مقتطفات من خطاب الملك محمد السادس
… المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة و تقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا . مع ما يواكب ذلك من قتل و تشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي. فبعدما تم تقديمه كربيع عربي ، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب…
.. إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف ، ومحاولات الطعن من الخلف. فماذا يريدون منا ؟ إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي ….
… إن المخططات العدوانية، التي تستهدف المس باستقرارنا ، متواصلة و لن تتوقف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي ، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب…
تجدون العامودين الصحافيين بعدة مواقع الكترونية مغربية وعربية ابتداء من رمضان سنة 2013 … يمكن الاطلاع عنها في موقع كوكل.
العامود الصحافي الأول:
شكرا يا عرب … شاركتم معنا في الكاميرا الخفية
… لقد شاركتم يا عرب في الكاميرا الخفية… التي أعدها وأخرجها مهندسو العالم الأقوياء الذين يسعون إلى إعادة التقسيم الترابي وتوزيع ثورات البلدان العربية…شاركتم بدمائكم ودموعكم وعرقكم وكل سوائلكم الجسدية في إمتاع عالمهم، وتسهيل مهامهم في تنفيذ مخططاتهم الصهيونية…التي في سبيلها لا يهم قتل الأطفال والنساء…ويتم التغاضي عن كل القوانين الدولية…
… إنها رسالة الأمريكيين وحلفائهم العظماء إلى كل الشعوب العربية…سواء تلك التي انتفضت ضد أنظمتها، وضنت أن انتفاضتها هي من قادت ثورات إسقاط الأنظمة بكل تونس ومصر وليبيا واليمن… وأن اعتصاماتها وصمودها مكنتها من تغيير سيوفر لها أنظمة بديلة تعيد نسج مجتمعاتها وهيكلة إداراتها، وتطهيرها من الفساد والاستبداد…أو تلك الشعوب التي تسير على نفس الطريق، وتؤمن بأنها ماضية من أجل فرض التغيير للأحسن… رسالة واحدة حملها أسطول القتل والتنكيل، الذي وجه صوب معتصمي رابعة العدوية، والذين لهم مطلب وحيد يتمثل في الحفاظ على الشرعية، والتي بدونها تصبح مصر (أم الدنيا)، غابة للوحيش، ويصبح الكل فريسة، وتحمل شعارا التصفية من أجل السلطة والمال… رسالة بدأت بإزاحة محمد مرسي من طرف وزيره في الدفاع، الذي أحكم قبضته على الجيش بمخالب أجنبية، ورمى بالشعب المصري إلى عهد ما قبل التاريخ… لينصب نفسه فرعونا جديدا يصنع المؤيدين والمعارضين، وتكفل بإبلاغ الشعب المصري بأنهم كانوا ضحية الكاميرا الخفية، وأن لا جديد طرأ وسيطرأ في تدبير شؤون البلاد. جاء ليخبرهم بأن عالم الأقوياء لن يقبل بما يراه ويفرضه الشعب عن طريق الانتخابات والمساطر القانونية المحلية، وأن عالم الأقوياء لن يقبل بنظام إسلامي كيف ما كانت درجته ومستوى تعامله وليونته وتسامحه…. رسالة ليست موجهة فقط للشعب المصري بل لكل الشعوب العربية المسلمة، التي قد تفكر في منح القيادة للإسلاميين. تقول لهم إن على القيادات العربية التي ترغبون أن تنصبوها مستقبلا، أن تكون في خدمة عالم الأقوياء أولا وأخيرا، وأن تترك أوراقا فارغة في دساتيرها الجديدة لتضاف بها قوانين وبنود تحميه مصالحهم، اعدها مسبقا العم سام وباقي أفراد أسرته العلمانية القوية… لكي تعد الشعوب العربية للانحلال والانحراف والابتعاد عن دينهم وتقاليدهم… في أفق محو ذاكرة الشعوب العربية، وإعادة شحنها من طرفهم.
