العالم كله يعلم الأسباب الحقيقية التي جعلت النظام الجزائري يقرر فرض التأشيرة على كل “الأجانب الحاملين لجواز السفر المغربي”، سواء كانوا مغاربة بالهُوِية، أو بالتجنيس… وليست تلك الأسباب شيئا آخر غير الانتصارات اليومية التي يحققها المغرب سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا ورياضيا وثقافيا وسياحيا على الأصعدة المغاربية والعربية والمتوسطية والإفريقية والعالمية!!
إنّ ذلك النظام لا يُنافسنا، لأنه لا يستطيع المنافسة، ولا يعرفها أساساً، ولأنه ينطلق من إحساس دفين بالخسارة والهزيمة حتى قبل أن يبدأ، وإنما يرد على ذلك بالمزيد من الحقد والسب والشتم والعدوانية والمعاداة… ولذلك يستلقي العالم على قفاه من الضحك استخفافا واستهزاءً بعد كل خطوة جديدة يتخذها ذلك النظام ضدنا، بل يكون العالم برمته في انتظار ذلك قبل حتى أن يشرع نظام الموراديا في تنزيله على أرض الواقع!!
السبب الحقيقي، وراء القرار الجزائري الأخير بفرض التأشيرة علينا، لم يكن مفاجئاً، لأنه كان منتظَراً لدى إعلانه القطيعة التامة معنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، كتتويج لقطيعة مؤبدة انطلقت في حقيقة وجودها منذ بداية ستينات القرن الماضي، بمجرد توقيع الجنرال شارل ديغول على مرسوم تقرير مصير سكان حديقته الشمال إفريقية، ثم بعد ذلك بأيام قلائل، بمجرد إضمار حكام الجزائر الذين اختطفوا الثورة الجزائرية في عهد حكومة فرحات عباس لوشائج الغدر والخيانة تُجاهَنا، متنكرين بذلك لكل ما أبرموه معنا من العهود، واضعين أيديهم الملطخة في أيدي “الاستعمار الإسباني في صيغته القديمة”، و”الرئيس الليبي المعتوه”، وحكام “مصر عبد الناصر” و”كوبا فيديل كاسترو” و”بوليفيا تشي فيفارا” و”صين ماتسي تونغ”… فضلاً الزعيم الأكبر لكل هؤلاء بكل استحقاق، الاتحاد السوفياتي غير المأسوف على ذهابه وفَنائه!!
والآن، ما الذي خسرناه نحن من جراء فرض التأشيرة الجزائرية علينا، وما الذي ربحناه من هذا القرار البالغ أقصى حدود الغباء والغرابة؟!
أولا: على صعيد الخسارات التي سنُمنى بها:
* سيٌحرم مواطنونا الذين لديهم أهل وأقارب داخل القطر الجزائري من زيارة أقاربهم وأهاليهم، في أكبر عملية لبتر الرحم، لا ريب أنها سيتم تدوينُها من لدن “رُقباء السماء العتيدين” في سجل ذنوب ومساوئ وجرائم ذلك النظام اللقيط، الذي يبدو، والله أعلم، انه لا تجمعه بالإسلام ولا بالإيمان وبعدالة السماء أيُّ آصرة!!
ولن أكون مُغالياً إذا قلت إنها الخسارة الوحيدة، التي يمكن أن تُصيبنا من جراء ذلك القرار العبَثي، وغير المبرَّر، رغم ما قدمه بيان وزارة الخارجية الجزائرية من أسباب تبعث على الغثيان من شدة ما تثيره من التقزّز والقرف… وعدا هذه الخسارة، الإنسانية والمعتبرة فعلاً، لا يوجد أيُّ شيء آخر يستحق الاعتبار!!
ثانيا: على صعيد الربح، وما أعظمه وأكمله:
* سوف يرتاح سُيَّاحُنا من التجوال في بلد أشدَّ منا تَخلُّفاً، وأوفرَ أزبالاً، وأجفً عقولاً وعقلياتٍ وأخبثَ وأسوَأَ من كل بلاد الدنيا استقبالاً ومُعاملة!!
