أجمع خبراء وباحثون خلال الندوة الدولية التي نظمتها منظمة التضامن الجامعي نهاية الأسبوع الماضي بمدينة وجدة، حول موضوع “الأمن التعليمي، الإكراهات والرهانات“، على أن الأمن التعليمي هو المنطلق الحقيقي والضامن لحياة باقي متفرعات الأمن العام الأخرى. فالمواطن المغربي إما موظفا بالقطاع التربوي أو تلميذا أو طالبا أو ولي أمر أحدهما أو مسؤؤلا بقطاعات عمومية أو خاصة مؤثرة ومتأثرة بالقطاع التربوي. وهو ما يجعل من الأمن التعليمي مسلكا وجسرا لتحقيق الأمن العام الذي يدخل ضمن لائحة الواجبات والحقوق الخاصة بالفرد والجماعات. ويتطلب تداخل وتضافر جهود الكل من أجل تحقيقه. تعتبر الدولة الجهاز الوصي والحامي للأمن العام. لكن يبقى عملها في حاجة إلى أجهزة وأيادي وطنية بيضاء داعمة وعقول تواكب وتقترح وتشارك، من أجل إرساء أسوار الأمن العام وتمتين بنيانه. وما يميز الأمن التعليمي عن باقي تجليات الأمن العام. أن الأطراف المعنية بهذا الأمن (أطر تربوية وإدارية وأولياء أمور التلاميذ..)، لها من الإمكانيات العلمية والثقافية والمعرفية ما يمكنها من إعطاء دفعة كبيرة لتنمية وتطوير الأمن التعليمي وجعله أكثر فاعلية بسلك أساليب التحسيس والتوعية والمراقبة والتتبع.. يساعدها في ذلك الزمن المدرسي والمكان. وكون التلاميذ والطلبة والأطر يجمعهم الحرم المدرسي والجامعي و مرافقه العمومية والخاصة التي بنيت وجهزت لهذا الغرض. وتجمعهم الرغبة في التدريس والتحصيل واللقاءات اليومية الخاضعة لبرامج وحصص مقننة. ندوة وجدة العلمية التي نظمت بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول وبتعاون مع النقابة الوطنية للتعليم العالي وجمعية الشباب الباحث،عرفت مشاركة 47 خبيرا وباحثا مغاربة وعرب من الجزائر، تونس، ليبيا، مصر والسعودية وفلسطين. وخلصت خلال يومين من الترافع والمناقشة إلى التوافق على مجموعة من التوصيات. التي سترفع إلى كل الجهات المعنية بقطاع التربية والتكوين.
توصيات ندوة الأمن التعليمي …
تنوعت مداخلات الندوة بين لتدقيق المفاهيمي للمصطلحات الأساسية للندوة (الأمن، الأمن التعليمي، العنف…)، وتشخيص مختلف الأسباب النفسية والاقتصادية والبيداغوجية… المنتجة للعنف. وأشكال وأنواع وتجليات العنف. ودور محيط المدرسة في إعاقة أو دعم الأمن التعليمي.و أهمية المقاربتين التربوية والأمنية في تحقيق الأمن التعليمي. ضرورة تفعيل الأنشطة الموازية نظرا لأهميتها في تحقيق الأمن المدرسي. وخلصت الندوة إلى التركيز على عدد مهم من التوصيات أبرزها، إنشاء مراكز ومراصد لتتبع ظاهرة العنف. تفعيل دور المساعد النفسي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية. تفعيل دور خلايا الإنصات والمتابعة تنزيلا وتكوينا لضمان الأمن التعليمي. تعزيز روح الانتماء، لدى المتعلم، للمؤسسة التعليمية من خلال إشراكه في تدبيرها وتسييرها خدمة للأمن التعليمي. تعزيز وتطوير دور المدرسة والجامعة في التربية على القيم. تطوير آليات التقويم بما يخفف الضغط على المتعلم وما ينتج عنه من عنف. تطوير الترسانة القانونية خدمة لحاجيات المؤسسات التعليمية