محمد عزيز الوكيل
سمعت وشاهدتُ المؤثّر اليمني اسعد الشرعي وهو يتندر على النظام الجزائري ويقول ما مفاده أن الجزائر “وطن للجمهوريات الوهمية بامتياز”، يصنع هذه الأخيرة ثم يمنحها بُقَعاً من ترابه الوطني لتستقر بها، وبذلك استطاعت “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” أن تجد لها مقاماً آمناً ومستديماً بتيندوف المحتلة وضواحيها، وهاهي “جمهورية الريف المغربي الفضائية” تقتطع هي الأخرى نصيبا من تراب الجزائر العاصمة، بمنطقة البيار كما يقال، وستظل هي الأخرى مقيمة تحت سماء الجزائر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً في سياق إرادته ومشيئته!!
هذا الكلام سيكون له ما يزكيه ويوسّع مداه إذا أخذنا بعين الاعتبار جمهورية القبايل، التي تقيم سلطتُها المركزية مؤقتا بالعاصمة الفرنسية باريس؛ وجمهورية الأزواد، التي تنتظر دورها للإعلان عن وجودها المنفصل والمتميّز، والتي بدا أنها تترقّبُ دعماً مغربياً يكرّس لهذا التوجه الانفصالي المتجدد، لأن شعب الأزواد لم يعتبر نفسه جزائرياً في أي فترة من فترات تاريخ الجنوب الجزائري؛ وكذلك الشأن بالنسبة لأهالي الشاوية؛ والطوارق… وما خفي كان أعظم!!
إذَنْ فالجزائر فعلا وطنٌ، بالاستضافة والاحتضان والتبنّي، لجمهوريات كثيرة ومختلفة يجمع بينها العته والعبث السياسي اللذان أصيب بهما حكام ذلك البلد البئيس!!
العجيب والغريب، أن بلداً مؤهّلاً ديموغرافياً وتاريخياً لكل هذه الانقسامات، لا يجد حرجاً ولا حياءً في السعي إلى التفريق بين المغاربة أبناء المحتد الواحد، حتى وهو يعلم تمام العلم بأن اللحمة المغربية ضاربة في عمق التاريخ بتعددها وتنوعها، دون أن يشكل ذلك أدنى باعث على التفرقة أو الانفصال، وقد علم ذلك النظام الكسيح أن الاستعمار الفرنسي حاول اللعب على ذلك الوتر منذ ثلاثينات القرن الماضي، عن طريق فرض “ظهير بربري” يميّز بين العنصرين المغربيين الأمازيغي والعروبي، فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً رغم عنترياته واستعانته بعملائه في الداخل والخارج، فكانت النتيجة أن الاستعمار الفرنسي هو الذي انفصل بكثير من الوجع عن المغرب، على أيدي برابرته وعربه على السواء!!
فهل يستطيع النظام الجزائري أن يحفظ وحدته الوطنية، التي يُمَوِّه عليها بالانخراط الدنيء في ممارسات تروم المساس بوحدة المغرب، وبتماسكه المتجلّي بين مكوناته الذاتية المتميزة بالتعدد داخل الوحدة، وبالتنوع داخل التفرّد!!
شاهدتُ أيضاً وسمعتُ، عبر فيديو مختلف، تدخّلَ أحد اليوتيوبر السعوديين، عبر قناة الإعلامي اليمني نفسه، وهو يرد على متدخل جزائري يرسل زعيقا مزعجاً في دفاعه عن نظامهم المريض، ويقول له بكل هدوء وبرود إن نظام الجزائر لا يحرص على تقسيم جاره المغربي إلا بدافع شعوره المتأصل بقرب انفراط عقد الدولة الجزائرية ذاتها، وأنه بمحاولته التآمر على المغرب من أجل تقسيمه والتفريق بين مكوّناته المتناغمة إنما يفعل ذلك للتغطية على ما يشهده بلده فعلا من الانقسامات المكبوتة والصامتة، ولكنها قائمة في العمق وتتحَيّن الفرص للخروج إلى العلن، وما جمهورية القبائل التي أعلنت استقلالها في المنفى إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد المتواري تحت الأعماق، في انتظار يوم الخروج والسفور والانعتاق!!
إن النظام الجزائري وحواريوه وكل المدافعين عنه لا يفعلون سوى أنهم يؤدون بجدارة واستحقاق دور تلك “التي رمتني بدائها وانسلّت”، وبالتالي فإنه بسلوكه الفاضح تجاه المغرب يحاول، فقط لا غير، أن يداري انقساماته الدفينة والموشكة على الانفجار بين يوم وآخر!!
خلاصة القول… إن حرص النظام الجزائري على تقديم ما يسمّيه يوم المواطن الريفي، للرأي العام الجزائري بشكل أساسي، ولبعض جمهوريات الموز بشكل ثانوي، إنما يحاول أن يرد على قرب انعتاق جمهورية القبائل المستقلة من ربق معربدي المراديا، الذين تأكّد للعالم من حولهم أنهم مجرد مهرجين وبهلوانات لا يفهمون في السياسة والدبلوماسيا ولا في مجال القانون الدولي وقواعد التعامل بين الدول والأمم، إلاّ بقدر ما يفهمه بائع البقدونس في مجالات الفيزياء الطاقية والهندسة الإلكترونية وفيزياء الفضاء، مع الاحترام الواجب لبائع البقدونس… والعبرة بما سيأتي غداً أو بعد غد!!!
____________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.
*