في هذا العرض الشفوي السريع الذي أقدم به لهاته الندوة، فرئيس الجلسة لم يتفضل علي إلا بعشر دقائق، سأحاول أن أعطي بضعة رؤوس أقلام حول الموضوع وذالك خصوصا لإثارة النقاش حولها.
إن الإيديولجيا الجهادية هي عبارة عن ترميق ( بريكولاج ) وتصورات تجمع بين عناصر متفرقة يعمل خطابها على صهرها حتى تبدو ملامحها موحدة. وإن الإيديولوجيا، أي إيديولوجيا، تحاول أن تجد جوابا لكل سؤال. وأضرب أمثلة عن ذلك من الإيديولوجيا الجهادية: فالجهاد سيحرر فلسطين، والعمل على تغيير سلوك المرأة المسلمة جهاد ونحن في حاجة إلى جهاد النفس ضد أنانيتنا. وبالجهاد سنتخلص من كل الذنوب ومن سيطرة القوى اليهودية والمسيحية . وهذا الترميق يستمد أسسه من ثلاثة أصول رئيسة :
1- أصول الدين، وهي أساسا القرآن والسنة ويختار منها الجهاديون ما يوافق نسقهم الفكري.
2- تاريخ الإسلام، حيث ينتقي الجهاد يون مراحل التوتر الكبرى من تاريخ الإسلام، والتي وقعت بين المسلمين واليهود في المدينة وما بعدها. بالإضافة إلى فترات الحروب بين كل من الإمبراطورية الإسلامية والإمبراطوريات المسيحية كالإمبراطورية البيزنطية أو فترة الحروب الصليبية. والخطاب الجهادي يقوم بفصل تلك الوقائع عن سياقها التاريخي الذي جرت فيه ليضفي عليها طابع الديمومة مختارا ما يصلح له كمرجعية.
3- الإيديولوجيا المناهضة للإمبريالية، وهذا يبدو غريبا للبعض وذالك لأن المألوف هو أن هذا خطاب لليسار …
ولكن يجب أن لا ننسى أن الأجنة الإسلامية الراديكالية الأولى بالمغرب خرجت من صفوف الإتحاد الوطني للقوات الشعبية وهو حزب يساري.
وكانت الحركات الجهادية في الثمانينات تنظر إلى الغرب كشر نسبي بالمقارنة مع الإتحاد السوفياتي فهو العدو الأكثر خطورة لأنه يمثل الإلحاد. أما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا واللائي ينتمين إلى عالم أهل الكتاب فكان ينظر إليهن كحليفات بالقوة في مواجهة الشيوعية الملحدة. وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتراجع تأثيرالإيديولوجيا الشيوعية على المستوى العالمي، تحولت الحركات الجهادية إلى خطاب متشدد ضد الغرب. خطاب يسترجع ذاكرة الحروب الصليبية. لقد تقوى هذا التوجه بل وتغذى أيضا من ظهور تيارات محافظة ومعادية للإسلام بالغرب والتي وصلت أحيانا إلى التأثير بقوة في الإعلام بل وفي قيادة مجموعة من الدول الغربية. وقد ظهر هذا بكل جلاء مع وصول بوش الثاني إلى البيت الأبيض. وهذا يحدث لأول مرة بهذه القوة والوضوح منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية كدولة مستقلة. فتأثير الأصولية المسيحية المناهضة للإسلام والمتصهينة وصل مداه مع جورج والكر بوش، وكان من الطبيعي أن يكون هناك رد فعل جهادي إسلامي ومعادي للديموقراطية. فالجهادية الحديثة وقبلها، في القرن التاسع عشرالقومية الاسلامية المتزمتة، تخلط بين الغرب والديموقراطية وذالك لأن الغرب كان هو السباق إلى بناء الديمقراطية الحديثة.
ولكن لا يجب إغفال أسباب تاريخية أخرى، مر عليها أكثر من قرن، وهي السيطرة التركية باسم الإسلام والتي كانت تواجه بمعارضة واسعة بالمنطقة العربية خصوصا في جوانبها الثقافية والإثنية واللغوية. وهذا المعطى أدى في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 إلى ظهور التفكير القومي العربي الحداثي والذي رأى في الأتراك اثنية أجنبية لا يحق لها باسم الدين أن تتحكم في مصير “الشعب العربي”. وهذا ما أعطى بعض العناصر الضرورية لميلاد القومية العربية من أجل الانسلاخ عن الهيمنة التركية التي امتدت لأربعة قرون. فالقومية العربية كانت تستمد أفكارها من القومية الغربية العلمانية ولهذا لم يكن هناك فراغ يمكن أن تشغله الايديولوجيا الإسلامية كما هو الحال اليوم.
وما يقوى الإيديولوجية الجهادية كذالك في العالم العربي هو عامل الأمية الذي يصل في بعض الدول العربية الأضخم على المستوى الديموغرافي كمصر والمغرب والسودان، إلى خمسين في المئة وأحيانا أكثر. وهناك سبب يتعلق بالكيفية التي نظم بها العالم منذ الحرب العالمية الثانية: فرغم قوتهم العددية التي تصل إلى مليارنسمة أو أكثر، فإن المسلمين يشعرون بأنه لا تأثير لهم على مجريات الأمور في العالم. فلا وجود لقوة إسلامية بين الخمسة الكبار داخل مجلس الأمن من “اجل الدفاع عن المسلمين”، فهذا الأخير يتكون من أربعة قوى تنتمي للعالم المسيحي والخامسة هي الصين التي تمثل مصالح العالم الكنفوشيوسي. وفي غياب امتلاك سلاح نووي ذي فاعلية سياسية وما يلاحظه يوميا المسلمون العاديون من عنف شديد يتعرض له المدنيون الفلسطينيون من طرف الآلة العسكرية الإسرائيلية، فإن بعضهم يريد أن يعوض هذا العجز “الدولتي” بتحويل جسمه إلى قنبلة تنفجر في وجه ما يعتبره طغيانا يتوجب دينيا وعقليا قتاله وهذا أساس طروحات القاعدة والحركة الجهادية على العموم.
شكراااااااااا واصل التالق