وتعزيزا لدورها في محاربة العنف. تحسين الظروف المهنية والقانونية لتيسير المهام المهنية لنساء ورجال التعليم. توفير الضمانات القانونية الكافية لعمل الأساتذة المتعاقدين قصد تحقيق أمنهم الوظيفي. الإشراك الفعال لمحيط المؤسسات التعليمية (الأسرة، الأمن، الإعلام…) في محاربة ظاهرة العنف المدرسي. الاستفادة من التجارب الأخرى للدول العربية والغربية من أجل تحقيق الأمن التعليمي في الوسط التعليمية. إحداث تخصصات جامعية تربوية وبيداغوجية تمكن من التكوين الكافي للراغبين في امتهان التربية والتعليم، تماشيا مع كل ما من شأنه تطوير وتجويد الأمن التعليمي.التأطير القانوني للمادة الإعلامية الموجهة للنائشة والمتعلمين.تطوير دور المجالس التأديبية من خلال المزج بين المقاربة التربوية والمقاربة الزجرية. تجاوز التنافر المعرفي والقيمي بين المواد المدرسية، واعتماد منهج التكامل المعرفي والقيمي. تكوين خلايا للبحث التربوي في مجال “الأمن التعليمي” سواء في الجامعات أو المراكز الجهوية للتربية والتكوين، أو حتى على مستوى الأكاديميات والمديريات..نشر المداخلات المقبولة من لدن اللجنة العلمية في عدد خاص من مجلة “صدى التضامن”. الدعوة إلى تفعيل القوانين الزجرية التي أصبحت معظمها قوانين تراجعية لأنها تراجعت عن عنصر العمل وأصبحت بالتالي قوانين شكلية. الدعوة إلى وضع تشريع تنفيذي يهدف إلى حماية حرية الأفراد داخل المحيط المدرسي وخصوصا في الشق المتعلق بتحصين الاتصالات الشخصية بين الأشخاص المشار إليه في التشريع الدستوري.الدعوة إلى أن تكاثف كل من المؤسسة الأسرية، المدرسية والمجتمعاتية جهودها من أجل تنشئة فرد صالح متشبع بالقيم الإيجابية. الدعوة إلى إعادة النظر في المنظومة التعليمية والحرص على الرفع من جودة التعلم.الدعوة إلى إنعاش الأنشطة الرياضية والأنشطة الموازية بغية تفعيل الحياة المدرسية.الدعوة إلى تفعيل مصالح الصحة المدرسية داخل المؤسسات المدرسية.الدعوة إلى أن تقوم الأسرة بدورها التربوي وأن تكون حاضرة عقلا وجسدا من أجل ضمان الاستقرار النفسي للطفل.التشخيص المبكر للأطفال الذين تظهر عليهم مؤشرات عدم الاستقرار النفسي والعنف، وذلك للحد من تفاقم حالاتهم. وقد أكد فريق التضامن الجامعي المغربي أن هذه التوصيات وغيرها لن تبقى حبيسة أوراقها، بل ستكون أهدافا تسعى المنظمة إلى التعريف بها، والترافع من أجل تحقيقها أمام الجهات المختصة.
باحدو: غياب دراسات وأرقام رسمية لظاهرة العنف
تنامي العنف مع ارتفاع عدد التلاميذ بالقسم الواحد وبالوسط المدرسي غير المؤمن
قال عبد الجليل باحدو رئيس منظمة التضامن الجامعي إن الندوة جاءت في وقت لا تزال تحتل فيه قضية إصلاح المنظومة التعليمية إحدى أولويات الدولة والمجتمع في المغرب، ويجرى نقاش عام، على أكثر من مستوى حول واقع هذه المنظومة التي تعاني من اختلالات بنيوية في العديد من المجالات والتي هي في حاجة إلى تدخلات استعجالية لاستدراك النقائص وتقويم الاختلالات، باعتبار التعليم الجيد هو الشرط الأول لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات التي تطرحها العولمة الاقتصادية