* سيرتاح حِرَفِيونا المؤهَّلون في صناعات فنية راقية مثل النقش في الجبص والخشب والنحاس، والزخرفة بالفسيفساء وألوان الطيف وتموّجات أعواد العرعار والجوز والأبنود والفضة… وكلها حِرَفٌ فنية تقليدية لا يعرف الجزائريون عنها شيئا إلا بالسماع… سيرتاح هؤلاء من العمل بأقل الأجور، وتحت إمرة أربابِ شُغلٍ جَهَلةٍ لا يحسنون سوى السّب والتفوُّه من الكلام النابيّ بما تربأ بحمله معاجم الشتيمة في كل بقاع المعمور؛
* سيُعفَى مواطنونا ولو قسراً من التطلع ليل نهار إلى طوابير العدس، والفاصوليا، والحليب، والسميد، وقنينات الغاز في بلد النفط والغاز، وسيُعفَوْن من الاضطرار إلى مقارنة تلك المشاهد المُبكية بما تركوه وراءهم في كل مرة، ببلادهم، التي حباها الله بالخيرات والنعم فأغناها عن كل أشكال الطوابير، بالرغم مما يَعتَوِرُها هي الأخرى من بعض النقائص والهنّات!!
* سيُعفي الله مواطنينا، المترددين على ذلك البلد الجار، من سوء معاملة عناصر أمنه ودركه وموظفي مطاراته وموانئه، ومستخدَمي كل مرافقه العمومية.. التي يمكن اعتبارُها بحق، مدارس لتخريج “شماكرية القطاع العام”، الذين قل أن يوجد لهم نَظيرٌ في كل مطارات الدنيا وموانئها ومحافلها العامة، حتى لدى الأنظمة الشمولية التي اشتهرت على مر التاريخ بهمجيتها وعدوانيتها، مثل دولة الكريملين في عهد “البَلاشِفة” (نسبة للثورة البلشفية بالاتحاد السوفياتي)، ودولة الباغية هتلر في عز الفورة النازية، أو دولة موسوليني أو فرانكو أو بوكاسا… وقد بزّت إدارة شنقريحة وتبون كل هؤلاء بخبثها المَجّاني وتفوّقت عليهم في ذلك بكل المعايير!!
* سنُقدم نحن للعالم من حولنا، شريطةَ استمرارِ تجاهُلِنا الرسمي لذلك القرار الأرعن، المزيدَ من التأكيد على حقيقةٍ يعلمها العالَم يقيناً، وهي أننا من طينة أخرى جِدِّ مختلفة وجِد مُغايِرة، وبأننا نحتفي من خلال ذلك التّميُّز بانتصاراتنا، وبتفوّقنا القياسي في كل مرة يضعُنا العالَم فيها على قدم المُوازَنة والمقارنة مع كيان مُصاب بالمسخ يَحمِل تجاوُزاً وصفَ “دولة”!!
* وأخيراً وليس آخراً، سنَربَح ما يجوز اعتبارُه انفصالاً كُلّيّاً عن مشروع مُتهالِك ومُتقادِم كان يجمعنا مع ذلك المسخ، يحمل من الأسماء “اتحاد المغرب العربي” أو “الاتحاد المغاربي”؛ أو “المغرب الكبير”… يبدو الآن أننا كنا نتجاوز كثيراً في قبولِنا به إطاراً إنسانياً جامعا بيننا من جهة، وبين كيان أو بالأحرى كيانين اثنين قبيحَيْن، بإضافة الولاية الجزائرية الكائنة شرق الجزائر، والتي يحكمها رئيس مرفوعٌ عنه القلم، من جرّاء آفات عقلية ونفسية وصلت لديه إلى مراحل جد متقدمة!!
نهايته، لقد ربحنا الشيء الكثير جداً، والوفير جداً، من قرار فَرض التأشيرة على مواطنينا من لدن ذلك النظام السريالي، الذي ليست له هُوِية ولا وجه ولا قسمات… وكل ما أخشاه شخصيا هو أن ينتبه ذلك النظام إلى هذه الحقيقة فيُفسد علينا فرحتنا، وراحتنا، فيُبادر إلى مراجعة لذلك القرار أو التراجع عنه… وكل الأمل أن يظل الشأن على ذي الحال، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً بسقوط ذلك النظام وأزلامه واختفائِه وذهابِه إلى غير رجعة!!!
__________
محمد عزيز الوكيلي
آطار تربوي