… سقطت مصر… وقامت لكي تسقط من جديد… وستستمر في الوقوف والسقوط إلى أن يستفيق شعبها من غفوته، وأن يسحب أسلحته الفتاكة المادية والمعنوية من ساحة المعارك الدائرة بين المصريين بعضهم البعض، وأن يصوبوها نحو من يديرون شؤون مصر بجهاز التحكم عن بعد (التيليكوموند)… ليس بالضرورة أن يدخلوا معهم في حرب قد لا تنتهي وقد تكون غير متكافئة… لكن بالصمود في وجوههم ورفض كل إجراء يضر بالمصري والمصرية كان مسلما أو مسيحيا أو علمانيا أو متطرفا…والاقتناع بأن تجفيف سفوح الٍأهرامات من السيول والتعفن، لن يجدي نفعا مادام في قمم تلك الأهرامات فراعنة مصريين حرسين على استمرار تدفق تلك السيول والتعفنات، ومادامت هناك منابع ومجاري يتزود بها الفراعنة من خارج فضاءات (أم الدنيا..)
… إنها الكاميرا الخفية يا سادة في أوجه تطورها، أعدت لتبث في كل القنوات التلفزيونية الفضائية والأرضية، وعلى جميع المواقع الالكترونية والصفحات الاجتماعية للعالم الإفتراضي الذي لعب دور البطولة في كل مشاهدها… إن الكاميرا الخفية الوحيدة التي لم يستأذن فيها الضحايا عند نشر مشاهدهم، ولم يراعى فيها نوعية المشاهدين وفئاتهم…حيث بثت مشاهد القتل والتنكيل والاستخفاف بمطالب الشعوب، ولم تفرض عليها أية رقابة إعلامية… إنهم الأقوياء الذين يكشرون على أنيابهم حين يرون بعدساتهم وعيونهم الاستخباراتية أنهم باتوا مهددين من قوافل عربية سائرة في النمو. أو أن شعوبهم باتت في حاجة إلى دعم وموارد يفتقدونها داخل بلدانهم….ينادون بالديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل تلميع صور أنظمتهم، ويتحولون إلى وحوش كلما تعلق الأمر بالبحث عن ثورات وفرض مخططات تخمد ثورات شعوبهم، وتضمن حماية حدودهم… يطئون بأرجلهم وأحذيتهم على كل المواثيق الدولية والشعارات التي ما فتئوا يهللون بها عندما يتعلق الأمر بملفات وقضايا عربية… من أجل تحقيق أهدافهم في كسب المزيد من المال والجاه والإلهاء لشعوبهم التي نجحوا في إبعاد معظمها عن عالم السياسة… بالصحة والراحة…
العامود الصحافي الثاني :
يلعن الفايس .. بوك .. وثرواته الفاشلة
… هذا جزاء من آمنوا بقدرة عوالم افتراضية على تحقيق ما يشغل بال الشعوب العربية في عالمهم الحقيقي، وتمكينهم من أنظمة قادرة على إنعاشهم والرقي بمستوياتهم المعيشية والحقوقية والثقافية… هذا جزاء من خططوا ودبروا في عزلة تامة داخل غرف نومهم، مؤنسهم الوحيد حاسوب ثابت أو نقال أو هاتف… ودبروا خططهم مع أشخاص وهميين شاركوهم طعام الانترنيت (من ترفيه ودردشات و…)، معظمهم بهويات مزورة وجنسيات مختلفة… هذا جزاء من حفزتهم عبارات (لايك، جيم، …)، وانساقوا وراء فيروس (البارتاج والأدمين…) من أجل حشد الدعم البشري اللازم، وآمنوا بتعليقات افتراضية لآدميين افتراضيين… هذا جزاء من قرروا المطالبة بالتغيير دون أن يكونوا واعييين وأعضاء فاعلين في عمليات التغيير… لا مسايرين لما يصلهم من تعليقات واقتراحات.. ولا مهللين لأشخاص يركبون على هموم الشعوب، ويظهرون تضامنهم ودعمهم لها، ويبطنون ما يتوخون من ثوراتها