التي تتزايد فيها أهمية اقتصاد المعرفة في عملية التنمية. موضحا أن مستقبل البلدان والشعوب تحددها أنظمتها التعليمية وقدرتها على الإعداد الجيد للأجيال المقبلة لمواجهة تحديات الغد. وأضاف أن عمل المنظمة لا يقتصر على الاهتمام بمخاطر مهنة التعليم ومواجهة العنف في الوسط المدرسي وتكوين أعضاء الأسرة التعليمية في مجال حقوقهم وواجباتهم. ولكنها تهتم كذلك بصيانة وتعزيز مكسب المدرسة والجامعة العمومية والنهوض بأسرة التعليم واستعادة مكانتها الاعتبارية، وتحقيق تطلع المجتمع إلى صنع مستقبل عادل ومزدهر يضمن حياة أفضل لأطفالنا. مشيرا أنه انسجاما مع شعار المنظمة ” من أجل شرف المهنة وكرامة أسرة التعليم” وفي مواجهة أجواء التوتر التي تعرفها بعض المؤسسات التعليمية، من خلال تمظهرات عديدة، تعكسها حوادث الاعتداء على الأساتذة وأعضاء الإدارة التربوية والتحرش الجنسي بالأطفال وتعاطي المخدرات والغش في الامتحانات، وبعض هذه الحوادث اتسمت بالعنف الجسدي واستعمال السلاح الأبيض وأدوات حادة مثلما حدث هذه السنة في ورزازات وقبلها في مدينة سلا، فإن المنظمة ارتأت عقد هذه الندوة تحت شعار “الأمن التعليمي: الإكراهات والرهانات” وذلك بشراكة مع فاعلين أساسيين يقفون في الصفوف الأولى لإقامة دولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات والنهوض بحقوق الإنسان، والمتمثلين في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول بوجدة، والنقابة الوطنية للتعليم العالي وجمعية الشباب الباحث. وأوضح أنها الندوة الثانية المخصصة لهذا الموضوع، بعد الندوة التي نظمتها المنظمة مع الشركاء الفرنسيين (FAS) في مراكش سنة 2014 تحت شعار “من أجل وسط مدرسي بدون عنف”. الدكتور باحدو أكد التضامن الجامعي المغربي، لطالما أثار الانتباه إلى أن العنف في الوسط المدرسي الذي انتقل إلى الجامعة، كما أصبحت تعرفه الملاعب والطرقات والمقاهي، هو عنف له أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وتربوية، بل لا بد من الاعتراف بأن العنف ظل حاضرا في المجتمع المغربي، والعربي عموما، متخذا أشكالا متعددة ومتداخلة، ومن بينها العنف الاجتماعي والمؤسساتي الذي توفر له المبررات الثقافية والتشريعة من خلال التراث والأعراف والقوانين الخاصة، كما أن التعليم ظل يشجع على الانقياد والطاعة والإذعان والامتثال بهدف الحفاظ وإعادة إنتاج البنى الاجتماعية القائمة على القهر والتسلط والاستبداد.وأن المنظمة أكدت على ضرورة معالجة جذور المشكل في إطار عملية إصلاح المنظومة التعليمية التي ترتبط بدورها بالإطار الشامل للإصلاح الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي، وذلك بإنشاء مدرسة وجامعة حداثية ديمقراطية قادرة على الإسهام في بناء دولة الحق والقانون ودولة المواطن الكريم ومجتمع العدالة الاقتصادية والاجتماعية مدرسة وجامعة تحمي العقل والثقافة والهوية. وكشف المتحدث أنه لحد الآن، ليست هناك دراسات وأبحاث علمية دقيقة ومضبوطة حول الحوادث المدرسية ومن تم لا يمكن الحديث عن ظاهرة، غير أنه من خلال قراءة الملفات المعروضة على التضامن