مثلما تنتشل الحيوانات النافقة من البرك والمجاري والأودية … وكأن المغرب في حالة حرب يصعب معها تدبير مخطط للإنقاذ… وكأن المغرب العميق لا يدخل في أجندة التنمية التي تغرد على ألحانها الحكومة… هكذا تعاملت حكومة عبد الإله بنكيران مع الفقراء والضعفاء ضحايا فيضانات الجنوب المغربي… الفيضانات التي كانت متوقعة بعد الإنذار الذي تم الإعلان عنه رسميا بخصوص حالة الطقس بالمنطقة… لماذا لم تستنفر الحكومة أجهزتها الحمائية والترقبية، قبل وقوع الكارثة، ولماذا لم تعلن حالة الطوارئ عند حدوث البوادر الأولى للفيضانات، و لماذا لم تسخر كل عتادها من أجل إنقاذ الضحايا وممتلكاتهم. وكيف يعقل أن تنهار الطرق والقناطر، ولا من يخبر مستعملي تلك الطرق، ولا من يوجههم في تحركاتهم عبر طرق الجنوب. أين كان الدركيون وأين كانوا مسؤولو التجهيز والنقل… وما دور الإعلام العمومي الرسمي (المرئي والمسموع)، إن لم يواكب الخطر قبل وقوعه وعند وقوعه وبعد وقوعه… ولما لا تلجأ عناصر الوقاية المدنية ومصالح الدرك الملكي إلى المروحيات من أجل إنقاذ العشرات من الضحايا الذين ضلوا عالقين بالساعات وسط السيول، وأياديهم تبحث عن أي شيء صلب (حجر، شجر،…)، من أجل التشبث به لكي لا تجرفهم مياه السيول… ومن أجل نقل المحاصرين بالأودية والمجاري، والذين كتب على بعضهم انتظار الموت القادم ببطء… أسئلة كثيرة ومتنوعة تصب كلها في مدى قصور حكومة بنكيران في تدبير عملية إنقاذ لأول كارثة صغيرة عاشتها وتعيشها منطقة مغربية في عهد حكومته.
… ما دور القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة، إن لم يكن حماية الشعب ليس فقط من الأعداء، ولكن من الكوارث الطبيعية والأوبئة والفتنة…. وما جدوى تلك التجهيزات العصرية المتطورة من طائرات ومروحيات وشاحنات و جرافات و سيارات الإسعاف المجهزة و… المركونة داخل المخازن، إن لم تستغل من أجل حماية المواطنين، وإنقاذهم من الهلاك، أو على الأقل انتشال ونقل جثتهم بطريقة لائقة، إكراما لموتانا… الذين هم في الحقيقة شهدائنا، عوض نقل الجثث على متن شاحنات نقل الأزبال وعلى متن أغصان الأشجار. وما جدوى مصالح الوقاية المدنية، إن لم تكن مجهزة بالعتاد اللازم، وإن لم يكن عناصرها حاصلين على كفاءات عالية في الغوص والعدو والقفز وحمل الأثقال. فعملية نقل مريض أو مصاب أو إخماد حريق صغير أو قنينة غاز أو تسليك قناة صرف مغلقة، يمكن أن يقوم بها أي مواطن متطوع. أليس من العار أن يقوم علال القادوس، بدور الشركة المفوض لها بالعاصمة الإدارية بتدبير التطهير والصرف الصحي مقابل حفنة مليارات من الدراهم… أليس من العار أن تموت شخصية وازنة كالراحل أحمد الزايدي في (كلتة) بركة مائية تكونت فوق طريق معبد في غفلة وتواطؤ من وزارة التجهيز والإدارة العامة للسكك الحديدية، والدرك الملكي، وبسبب قصور واضح لعناصر الوقاية المدنية، الذين لا حول لهم ولا قوة. فلا تكوينهم وتداريبهم يمكنهم من أخذ دور البطولة في حادث صغير. ولا حتى التجهيزات الممنوحة لهم، تساعدهم في احتواء هذا الحادث الذي أبرز بطلا آخرا. مهنته لحام(سودور).
غريب أمر هذه الحكومة التي راهن الكل على أنها منبع خلاص المغاربة من الفقر والتهميش و(الحكرة)، والتي آمنوا بقدرتها على وقف نزيف الفساد وإنصاف الضحايا والمظلومين. غريب أمر هذه الحكومة التي استحمت بعرق ودماء المناضلين الشرفاء الذين مهدوا لها الطريق… والتي حصدت نضال آلاف المغاربة وحراك الشارع المغربي الذي قادته حركة 20 فبراير… غريب أمر مجلسها الموقر، الذي اختار أن (يوقر) الأغنياء والنافذين، وأن يقض مضجع الفقراء والضعفاء ويزاحمهم في تدبير فتاة المال الذي بالكاد يتدبرونه يوميا. اختار أن يكون القصاص من لحوم ودماء هذه الفئة. بعد أن أطلق رئيس الحكومة عبارته الشهيرة(عفا الله عما سلف). وبعد أن زاد لهيب فاتورات الماء والكهرباء. وارتفعت أسعار الخضر والمواد الاستهلاكية في غياب أية عملية تقنين ومراقبة لها. ولا أظن أن الحل بتوفير بطاقة الرميد التي تعتبر شيكا طبيا بدون رصيد مادامت مستشفياتها بدوت عتاد ولا موارد بشرية كافية. ولا أظن أن تخصيص تعويضات مالية شهرية للأرامل واليتامى، كافية للتسامح مع هذا الشعب الطيب والسموح… مادامت أموال الشعب تنتهب باسم الرواتب والتعويضات الضخمة. ومادام البرلمانيون يتقاضون رواتب شهرية، وهو الذين تطوعوا لتمثيل الشعب، وماداموا يتلقون بعده تقاعدا مريحا عن تطوعهم لخدمة الشعب ولو لبضع سنين. ومادام الوزراء غارقون ماليا برواتب عالية وتقاعدات مثيرة للجدل. ومادام كبار المستثمرين يزدادون غنى ونفوذ، ويقتاتون من الأزمات الاقتصادية والمالية بالمغرب.
حسبي الله ونعم الوكيل… أختم كلامي بأبياتي الشعرية التي كتبتها وأنا طالب في مستوى الباكالوريا.
سيمة العقل الشرف… إن غاب عنه انحرف… دبل الحق وانجرف… وعاش الباطل في ترف…