ما الذي يمكن للباحث أو الدارس أو المتتبع للشأن المغاربي عامةً، والجزائري خاصةً، أن يستنتجه وهو يرى الأمور في ذلك البلد على هذا النحو البالغ أقصى درجات التهوّر، واللامسؤولية، والعبَث؟!!
عندما يتكلم رئيس الدولة، الصوريّ، يَكذِب أكثر مما يتنفس، فليس لديه ما يخسره إذا كذب، وإذا افتضح كَذِبُه، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بالأرقام والإحصاءات والتوقعات، وهو يعلم علم اليقين أن الذي يمكن أن يراجعه أو يسائله أو يحاسبه ليس أفضل منه حالاً، إذ أنّ نفس المائدة اليومية تضم الجميع بلا استثناء، “والكاس يدور”، ونفس المستوى من التردي يربط بينهم بعروة “غيرِ وُثْقَى” ولكن “لا انفصام لها” في دائرة العبث ذاته!!
وإذا خاطب الرئيس الأغيار خارج الوطن، نجده يتراجع عن أقواله والتزاماته ليس بالاعتذار عنها كما يفعل العقلاء، وكما يليق برؤساء الدول والأنظمة، بل يتراجع عنها بنفيها من أساسها، وتكذيبها من تلقاء ذاته، أو بطبيعة الحال، من خلال أبواقه و”إعلامه الداجن”، لأنه لا يملك شجاعة الرجال الكامنة وراء مزية الاعتذار والاعتراف بالخطأ، فهو من الفصيلة البشرية التي “تأخذها العزة بالإثم”، والتي يسري عليها المثل الشعبي الساخر: “جا يكحّل ليها اعماها”، لأنه عند كل تراجع، وما أكثر تراجعاته وما أشدَّ غزارَتَها، يأتي دائما وأبدا “بعذر أكبر من الزلة”!!
ولأنّ الخير لا يأتي وحيدا كاليتيم، فإن منصة الخطابة يتناوب عليها رئيس الدولة مع رئيس أركان جيشها الوطني الشعبي، الذي أدمن هو الآخر على مظهرَيْن اثنين من مظاهر العبث:
1- النفخ في الجسد العسكري إلى درجاتٍ بَالُونِيَّةٍ من السمنة تنذر بالتمزّق والانفجار؛
2- الإقبال الكُلّي على الوِرد اليومي: “المروك… المروك… المروك…” إلى درجة جعلت اسم “المروك” لازمةً حيةً تسكن العقلَ الجمعيَّ الجزائريّ، فلا
نجد جزائريةً أو جزائرياً إلا وجدنا اسم المغرب حاضراً نصب العين، لا لشيء سوى لإلباسه كل البلاوي التي جرّها رئيس الدولة ورئيس أركانها على البلاد نظاماً ومسؤولين ومواطنين…
لذلك، لا يجد الجزائريون، مثلاً، أدنى حرج في إرجاع موجات الجفاف التي تشهدها البلاد إلى “المروك”؛ واتهام الجراد الذي ضرب البلاد بنفس المناسبة بكونه جراداً “مَرُّوكياً” تلقى تداريبه على أيدي المخابرات “المَرّوكية”؛ وإرجاع الفيضانات التي عمّت مناطق غربية أو شرقية من البلاد إلى تقنيات الاستمطار التي اشتهر “المراركة” باللجوء إليها عند الحاجة لإنقاذ بعض ربوعهم الجافة؛ ولا يجدون حرجاً في إعزاء فشلهم في صيانة أرضيات ملاعبهم الرياضية إلى مؤامرات “مرّوكية” صهيونية يحركها الحسد والغيرة من المكانة العالمية التي استأثرت بها منشآتُهم الرياضية، والتي تتحول بقدرة قادر وفي كل مرةٍ بمجرد افتتاحها إلى بساتين لإنتاج مختلف أنواع الخضر والبقول بدلا من استعمالها فيما أنشئت لأجله… ودائماً وأبداً، السبب هو: “المروك… المروك… المروك…”!!!
كل هذه المصائب، وأغلبها لا يسمح المقام ولا المقال بإحصائه وتفصيله، لا تدل سوى على حقيقة واحدة لا بديل لها في الآفاق، وهي أنّ هذا البلد يوشك حُكّامُه على “الإسراء” منه ليلاً، كما فعل موسى وهو يفر بشعبه من ظلم فرعون؛ او كما “أسرى” لوطٌ بمن آمنوا معه لِواذاً من الصيحة الصباحية ومِن ظواهرَ أخرى “جعلت عالِيَ القريةِ سافلَها”؛ وهو نفس “الإسراء” الذي لجأ إليه بنعلي وزوجته النابلسية لينتهي به الأمر إلى الموت خارج تونس كأي حشرةٍ نَكِرة؛ أو “إسراء” معمّر القذافي، الذي انتهى به كالجرذ في أحد مجاري المياه قبل أن يُقتَل على يد كومبارس فرنسي شَرَّ قَتْلة!!!
تُرى، كيف ستكون نهاية هؤلاء المُتَأَهِّبين الجدد “للإسراء”، الذين يبدو من سلوكاتهم غير المسؤولة أنهم فعلا على وشك الهروب من مصير لا ريب أنه سيصحبهم في فرارهم ليكون هو ذاتُهُ عينَ نهايتهم، ماداموا يحملون في جيناتهم بذور تلك النهاية المحتومة؟!
تُرى كيف سيكون شكل “إسرائهم”، وهل يمكن أن ينتهي بهم إلى غير ذلك المصير الكالح؟.. ذاك هو السؤال!!!
__________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.