الجامعي المغربي يمكن القول بأن الاعتداءات على أعضاء الهيأة التعليمية سارت في خط بياني صاعد منذ سنة 1960 إذ كان متوسط الملفات المعروضة على الجمعية سبعة ملفات لما بين 50 و80 ألف منخرط إلى غاية 1980 حيث أصبح متوسط الملفات 90 ألف لتنتقل من سنة 1990 إلى 150 قضية في السنة لحوالي 100.00 منخرط. وبالنسبة للسنتين الماضيتين عالجت الجمعية سنة 2016 161 ملفا من بينها 125 تهم العنف وسنة 2017 152 ملفا من بينها 128 حول العنف. وقد بادرت الجمعية السنة الماضية إلى القيام بدراسة ميدانية حول العنف الممارس ضد الهيأة التعليمية بالوسط المدرسي بإشراف فريق من الخبراء في مجال السوسيولوجيا والسيكولوجيا والبيداغوجيا والتشريع والإحصاء. وقد أظهرت الدراسة التي استهدفت 8053 مستجوبا ومستجوبة ينتمون إلى الأسلاك التعليمية الثلاثة بـ 61 إقليما و 11 جهة، أن عدد حالات العنف يرتفع مع زيادة عدد التلاميذ بالقسم الواحد حيث انتقل من 24.4% في قسم لا يتجاوز عدد تلاميذه 30 إلى 57.1% في قسم يصل عدد تلاميذه 45 فأكثر. وتوصلت الدراسة إلى أن الوسط غير المؤمن لمحيط المؤسسة يساهم في وجود حالات العنف بنسبة 60% وأن 41.3 تعرضوا للعنف الجسدي داخل القسم و 36.9% في الساحة المدرسة، و 7.5% تعرضوا للعنف الجسدي على الأقل مرة واحدة في مشوارهم المهني، وهو مؤشر يبعث على القلق، كما أن 40.4% تعرضوا للعنف اللفظي من لدن التلاميذ. وكشفت الدراسة أن 13.3% تعرضوا للتحرش على الأقل مرة واحدة في مشوارهم المهني وأكد 52.9% منهم أن المعتدين كانوا أجانب عن المدرسة و 32.9% كانوا تلاميذ. والملاحظ أن ما يعطي أبعادا غير مسبوقة لحوادث العنف في الوسط المدرسي والجامعي، ليس نوعها أو عددها، فهي عادية إذا قارناها في تسلسلها الزمني منذ ستة عقود، غير أن دخول الإعلام الرقمي على خط ترويجها ونشرها على نطاق واسع بين ملايين مستعملي النيت هو الذي جعل الموضوع يقفز إلى واجهة الإعلام بكل أنواعه. وأكد أن قضية العنف في الوسط المدرسي لا يمكن مواجهتها بالزجر والاعتقال والإقصاء من المدرسة ولكن بالعمل على إرساء مدرسة عمومية ديمقراطية حداثية. وإصلاح المنظومة التعليمية انطلاقا من أسئلة جديدة تراعي مقتضيات العصر وحاجات الاقتصاد والقيم الضرورية للمواطنة وترسيخ مجتمع الحداثة والمعرفة والعدالة. ولابد أن نستحضر أننا نعيش عصرا جديدا في كل أبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، بما خلقته وسائل التواصل من تفاعل كبير بين الثقافات وما أحدثته من تغييرات مست بعمق كل المجتمعات، وبخاصة في مجال الهوية والقيم. واعتبر أن العمل البيداغوجي يشكل أهم وقاية من العنف المدرسي، إذا كان الأساتذة/ات يساهمون، من خلال المواد التي يدرسونها في تكوين مواطني الغد علميا وعمليا، وتربيتهم على الحرية والتعايش واحترام الرأي الآخر والتسامح والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي حداثي متماسك يعتز فيه المواطن بانتمائه لوطنه. وأن المدرسة اليوم هي صورة للمجتمع الذي نعيش فيه ولكنها في ذات الوقت نقطة انطلاق المجتمع الذي نتطلع إليه ونتمنى رؤيته غدا.
