مأساة أبي الفنون بالمغرب

شاخ أب الفنون وأنهكت جسده الأمراض والكبوات والنكبات، وبات مشردا بلا مأوى.غير قادرا على رعاية واحتضان أبناءه، ولا حمايتهم من الدخلاء والمتطفلين.. بات تائها يبحث عن ملاذ لحياة بديلة.. تمكنه من إنقاذ أسرته.. وإنجاب أبناء جدد من صلبه يقدرون شيبه وأبوته.. ويحفظون له جذوره وتاريخه.. ويؤمنون له المستقبل.. فيما تفرق الأبناء وانشغلوا بأمور أخرى تدر عليم المال، بعد أن وقفوا على أن إرث الوالد (المسرح) لم يعد يشكل موردا للرزق. ولا مصدر أمن وأمان لمستقبلهم الفني..
لم تعد لخشبة أب الفنون حرمة ولا مكانة في عالم الثقافة والفن، ولا في الحياة العادية للإنسان البسيط، الذي اشتاق كثيرا للحلقة والبساط وسلطان الطلبة وسيدي الكتفي.. ولم يعد شيخنا قادر على توفير فضاءات مناسبة لتكوين الهواة في المسرح وزرع روح التنافس والتباري. ولا إنجاب مؤلفين مغاربة بأفكار ورؤى مغربيتين. يمتصون رحيق قصصهم ومؤلفاتهم وروايتهم من واقعهم المعيشي وتاريخهم الحافل بالعبر والمواعظ والحرمان والدماء والسخرية وغيرها مما قد يثير شهيتهم… تحولت الأزقة والشوارع والمرافق العمومية والخاصة إلى خشبة مسرح واسعة، وأرغم البشر على تقمص أدوار مسرحية فوقها، تختلف بين ما هو هزلي وجاد ودرامي.. وأصبح الكل ممثلا مسرحيا ومؤلفا ومخرجا وجمهورا .. ولم يعد هناك مجالا للتألق والإبداع المسرحي.. يضاف إليها ندرة النصوص المسرحية لمؤلفين مغاربة، حيث أن معظم المسرحيات الحالية، تعتمد على نصوص مقتبسة. كما أن عدة فرق مسرحية لا تلقى أدنى اهتمام ولا دعم من طرف الوزارة الوصية. وخصوصا مجموعة من الفرق المسرحية الجادة المتواجدة بمناطق عدة بالمغرب، بعيدا عن العواصم الإدارية والاقتصادية والعلمية والسياحية….
ورثة أب الفنون، لازالوا يتذكرون رسالة الملك الراحل الحسن الثاني، التي تلاها مستشاره الراحل أحمد بنسودة في افتتاح المناظرة الوطنية الأولى للمسرح الاحترافي بتاريخ 14 ماي 1992، بمناسبة اليوم الوطني للمسرح الذي يصادف 14 ماي من كل سنة ميلادية.
أكد الملك الراحل أنه أعطى تعليماته لوزيره في الداخلية والإعلام حينها، بتخصيص مبلغ واحد في المائة من ميزانية الجماعات المحلية لبناء المسارح ورعاية العاملين بها واحتضانهم. لكن المبادرة الملكية تبخرت، ولم يتم تفعيلها. بل تسببت فقط في نشوب صراعات بين رواد المسرح حينها (عبد القادر البدوي من جهة والراحل الطيب الصديقي من جهة ثانية). نفس الرسالة أكد فيها على ضرورة توفر عاصمة كل عمالة أو إقليم على مركب ثقافي يضم قاعة للمسرح. وبعد مرور ربع قرن لم يتحقق حلم الراحل الحسن الثاني.. كما طالب كل جهة اقتصادية بالمملكة بإحداث فرقتين مسرحيتين ترعاهما الجماعات المحلية وتوفر لهما الوسائل الفنية والتقنية لتكثيف الإنتاج المسرحي وتوزيعه.. وهاهي الجهات تقلصت من 16 إلى 12 جهة فقط.. ولم تبادر تلك الجهات من أجل إحداث فرق تمثلها.. لما لا يتم إعادة الروح لجسد مسرح الهواة الذي كان المشتل الحقيقي لإفراز نجوم المسرح الاحترافي أمثال (عبد الكريم برشيد، أحمد العراقي، محمد بلهيسي،محمد شهرمان،ابراهبم وردة..) ؟ .. ولما لا تتم الاستفادة من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي في تكوين الأطفال والشباب وإحداث فرق مسرحية محلية تحت إشرافهم. عوض ترك بعضهم بدون وظائف ومهام داخل رفوف وزارة الثقافة ومرافقها ؟.. إلى درجة تحولهم إلى موظفين أشباه. فيما بات حضور آخرين مثل غيابهم، باعتبار تلك المهام المنوطة بهم، والتي لا علاقة لها بتخصصاتهم.. ولما لا يتم إدماج مادة المسرح في كافة المستويات التعليمية بالاعتماد على تلك الكفاءات ؟. وقد سبق أن نبه لها عالم المستقبليات، الراحل الدكتور المهدي المنجرة. حين قال إن (سياسة واستراتيجية وزارة الثقافة، يجب أن تطبق في وزارة التعليم).