وانتفاضاتها… كنتم يا سادة تعدون وجبات أكل سريعة مجانية… لمن ترونهم الآن يتهافتون على اقتسام غنائم بلدانكم… يتلاعبون بأمنكم واستقراركم…الذين وبعد أن أغلق باب التفاهم بينهم قرروا إدخال بلدانكم في متاهات وحروب أهلية…لم تنتبهوا إليهم وهم يسرقون حياتكم وما تملكون من ثروات وسمعة وشرف… فانتبهوا الآن إليهم وقد وقع بينهم الخصام وقرروا التبارز بسيوفهم داخل عالمكم الحقيقي…وانظروا جيدا فإن المواجهة بينهم أبانت حتى الجهات الخارجية المدعمة لهم… هناك سباق نحو القيادة …. وأنتم الآن تتساقطون كأوراق الخريف بعد أن تحول ربيعكم العربي إلى خريف وصيف بشمس حارقة… إن ما يقع داخل مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها من الدول التي ضنت شعوبها لوهلة أنها قادت ثورة الإصلاح، لهي دروس يجب أن تستخلص منها العبر والمواعظ وتدرك تلك الشعوب أنها انساقت وراء ثورات وهمية مجهولة ومسخرة وغير محسوبة، وفرت لها فضاءات تقنية حديثة، ودعمت إعلاميا من طرف جهات خارجية وداخلية لها أهداف خاصة لا علاقة لها بمطالب الشعوب ومعاناتها… منحت البطولة لغير مستحقيها داخل عالم افتراضي اسمه الانترنيت الذي لازال غريبا على معظم الشعوب العربية… مكنت الكل من التدخل في السياسة وإبداء الرأي حتى في أمور يجهلها كليا. وانطلقت الحوارات والدردشات والتعليقات من رواد معلومين وآخرين مجهولين… جهزت مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها (الفايس، التويتر…)، عوالمها الافتراضية بكل ما يلزم لاستقطاب كل الفئات العمرية ذكورا وإناثا، وكل ما يلزم لجعلهم مدمنين على مطاردة الفأرة و(الشات)، والغوص في عوالمهم دون اعتبار للزمن.. وفرت لهم المقاهي والملاعب الرياضية والترفيهية وصالونات الفن والأدب والعلب الليلية وغرف الجنس وأرشيفات التاريخ والجغرافية والبحث العلمي…و أقنعتهم بسلك (ريجيم) العزلة داخل غرف شبه مظلمة (جالسين أو مستلقين على أفرشتهم)، والاكتفاء بمحاورة إنسان الشبكة العنكبوتية، عبر حواسيبهم الثابتة أو النقالة وهواتفهم دون التحقيق والتدقيق في هويات محاوريهم وأهدافهم… والتنكر حتى لأفراد أسرهم… إنما سمي لفترات بالربيع العربي، هللت له القوى الدولية، ليس سوى ربيع مصطنع وموجه قادته تلك القوى لإعادة هيكلة وتشكيل تلك الدول، وفق ما يلزمها من توازنات وقناعات تخدم مصالحها ومصالح الموالين لها…. ألم تتم انتخابات نزيهة بتونس ومصر، وتم فوز من اعتبرهما الشعبين قادرين على تدبير المحلة؟…فلماذا هذا الانقلاب على الشرعية، والتحريض اللاسياسي واللاأخلاقي على الانقلاب ضدهم؟…
… لم يكن ربيعا يا سادة… فقد كانت محرقة التهمت كل المناطق الخضراء بتلك الدول، وبسطت بدلا منها عشبا اصطناعيا (زغلل) عيون المتحمسين للثورة والتغيير، وجعلتهم يصدقون أنهم بصدد ثورة حقيقية ضد الظلم والفساد والاستبداد.. فقد كانت ثورات فاشلة تخدم أجندات خارجية، تم دعمها من طرف تلك الشعوب العربية التي تعاني الفقر والتهميش واستفراد النخب بثروات بلدانها… فكيف أحق لنا أن نسميه بالربيع العربي، وشعوبنا مشكلة من عرب وأمازيغ؟