لم تعد مباريات كرة القدم الوطنية تطرب جمهورها الذي فضل معظمه الاحتجاب عن الملاعب الرياضية وفسح المجال للأطفال والمنحرفين الذين حملوا قميص اللاعب رقم 12 وعبثوا به داخل وخارج الملاعب الرياضية. رفض الشباب والكبار الاستمرار في اللعب ضمن تشكيلة الفريق وفضلوا العزوف عن الميادين بعد أن غابت الفرجة وقل التواصل، فتسلل مكانهم إلى التشكيلة لاعب جديد مشحون بالعنف والشغب لم يكتمل بعد نموه العقلي والنفسي.
كثر الحديث عن شغب جماهير كرة القدم داخل و خارج الملاعب الرياضية… على الأرصفة والشوارع وأمام وداخل حافلات النقل… الشغب قائم كلما كان الحضور الجماهيري غفير، والمشاغبون أدخلوه ضمن طقوسهم الخاصة ولم يعد مرتبطا بفوز أو خسارة… وإن اختلف المتتبعون للظاهرة بين منتقد للبنية التحتية وضعف المستوى الفني للمباريات التي يجري وراءها المتفرجون، وبين من يعتبرها جزء من شغب كبير تعيشه عدة قطاعات ببلادنا وأولها قطاع التعليم الذي أفرغ برامجه من الدوريات الرياضية وأثقل كاهل التلاميذ بالبرامج النظرية وزاد الاكتظاظ داخل الأقسام من شل أفكارهم أمام مستقبل تجسده لهم الأجيال السابقة( معطلون من أصحاب الشواهد العليا).
دردشة مع بعض الجماهير الرياضية بعدة مدن مغربية، أفرزت معطيات جديدة وواقع غير الذي أبدع في استخلاصه بعض المهتمين بالشأن الرياضي.
عن أي جمهور يتحدثون؟، لم يعد هناك جمهور يلج الملاعب الرياضية المغربية، إن أعضاء الجامعة الوصية والمجموعة المعصية يقيمون أعراسهم للأطفال، وفرقهم الفنية لم تعد تطرب الجماهير الملمة بكرة القدم بسبب انعدام الحس الكروي لدى كل مكونات الأندية، لو كانت هناك كرة قدم حقيقية وفرجة يقدمونها أصحابها لاعبين ومدربين ومسيرين من صميم القلب لامتلأت الملاعب الرياضية بالجمهور المغربي العارف والمتميز… هم صنعوا فرجة مزيفة فوجدوا جمهورا مزيفا.
الجماهير العاشقة لكرة القدم باتت تتابع مباريات الأندية الوطنية عبر المذياع والتلفزيون، وأقسمت على عدم ولوج الملاعب الرياضية، لما يرونه من سلوكيات غير مسؤولة، وما يسمعونه من ألفاظ نابية وعنف، أبطاله أطفال أصبحوا يشكلون جمهورا خليعا.
الجماهير فقدت صفتها بعد أن فضلت الركون إلى المقاهي ومتابعة مباريات دولية، بسبب هزالة مستوى كرة القدم وانعدام الاهتمام الروحي والمادي الذي كانت تجده لدى بعض الأندية ، إبان توفرها على عمالقة العشب.. من بين المحبطين اللاعبين القدامى اللذين تأسفوا لوضع كرة القدم المحرج بسبب قلة الإمكانيات وضعف البنية التحتية للملاعب، وتأسفوا لوضع المغرب الرياضي، والذي كان مشتلا للنجوم ، وكانت ملاعبه قاعات أفراح تحيي أعراسا كرويا ينتهي دائما بتبادل التهاني بين اللاعبين والجماهير الحاضرة بغض النظر عن نتيجة اللقاءات. لم يكن يوما من الأيام غياب ملاعب في المستوى ولا انعدام مدرجات شغلا يشغل الجماهير العاشقة لكرة القدم ولا سببا في الإقدام على التخريب أو العنف، فالجماهير كانت تزحف وتقطع الكلمترات وتفرش الأوراق وبعضا من ملابسها، لتقيهما من برودة الأرض من أجل الاستمتاع بمشاهدة مباريات تجرى فوق أراضي معشوشبة أو غير معشوشبة.. لم يكن المستوى الفني للفريق هاجسا يلهف وراءه الجمهور، بقدر ما كان يعشق لاعبيه المفضلين،.. يحب تواضعهم وسلوكهم وتجاوبهم وأدائهم الجاد والقتالي بعيدا عن المساومات المالية والتلاعبات في المباريات.. فكم من الجماهير أحبطت بسبب تلاعب مسيرين ومدربين ولاعبين في مباريات رسمية، والضحك على أذقان الجماهير العاشقة التي تلاحق الفرق أينما حل وارتحل.
