لم يجد حكام الجزائر أي طريقة مفحِمة للرد على الانتصارات الأخيرة للدبلوماسيا المغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعلى الصفعات الفرنسية التي تشابهت في قوتها مع لكمات المرحوم محمد علي كلاي في أيام عِزِّه الخوالي، إلا “استقبال الدولة” الرسمي، الذي خص به تبون دميته إبراهيم “الرخيص”، في محاكاة مضحكة للاستقبال الملكي للرئيس ماكرون بالرباط، إضافةً إلى ذلك الاستعراضِ العسكري، الذي شلّ النظام الجزائري للتهييء له حياةَ الجزائريين في عاصمتهم لأكثر من سبعة أيام، فأدى ذلك الشلل إلى توقيف الإنتاج في عدد من الشركات والمصانع، وتوقيف الدراسة في مؤسسات تعليمية غير قليلة، وعرقلة السير في كل الاتجاهات المتقاطعة مع مسار الاستعراض، وإثارة حنق وغضب القوى القليلة المُنتجة في ذلك البلد، على نُدرتها، مما يشكّل خسارات بملايين الدولارات… ثم واكب كلَّ ذلك بدعاية استعراضية واسعة ومكثفة أعطت عن الاستعراض قبل حدوثه صورةَ حدثٍ عظيم يستحق أن يكون احتفاءً باهراً بالذكر السبعين لثورة يمكن القول إنّ للمغرب نصفَها، والنصف الباقي للجزائر بمعية الدول الشقيقة والصديقة الأخرى، التي ساهم كلّ منها بقدر استطاعته في دعم تلك الثورة… وهذا الكلام لا مغالاةَ فيه، لأن المغرب لم يكتف باحتضان زعماء الثورة وتنظيماتها القيادية، ومدها بالمال والسلاح، وتدريب مقاتليها على حرب العصابات التي شكلت مبعث فخر للجزائريين الأحرار الذين لا يُنكِرون الجميل، بل تخطى المغرب ذلك إلى تأسيس الأنوية الأولى للإدارة الترابية الجزائرية، ومديرية أمنها، وقيادات دركها، بل أيضاً لمخابراتها الداخلية والخارجية التي أفلح النظام الجزائري، منذ اختطافه للثورة، في تحويلها إلى ما هي عليه اليوم: مجرد مسخرة بكل المعايير بين الأجهزة الاستخباراتية في مختلف الأنظمة!!
يُضاف إلى هذا كله، أن الاستعراض العسكري الذي نحن بصدده أراد به النظام الجزائري تخويف المغرب حصرياً، وإرهابه، وإقناعه بأن الرئيس عبد المجيد تبون لم يكن يمزح حين قال ذاتَ تصريحٍ: “إن الجيش الجزائري هو الأقوى إفريقياً”، و”إنه لا يريد الحرب، ولكنه إذا بدأها فلن يتوقف حتى يدكّ عدوّه”… في إشارة غبية ومضحِكة إلى المغرب!!
بعد كل هذه “الزّيطة”، كما يقول إخوانُنا في أرض الكنانة، جاء الاستعراض العسكري المنتظَر أشبه بكرنفالات اليوم العالمي للعمال، في حالته المزرية الحالية، بعد أن فقد أَلَقَهُ وجِدّيَتَه فصار هو الآخرُ مجرد مسرحيةٍ ساخرةٍ للذكرى!!