…كما أن شرارة هذا الربيع انطلقت بالركوب على حادث انتحار شخص تونسي حرقا، وهو حادث وليس جريمة قتل، لم ندقق حتى في تفاصيلها الحقيقية، علما أن آلاف المقهورين والمظلومين والمغلوبين على أمورهم سلكوا طرقا بديلة وحافظوا على حياتهم. وعلما أن معظم شعوبنا إسلامية، والإسلام يحرم قتل النفس والانتحار. فكيف لتيارات إسلامية أن تقود المظاهرات والاعتصامات ضد الأنظمة، وتحمل شعار (البطل البوعزيزي)، وهي تدرك أن ما اقترفه يعتبر جبنا وهروبا من المواجهة والصمود، وأن مصير المنتحر هو جهنم وبئس المصير. فهل مات (البوعزيزي) شهيدا في ساحة حرب؟ وهل قاوم وتلقى الضربة القاضية من رجل سلطة متسلط ؟… بالطبع لا… لكن بما أن سفينة الربيع العربي كان يقودها ربانا يغرد خارج سرب الشعوب العربية سياسيا ودينيا، فإنه جعل من انتحار البوعزيزي شراعا لضمان سيرها وفق ما تم التخطيط له… …لن ينكر أحد أن معظم الشعوب العربية تعاني في صمت وضجر.. وأنها تبحث بوسائلها الخاصة عن بديل لما تعيشه من فقر، وأن بعضها يئس من الانتظار والوعود الكاذبة، لكن البحث عن البديل ليس معناه الارتماء في مصير مجهول ومعلق في عوالم افتراضية، وليس معناه بالضرورة (الانقلاب على الأنظمة)، لأن النظام ليس شخصا أو أشخاص، بل هو مؤسسة بهياكلها، وقوانينها. وإذا كان بالإمكان إصلاح النظام وتعديل قوانينه ودساتيره والضغط على عناصره البشرية من أجل الالتزام والصرامة والحزم في مطالب الشعوب، فإن تلك الشعوب ستكون قد ربحت نظاما جديدا وتفادت ضياع الوقت في البحث عن بديل مستحيل، وتعطيل مسيرتها… …شخصيا اعتبر وفي ضل الواقع المعاش لكل الشعوب العربية وغير العربية، أنه لا يمكن لأي انقلاب سريع ومتسرع أن يحقق طموح وآمال تلك الشعوب، وأنه لن يزيدها سوى معاناة وحروب أهلية هي في غنى عنها. وحين نتحدث عن الانقلاب فهذا يعني أن هناك بديل فرض نفسه واستجابت له قوى مدنية وعسكرية، وأن هذا البديل سيفرض برنامجه ومخططاته ليضمن الاستقرار… فإذا كان هذا البديل سينتظر توافق الشعب وانتخاباته من أجل تشكيل طاقم جديد لتسيير شؤون البلاد، فإن الطريقة التي تمت بها الإطاحة بالنظام السابق ستتكرر، ولو بأذناب النظام المطاح به. وإذا كان الإنقلابيون قد اختاروا أسلوبا ديكتاتوريا بفرض نظام جديد، فإن نظامهم سيلقى معارضة قوية قد تدخل البلاد في مأزق بلا مخرج… فأنا مع الانقلاب التدريجي البطئ، الذي يبدأ بتغيير النفوس أولا، وتغيير وجه المحيط (الحومة، المدينة، القرية…)، وإبعاد المفسدين وأصحاب المصالح الشخصية من كل المسؤوليات (منتخبين وموظفين)، وذلك بفضحهم والتصدي لتجاوزاتهم… حتى يتسنى لنا الحصول على مرافق عمومية ومؤسسات فاعلة وجادة، تفرض احترام الكل، وتورط النظام إذا كان فاسدا، فيضطر إلى الاستسلام وتصحيح مساره، وعزل المفسدين داخله… فلنبدأ بالرد عن سؤال واحد فقط … هل أنا صالح لأنادي بالإصلاح؟ … والكف عن محاورة الغريب داخل الفايس… والله يلعن … الفايس… بوك… وثوراته الفاشلة…التي تسببت في استنزاف ثروات الشعوب وتعطيل نهضتها….