والحديث عن الشغب يحيلنا على استفسار مرتكبيه الذين هم في معظمهم أطفال دون سن السادسة عشر، وهي فئة لم تكن تمثل في السابق إلا جزء ضئيلا من الجماهير الغفيرة التي كانت تعج بها ملاعبنا.. قال لي يوما سمير ابن ال12 ربيعا، إنه يرافق النسور الخضر خلال مبارياتهم بالمدن القريبة من الدار البيضاء : نستعد منذ أيام لحضور المباراة، هناك مجموعة من الأطفال لا تهمهم نتيجة المباراة بقدر ما تستهويهم الطقوس والأجواء المشحونة التي تفتعلها … يحبون ركوب الحافلات والضوضاء وترديد الشعارات والظهور أمام الكاميرات التلفزيونية، وممارسة الشغب في الشوارع والأزقة، ومجابهة رجال الأمن وتكسير زجاج الحافلات وكراسي المدرجات وولوج أرضية الملعب أثناء سير المباراة.. وأضاف سمير: تلك الفئة من الأطفال تلتقي عند المساء أو في صباح اليوم الموالي لتحكي عن بطولاتها بعيدا عن المباراة.
إنهم نموذج للجماهير التي أشعلت فتيل الشغب داخل المدرجات وأحرجت فرق كبيرة وحدت من عطاءها، أطفال استهواهم العنف فوجدوا مجالا لتفريغه، وذهبت أندية وجماهير حقيقية ضحية تهورهم.
أطفال أغلبهم يقضون الأسبوع كاملا في تدبير المبلغ المالي لتنقلهم صحبة أنديتهم المفضلة، وحجز ورقة الدخول إلى الملاعب الرياضية، من أجل السب والشتم والتخريب داخل وخارج تلك الملاعب الرياضية…وعلى طول رحلاتهم بالطريق السيار أو القطار أو عبر مختلف باقي الطرق الوطنية.. أطفال رددوا غير ما مرة وهو راكبون الحافلات في تجاه الملاعب الرياضية، عبارات ساقطة وكلام قبيح وهددوا رجال الأمن بشعارات : وا البوليس… راحنا جايين…
ويبقى عمل جمعيات المحبين والأنصار والعاشقين والمهووسين… بعيدا عن دورها الذي أنشأت من أجله، فمعظم الجمعيات يتم إحداثها برغبة وتأطير من رئيس النادي أو أحد أتباعه ليبقى أعضائها كالببغاء يرددون ما أراده المكتب المسير، وتبقى تشكيلة المحبين كأعضاء احتياطيين لأعضاء المكتب المسير.
صحيح إن الشغب ظاهرة عالمية عمت الميادين الأوربية (ظاهرة الهوليكنز بانجلتر)، وغيرها من الدول الغربية.. وصحيح أن القنوات الفضائية عرضت مشاهد للعنف والشغب من طرف الجمهور الذي كان يبدي تصرفات غير لائقة تجاه اللاعبين والحكام والمسيرين ( العنصرية والشتم ورمي القنينات أو الحجارة…). لكن خطورتها بالمغرب، تختزل في كون روادها أطفال وقاصرين معظمهم لا يمتون للرياضة بصلة.. مدمنون على استهلاك المخدرات وحبوب الهلوسة والخمور وباقي الكحول المتفنة، والتي تصنع بطرق يدوية (الماحيا نموذجا). الظاهرة غير صحية تعيق تأهل كرة القدم الوطنية وتعطي سمعة غير مشرفة للفريق ومدينته. وتعتبر أداة لترسيخ الانحراف وإتلاف مشتل كرة القدم ومعه كل رواد الرياضة..
لازلت عدة أندية وطنية، تتغنى بمحبين وعاشقين لكرة القدم، الذين دعموا أنديته بالغالي والنفيس، وضلوا أوفياء لها بعيدا عن منطق الفوز أو الخسارة.. كانوا يجسدون الحضن الدافئ والآمن للاعبي تلك الأندية.. يمنحوهم القوة والإرادة والمثابرة.. لكن شغب الملاعب أبعدهم. فتركوا مقاعدهم للأطفال والمنحرفين الذين زادوا من استفحال أزمة كرة القدم الوطنية.. وحولوا الملاعب إلى فضاءات لإفراز العفن والخبث والفساد..وباتت كرة القدم مصدرا للعنف والانفلات الأمني.. يصعب على الأسر الاستثمار فيها ولا حتى مزاولتها على سبيل الهواية أو الاستمتاع بروادها..