما سبق يؤكد ان ما تتعرض له منظومة القيم من تخريب ليس الا نتيجة لسياسة تهدف الى اغراق البلاد في الجهل والفقر والصراعات .