هكذا، شاهد العالم وهو مستلقٍ على قفاه من الضحك آلياتٍ عسكرية من بقايا الحرب العالمية الثانية، وعاين مرور دبابات تجرّ وراءها أمواجاً سوداءَ عاتيةً وسُحُباً ثقيلةً من الدخان الأسود، الخانق، والذي كان يقول بلسان الحال: إنها دبابات هالكة، دون أن تشارك في أي معركة، فما بالنا لو ألقى بها حكام الموراديا إلى خط المواجهة مع أحدث نسخ دبابات أبرامز مثلاً، والتي وإن كانت من إنتاج مصانع السلاح الأمريكية فإنها تشكّل مبعث فخر وقوة كتائب المدرعات المغربية، مضافاً إليها دبابات الميركافا الإسرائيلية، وأخرى من جنسيات مختلفة منها الألمانية، والصينية، خضعت للتحديث وإعادة التجهيز بأحدث التكنولوجيات الحربية داخل مصانع السلاح المغربية؟!
في نطاق نفس هذا الاستعراض “المرعب يا بابا”، شارك ضباط وجنود سلاح المظلات الجزائريين في التظاهرة، فانتهى الهبوط ببعضهم إلى سطوح عمارات بعيدة عن أهدافهم المحددة داخل دوائر تقع على مرمى أعين الجنرالات، “المتقاعدين” بالمنصة الشرفية، والمحيطين برئيس الجمهورية السي عبد المجيد والحاكم الفعلي للدولة “غير السعيد شنقريحة”، بينما ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لمظليين آخرين تعلق أحدهم فوق أغصان النخيل في مشهد يحبس الأنفاس حسرةً ورثاءً!!
أما الطائرات التي شاركت في العروض الجوية، والتي حاولت تقديم تشكيلات من الأدخنة الملونة، كما هي العادة لدى طيران كل دول العالم، فقد اختلطت لديها الألوان بسبب أخطاء في تموقعاتها داخل السرب، بينما عجز بعضها عن إطلاق دخانه الملون لأسباب تقنية أو ميكانيكية، فيما خرجت إحداها في أحد الأسراب عن مسارها وموقعها فاختفت عن الأنظار تاركة مكانها فارغا داخل التشكيلة!!
تضمّن الاستعراض، أيضاً، تشكيلة من الشاحنات التي يُفترض أنها حاملة لصواريخ الإسكندر، التي يفتخر الجيش الوطني الشعبي باقتنائها، ولكن الشاحنات كانت مقفلة ولم تظهر فوق هياكلها أي صواريخ، مما جعل بعض المعلقين يطرح السؤال حول الوجود الفعلي لتلك القذائف الجوية في ملكية القوات الجزائرية، لأنه لا معنى مطلقاً لاستعراض الشاحنات مُقفلةً بدون حمولاتها الحربية، مما حوّلها إلى ما يشبه شاحنات القمامة، أو في أحسن الأحول، شاحنات المحروقات والمشتقات الغازية والنفطية… والصُّوَرُ المبثوثةُ في مختلف وسائل التواصل عن الاستعراض تؤكد ذلك بالملموس!!
نهايتُه… لقد أوْسَعَنا ذلك الاستعراضُ المَهيبُ خوفاً على حاضرنا، وقلقاً شديداً على مستقبلنا، ونحن نجاور قوةً عسكريةً يقومُ لها العالَمُ ولا يَقعُد… قوة شيّدت صُروحَها الحربية على الكذب، وعلى بقايا وفُتات الخردة “السوفياتية”، التي نقول ونُعيد القول إن جيوش العالم تَعافُها وتربأ بذواتِها عن شرائها أو الاقتران بها، وها هو النظام العسكري في الجزائر قد اتخذها ليس كقوة يُحسب لها حسابها بالمنطقة، وإنما كغطاء لسرقة أموال الجزائريين، ونهب مُقدَّرانهم تحت شعار “إعداد العدة لمواجهة العدو الكلاسيكي”، المغربي، وهاقد شاهدنا، ومعنا العالَم كلُّه، أن حقيقة أمر الجيش الجزائري وأسلحته وتجهيزاته الحربية لا تستحق سوى ما يُعامِلها المغرب به من التجاهل المستديم، ومن الصمت الأبلغ من الكلام والحامل لكل المعاني والدلالات… والفاهم يفهم!!!
_________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.