شاكيري: التضامن الجامعي المغربي والأمن الوظيفي للهيئة التعليمية
قال الأستاذ رشيد شاكري مفتش تربوي و نائب رئيس التضامن الجامعي المغربي إن الفاعلين في الحقل التربوي يحرصون على أن تشكل المدرسة فضاء للاحترام المتبادل، يُؤَمّن أسس الاندماج الاجتماعي، ويحمي منتسبيه من المخاطر التي تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية. وقد حُددت آليتان متكاملتان، على الأقل، لتحقيق ذلك، تمثلتا في ترسيخ السلوك المدني داخل المؤسسات التعليمية؛ وتوفير خطط كفيلة بمواجهة مظاهر العنف، والعمل على استتباب الأمن. في هذا السياق، وهمت مداخلته مناقشة إسهامات منظمة التضامن الجامعي المغربي في الساحة التعليمية لمدة ثمانية عقود، من خلال مقاربة إشكالية الأمن الوظيفي للهيئة التعليمية، عبر الإجابة عن سؤال رئيس: ما مدى مساهمة التضامن الجامعي المغربي في تحقيق الأمن الوظيفي في الوسط التعليمي؟. حيث أجاب عن هذا السؤال من خلال محطتين الأولى تناولت الأمن الوظيفي؛ باعتباره إحساس الموظف بالطمأنينة على مصدر دخله وعلى استقراره في العمل، وعدم تعرضه للصراعات التنظيمية والشخصية وضغوط العمل؛ أي التحرر من التهديدات أثناء أو بسبب العمل.عند تحقيق الأمن الوظيفي ستتوفر البيئة المناسبة للإبداع والابتكار وتزيد قدرة العاملين على اكتشاف حلول جديدة للمشكلات التي تواجههم في العمل بطريقة مبتكرة توفر الوقت والجهد والتكلفة. والمحطة الثانية همت مساهمة التضامن الجامعي المغربي في تحقيق الأمن الوظيفي في الوسط التعليمي، باعتبار التضامن الجامعي المغربي منظمة تطوعية لأعضاء الهيئة التعليمية الذين يعملون في إطار من التضامن والتعاضد والتعاون داخل المؤسسات التعليمية من أجل الارتقاء بالمدرسة المغربية متعلمين وأساتذة وأطر إدارية وتربوية، تهدف إلى العمل على ترسيخ قيم التضامن والتعاضد داخل أسرة التعليم وتنميتها بما يمكنها من الدفاع عن كرامتها وشرف المهنة، وفق رؤية تتمثل في مجتمع يضمن الاحترام لأسرة التعليم، ويبوئها المكانة اللائقة بها حتى تنهض بدورها في إحداث التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تستجيب لتطلعات الشعب المغربي في الكرامة والعدالة.
الجناتي ينتقد الأمن الوظيفي للأستاذ المتعاقد
اعتبر الدكتور محمد الجناتي عضو فريق البحث بالتضامن الجامعي المغربي أن عقد التوظيف الذي تبرمه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مع الأساتذة من عقود الإذعان التي يحررها أحد الأطراف (الأكاديمية)، ويفرضها على الطرف الثاني الضعيف (الأستاذ المتعاقد)، والتي تبقى خاضعة لرقابة القاضي كلما كان عقد الإذعان محتويا على شروط تعسفية تضر بالطرف المذعِن، حيث يمكن للقاضي التدخل، بطلب من الطرف الضعيف المتضرر، لرفع الضرر عنه، فيفسر العقد في حال الغموض لمصلحة الطرف الضعيف، ويعدل أو يلغى الشرط المتسم بالشطط، وهذه سلطة تقديرية للقاضي يجتهد فيها بما يحقق العدل للطرفين. ويرى المتحدث أن من أهم الإشكالات المطروحة في موضوع التوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم، هو أن هذا الأمر قد يُسهم في تفكيك الخدمة العمومية وتقليص الحريات النقابية، لذلك تساءل عن الأمن المهني لهذه الفئة الجديدة من الموظفين، وعلاقتهم بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية في مجموعة من الحقوق ، كالترسيم والترقية والحركة الانتقالية والتقاعد والمتابعات التأديبية. ونبه إلى ضرورة إعمال الحكامة والنزاهة في تدبير وتنزيل عملية التوظيف، مع دراسة إمكانية الإدماج المستقبلي للأساتذة المتعاقدين في الوظيفة العمومية، والحرص ألا يصبح هذا الإجراء، الذي يجب أن يبقى محدودا في الزمان والمكان، كما أشارت إلى ذلك النصوص التشريعية المنظمة لتعاقد الإدارة العمومية مع أعوان، بديلا للتوظيف بشكل عام من خلال المناصب المالية التي يرصدها قانون المالية، لأن آلية التوظيف يجب أن تحمي الحقوق وتوفر الضمانات لاستمرار الخدمة العمومية التي تكفلها الدولة للمواطن، عوض المس بالأمن النفسي والوظيفي لرجل التعليم. وأضاف أن التوظيف بالتعاقد في قطاع التعليم يهدد الأمن الوظيفي للأستاذ، ويعكس تبني مقاربة ترقيعية في منهجية وتدبير الإصلاح التربوي بشكل عام، وهذا لن يسهم في تجويد التعلمات في المدرسة المغربية. وقدم الدكتور في مداخلته تحليل ودلالات الأمن الوظيفي للأستاذ المتعاقد وأبعاده من خلال مجموعة من النصوص التشريعية.