ما يجري الآن من حملات تمشيطية تحت غطاء (إفراغ الملك العمومي والأرصفة من الباعة الجائلين)، بعدة مدن مغربية، ليست مبادرات قائد أو باشا أو عامل أو والي .. ولكنها تعليمات من وزارة الداخلية، التي تعرف ومتى وكيف تبادر إلى الاحتكاك بالباعة الجائلين. وفرض سلطتها، ولا أظن أن الهدف منها هو القضاء نهائيا على التجارة العشوائية وتنقية الشوارع والأزقة والأرصفة من الباعة وأصحاب المقاهي، ولكنها تبقى فقط تحذيرات وتنبيهات إلى هذه الفئة، لتذكيرها بأنها تعمل خارج قانون الخدمات والتجارة المغربي، وأنها معرضة في أية لحظة وحين إلى الإجلاء والإبعاد والمطاردة. وهي فرصة كذلك بالنسبة لوزارة الداخلية وروادها مركزيا، جهويا، إقليميا ومحليا، لفرض تبعية وخضوع وخنوع هؤلاء إليها.. وتسخيرهم لخدمة أجنداتها المهووسة بكل ما هو أمني وانتخابوي..
قررت الكتابة في هذا الموضوع، بعد أن قرأت عدة تدوينات ومقالات، تتحدث عن مبادرات باشاوات وعمال وولاة في تحرير الملك العام البري والبحري… علما أن هؤلاء لا ينفذون إلا تعليمات فوقية.. وأن الباشا أو العامل أو الوالي لا يملك جرأة المغامرة بمنصبه من أجل فرض تشكيل القوة العمومية، حيث الأمن الوطني، القوات المساعدة، النيابة العامة، ممثلو وأعوان السلطة..). من أجل مداهمة الباعة الجائلين. علما أن هؤلاء الباعة يزاولون أنشطتهم لعدة أشهر وربما سنوات وتحت أنظارهم. بل إن هناك من يقتات من تجارتهم، نقدا أو توددا أو مقابل الحماية..
تحرير الملك العمومي، لا يجب أن يكون تحريرا انتقائيا ولا جزئيا. بل يجب أن يكون شاملا كاملا. يهم كل من يحتل الملك العمومي، سواء كان صاحب عربة أو (فراشا)، أو مقهى أو مطعم أو منزل أو….
إذ لا يعقل أن يتم حرمان بائع متجول من تجارته تدر عليه مصروف يومي بائس. ويتم السماح بصاحب مقهى أو مطعم أو محل تجاري مرخص أو منزل أو فيلا..، بالتمدد فوق أراضي الملك العمومي والأرصفة، وتوسيع تجارته وخدماته بدون وجه حق.
كما لا يعقل أن تجد هناك من يتاجر فوق الحدائق والمسالك والممرات، وهناك من يحظى ببناء الأكشاك، ليوظفها في تجارة أو خدمات متعفنة دونا عن باقي البشر. علما أن هؤلاء المستفيدين لهم مداخيل وموارد مالية أخرى..
إن كانت وزارة الداخلية جادة في تحريرها للملك العمومي، عليها إنهاء استعماره من طرف المحلات التجارية والخدماتية والمنازل أولا. وذلك بفرض احترام القانون.
وثانيا بإجراء إحصاء دقيق للباعة الجائلين أبناء المدينة المعنية. وإعداد دراسات دقيقة لإحداث أسواق نموذجية. تمكن الأسر من مداخيل مالية آمنة ودائمة بدون أدنى مفاجآت. إذ لا يعقل أن يؤثث البائع الشاب لأسرته الصغيرة (زوجة أطفال)، ليفاجأ بأن مورده المالي قد ضاع منه.
إن صمت السلطات المحلية والإقليمية والولائية بجل مدن المغرب على عملية انتشار الباعة الجائلين. جعل معظم العاطلين وحتى المتقاعدين من منخفضي المعاشات أو منعدميها، يبادرون إلى تسويق تجارة ما. وهو ما زاد من عددهم، وقلص من مداخيلهم. بل إنك تجد العديد من الباعة لنفس البضاعة داخل الأسرة الواحدة (الزوج، الزوجة، الإبن، البنت…). وتجد داخل نفس (الجوطية)، كل هؤلاء مستقرين بأماكن مختلفة لبيع نفس البضاعة، والتي لا تعود عليهم بأي نفع. باعتبار كثرة الباعة وغياب التنوع. وقلة المتسوقين. والذين في غالبيتهم زبناء من منخفضي وضعيفي الدخل.
