تنتظر الزوجة بفارغ الصبر ساعة الصفر، التي تعرف انطلاقة أول تركيبة بشرية تنسجها مع زوجها بعد مخاض تسعة أشهر، ووحم ارتكبت خلاله حماقات مختلفة… انتحلت شخصيات عنيفة ومضطربة و.. و أكلت الغرائب والعجائب .. فحم خشبي (فاخر).. صلصال، لصاق…. كرهت إلى حد الإصابة بالمغص، أشياء وأشخاص.. وأحبت إلى درجة الإدمان، أشياء ذات قيمة أو تافهة، وأشخاصا قد يكون بينهم الزوج أو الأخ أو الصهر أو ..
تمنت أثناء حملها وقبله مولودا ذكرا أو أنثى، هيأت له في مخيلتها ووجدانها جنة كتلك التي تحت قدميها، وحاكت له من الوظائف والصفات ما تراه أجمل وأحلى في مجتمعها.
إن كان في خيالها ذكر، فإنها تجوب الواقع بنظرها، تستسقي من كل الأطفال والشباب والرجال العدة الكافية، من جمال وكمال وخيال وأفعال..تلقح بها جنينها. وإن كانت أنثى، فجميلات ومثقفات ورياضيات المجتمع، لن يسلمن من تنهيداتها… تمتص رحيقهن وتغذي به جنينها في كل تنهيدة أو رعشة أو رجاء ..
ويبقى الزوج طيلة أيام حملها، يراقب عن كثب كل تحركاتها، يلبي رغباتها.. حتى وإن كانت في مجملها بعيدة كل البعد عما يعرف عنها من تقاليد وتوازن وانضباط، في انتظار ما ستنجبه من مولود، يكون هو الآخر قد تفنن في انتقاء اسم له، ونسج مسار لمستقبله وبساط يحلق به بعيدا عن كل الإختلالات والاضطرابات المجتمعية.
تدق ساعة الصفر، ويدق معها قلبيهما، فتذوب كل الأحلام والمتمنيات وسط الهواجس والمخاوف وطول الانتظار والمصير الغامض للزوجة والجنين… قلق واضطراب يشل حركة الزوج وخوف غريب ينتاب الزوجة…يستعد الجنين الثائر للخروج … تصرخ وتصرخ … تناشد خالقها وتستعطف طبيبها و مولدتها … تطلب الحياة لمولودها المرتقب ذكرا كان أم أنثى …تبكي وتبكي وتعرق وتعرق، قبل أن يأتي الفرج.. ويخرج الجندي الصغير إلى الوجود.. تلد وتقاوم الانهيار والغيبوبة، لتطمئن على حياة الوافد الجديد.. يعم صمت لثوان معدودة… يعطس الغريب المنتظر… يوغوغ … وغ، وغ. يصرخ … فتنهار الزوجة .. الأم فرحا وضعفا .. و تدوي في الفضاء المجاور زغاريد… تنعش الزوج، فيهرع إلى حيث لا يدري… زوجته…ابنه؟..ابنته؟..توأمه؟…
يبرز الوجه الجديد داخل الأسرة … صورة طبق الأصل لأبيه …لأمه … بعض ملامحه تعود لجده … جدته…الكل يشارك في رعايته… الكل ينتظر التفاتة منه …نظرة.. بسمة … و يبدأ العد العكسي … وتبدأ معه عقارب ساعة المولود تدق بقوة… يوم.. يومان.. صراخ وصراخ… من أجل التغذية… الحماية… الدفئ… الألم… الفرح .. ينتزع بالتدريج حقوقه في الحب والرعاية والتواصل والأنس..
تمر الأيام والشهور… يفتح فمه ليستقبل كل محاور… يداعب بأطرافه كل جسم يحتك به… يكبر.. يكبر .. يفتح صفحات سجل حياة الطفولة، ليراجع ما كتب عليها من سلوكيات … تقاليد … أعراف… ثقافات … يصحح…يجدد … يبدع … يملأ الصفحات البيضاء بما يراه مناسبا… يشق حياته ويخوض معارك يومية، يكسب بعضها ويخسر بعضها… يكافح ويصمد إلى أن يشتد طوله ويكتمل نموه الفكري والعقلي .. في انتظار أن يبدأ بدوره رحلة البحث عن حياة بديلة..عن زوجة ومولود جديد.. وتستمر الحياة… .