وجهة نظر الأستاذ المحامي منتصر بوعبيد..
. . . لا حديث هذه الأيام وسط ساكنة بنسليمان إلا عن واقعة استعمال شرطي لسلاحه الوظيفي في مواجهة مواطن بغية شل حركته وإيقافه. فإن أجمع الكل على أن المدينة اجتاحتها ظاهرة “التشرميل”، فإن الاختلاف تمحور حول مشروعية استعمال السلاح من عدمه، بين من يعتبره مشروعا ومطلوبا لمحاربة ظاهرة “التشرميل” وآلية فعالة لاستتباب الأمن، وبين من يعتبره غير مشروع لضربه حق الإنسان في الحياة والسلامة الجسدية المكرسين عالميا ودستوريا وقانونيا لكل المواطنين بغض النظر عن صفاتهم وأخلاقهم وأعمالهم. لتظل المعادلة تدور بين فلك الأمن الذي يعتبر وظيفة حصرية للدولة، وفلك حقوق الانسان التي تتولى الدولة، أيضا، حمايتها عبر مؤسساتها ولو تم الاعتداء عليها من قبل أحد المحسوبين عليها كرجال الشرطة. في الدول التي تحترم نفسها وتجعل من الحق والقانون منهاجا لها لا مجرد شعار ترفعه للدفاع الصوري عن أجهزتها القمعية، فإن استعمال السلاح الوظيفي في مواجهة المدنيين يخضع لعدة ضوابط قانونية وواقعية ويكون محل مراقبة من قبل السلطة القضائية التي يبقى لها الكلمة الفصل في القول ما إذا كان مشروعا من عدمه، وفي المغرب نفسه بلد النقل الحرفي للنصوص القانونية لدول الحق والقانون، بلد الديمقراطية النظرية الورقية والقمع العملي فإن من الأمر سيان، أي أنه لا بد من توفر شروط قانونية وواقعية ” لعلعة الرصاص”. فاستخدام السلاح لا ينبغي أن يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ طرق التهديد والوعيد بما فيها إطلاق رصاصة تحذيرية في الهواء كرسالة من الشرطي على أن الرصاصة الثانية ستكون لا محالة في جسد المقاوم لأمره، كما أنه لا يصبح مباحا إلا إذا استلزمته ضرورة حالة فورية بحسب المجرى المألوف للأمور للدفاع الشرعي عن حياة أو سلامة أو مال الشرطي أو عن حياة أو سلامة أو مال غيره من عموم المواطنين بغض النظر عن صفاتهم وجنسياتهم. وبالرجوع إلى الشريط المنشور على موقع يوتيوب الذي خلد بالصوت والصورة لحظة إطلاق الرصاص من قبل شرطي بنسليمان فإنه يمكن القول بأن كل الشروط المذكورة أعلاه غير متوافرة بالمرة. فالشرطي لم يستنفذ عبارات التهديد والوعيد كما أنه لم يقم بإطلاق الرصاصة التحذيرية اللهم إن كان فعل ذلك قبلا ولم ترصده عدسات الكاميرا، كما أن الشخص المصاب بالرصاصة لم يكن يشكل أي خطر محدق بحياة أو سلامة أو مال الشرطي أو غيره من عموم المواطنين، وحتى إن رأى البعض خلاف ذلك فإن إباحة عمل الشرطي غير ممكنة لعدم تناسبها مع خطورة المواطن السليماني الذي أصيب بالرصاصة، سيما مع تواجد عدد وفير من قوات الأمن التي كان عليها أن توقفه باستعمال طرق أخرى تعتبر جد بسيطة في العصر الحاضر توازن بين الأمن العام وبين حق كل مواطن في الحياة والسلامة الجسدية كالغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وما يماثلها…الخ. أما أن نقوم بعطب السلامة الجسدية لمواطن أو قتله فقط لأنه ” مشرمل ” أو لأنه قاوم رجال السلطة فإن ذلك سيكون كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ورسالة واضحة من الدولة عبر جهازها الأمني وسلطاتها القضائية بمواصلتها لهدر حقوق المواطنين وقمعهم وإبادتهم حتى، وعجزها عن إصلاحهم واختيارها للحل الأسهل في مواجهتهم، ف” المشرمل ” صنع خالص لها ولو أنها أدت واجباتها اتجاهه وأحسنت تعليمه وتطبيبه ووفرت له فرصة للشغل تحفظ كرامته وحمته من تجار المخدرات وحبوب الهلوسة الذين يبيعون منتجاتهم جهارا نهارا لما أصبح ” مشرملا “.