بمدينتي ابن سليمان، والتي عرفت قبل أيام حملة تمشيطية لتحرير الملك العمومي، على مستوى شارع الحسن الثاني وبعض الأزقة. لم تكن حملة كاملة وشاملة. علما أن هذه المدينة تعرف تجاوزات خطيرة على مستوى السطو على الأزقة والأرصفة والحدائق، لابد من البدء أولا بعملية تحريرها. قبل العروج إلى الباعة الجائلين الذين بالكاد يدبرون مصاريفهم اليومية. بل إن هناك باعة جائلين جدد برزوا أبان تلك الحملة. ولم يتم إخلاءهم.
هناك منازل وفيلات تحتل الملك العمومي، بل هناك من حفر بئرا فوق الملك العمومي،، وأكثرها فضاضة ما نجده بحي السلام (صوفال).
هناك مقاهي أغلقت كل الأرصفة، ويضطر الراجلين (نساء ورجالا وأطفالا) إلى المرور فوق الشارع، وتعريضهم لخطر حوادث السير. وهناك محلات تجارية بالسوق الحضري المركزي، يحتلون الفضاءات الخضراء المقابلة لهم وكذا الممرات. وأخص بالذكر باعة الخضر والفواكه ومقاهي الشواء.. وهناك من بنا مقهى كلها فوق أرض الدولة بالقرب من مدرسة لالة حسناء. وعجزت السلطة عن إفراغه في عهد العامل السابق. وهناك من انفرد في بناء كشك اسمنتي، وهناك من حول كشك إلى ورشة ميكانيك. وهناك من نصب محلا لبيع الخضر فوق الملك العام. وهناك من حول زنقة إلى ورشة للميكانيك والمطالة. وهناك احتل فضاءات تضاعف محله عدة مرات.. وهناك…وهناك ..
تحرير الملك العمومي، يجب أن يكون منصفا للكل، وقبل كل هذا يجب الكشف عن لائحتي المستفيدين المرتقبين من السوق الحضري الجديد المنتظر بناؤه فوق أرض المحطة الطرقية، والسوق النموذجي المرتقب بناؤه بحي لالة مريم. وأن تبادر العمالة إلى وضع برنامج إحداث أسواق نموذجية بمختلف الأحياء السكنية. وتنقية وتهيئة السوقي الحضريين (قبالة المسجد العتيق، وبحي كريم). وإنهاء مهزلة (سوق أو جوطية الأحد)، الذي عفن أحياء (الفرح والحسني والسلام). وعفن مدرسة السلام وإعدادية ابن تاشفين. والإسراع بتهيئة أرض السوق القديم (الاربعاء)، بتسريع عملية إحداث التجزئة، وتهيئة الحديقة المتواجدة قبالةما يسمى ب(السينما)، التي تحولت إلى مرآب للدراجات ثلاثية العجلات (التريبورتور). والفضاء خلف (السينما)، الذي تحول إلى مرآب للرافعات والشاحنات.. وإزالة محل (الفحص التقني)، لأن الأرض كانت منحت لمالك الأرض على أساس الاستعارة فقط، بعد أن اكترى محله للمنطقة الأمنية بحي القدس. وكان من المفروض أن يزيل المحل ويعود إلى مكانه. إلا أنه يظهر أنه المالك قد دبر نفسه واقتنى الأرض نهائيا.
وإزالة محلات الحدادة والمطالة وغيرهم المحلات المتواجد بأطراف السوق القديم، وكذا محلات الجمالة للخضر والفواكه والذي انتقل عددهم من سبعة إلى زهاء الثلاثين. وذلك بالإسراع بإحداث منطقة خاصة بكل فئة. والعمل على إخلاء المدينة من الكلاب الضالة والقطط والدواب والحيوانات الأليفة (البقر، الغنم، الماعز، الاحصنة، الحمير، البغال). حيث تعيش بالمدينة أكثر من 7000 دابة وحيوان أليف. وربما أكثر من عدد الكلاب والقطط الضالة.
وفي الختام ألا تعتبر (جوطية الأحد) أكبر عملية احتلال للملك العمومي. حيث ساكنة احياء الفرح والسلام.. يجدون أنفسهم محاصرين بالباعة. يصعب حتى إدخال سيارة إسعاف. إضافة إلى التلوث. وتدهور البنية التحتية بسبب الحفر الأسبوعي من أجل نصب الخيام.. وتعفن السلع. والروائح الكريهة. كما أنه بأي حق يتم استخلاص الأموال الخاصة بكراء اماكن البيع. وبأي حق يتم تخصيص فرق أمنية وغيرها للسهر على جوطية غير قانونية…