عبثاً أحاول ان أقنع نفسي بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وأمينها العام.. ومجلس الأمن.. تبذل.. بالجمع.. جهودا جادة للوصول إلى حل سلمي وحاسم ومشرّف لنزاع الصحراء المغربية المفتعَل.. الذي يوجد في كل شبكات التواصل الاجتماعي مقطعٌ من فيديو متعلق ببداياته الأولى.. يصرّح فيه الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.. أو “بوخروبة” كما يسمّيه مواطنوه.. بعظمة لسانه.. بأنه افتعل مشكل الصحراء ليضعه حجراً جارِحاً ومُوجِعاً في الحذاء المغربي ليُثنيه عن ايّ تقدم إلى الأمام!!!
السؤال محرج ودقيق.. ولكنه يطرح نفسه بكل إلحاح.. في هذه الظرفية الدولية بالذات:
هل تريد المنظمة الأممية فعلاً.. وليس بالكلام الخشبيّ فحسب.. وعلى رأسها أمينها العام أنطونيو غوتيريش.. أن تضع حدا لهذا الملف الذي صار توأماً سيامياً للنظام الجزائري لأنه يكاد يبلغ من العمر بقدر عمر تقرير المصير الذي نالت به الجزائر “شهادة رفع اليد” من ماماها فرنسا.. التي لم تستطع الانفصال عنها بالفطام.. كما تفعل كل “ماما” مسؤولة وعاقلة.. ولذلك ما زالت تدفع بها إلى الاستمرار في اللعب بالنار مع مغرب قطع أشواطاً طويلةً إلى الأمام.. ووطّد علاقاته بأساسه الإفريقي بما لا يدع أدنى شعرة لاحتمال فصله عن جنوبه المسترجَع.. وبالتالي عن جذوره الإفريقية الضاربة في ليل التاريخ؟!
هل تريد الهيأة الأممية وأمينها العام إيجاد حل واقعي ونهائي لهذا الملف؟ أم أن هناك خيوطاً سوداءَ للعبة فجّة توشك أسرارُها أن تتعرّى أمام العالم… لعبة ينحشر فيها أنف الأمين العام شخصياً.. لسبب لا يزال علمُه عند علاّم الغيوب؟!!
مناسبة طرح هذا النوع من الأسئلة المتشكِّكة والحرجة.. ليست الزيارة الغريبة.. وغير المبرَّرة.. وغير المعقولة ولا المنطقية.. لاستيفان ديميستورا لجمهورة جنوب إفريقيا تحديداً.. فذلك الرجل من حقه أن يخطئ ككل الرجال في عالَم اليوم الملتبِس.. وإنما هي الطريقة الفجة والغبية التي حاول بها المتحدث باسم الأمين العام أن يبرر بها ما لا مبرر له.. بالقول الغريب إن المبعوث الشخصي للأمين العام المكلف بملف نزاع الصحراء.. رغم تكليفه بالاتصال بالأطراف المعنية ومحاولة تقريب وجهات النظر والمواقف المتنافرة فيما بينها.. فإنه يحق له متى اراد ذلك أن يتصل في هذا الموضوع بكل من يراهم قادرين على الإفادة في ممارسته لمسؤولياته الأممية.. وبالتالي يحق له أن يتصل في الموضوع ذاته مع من يراه مناسبا من الأطراف.. بما فيها غير المعنية!!!
ايُّ عبث هذا؟!
إذا كان ديميستورا لم يَجْنِ أيَّ منفعةٍ من اتصالاته المتتالية بكل من المغرب وموريتانيا والجزائر وميليشياتها الجنوبية.. إضافة إلى كل من إسبانيا بصفتها المستعمِر السابق لأقاليمنا الجنوبية.. وفرنسا بوصفها الأساس الأول لذلك الاستعمار المزدوج.. الفرنسي/الإسباني.. بل وبصفتها المهندس الحقيقي والوحيد للعملية الاستعمارية كلها منذ بداياتها الأولى.. عقب معركة ملوية ومعاهدة لالة مغنية… وإذا كان لم يحصد غير الريح من اتصالاته بأعضاء جمعية أصدقاء الصحراء.. وأصدقاء رياح الصحراء وزوابعها الرملية (!!!)… فلم يجد ما يفعله على إثر إخفاقاته الجلية سوى السفر إلى جمهورية جنوب إفريقيا.. التي لا تقل انحيازاً للطرح الانفصالي عن الجزائر ذاتِها.. والتي لا تمثل في هذا النزاع إلا كما يمثّله ذلك الديك المصاب بالوجع من جراء قعقعة أُنثى الدجاج وهي تضع بيضها.. ليدل بذلك عن قصد أو عن غير قصد على ضآلة تجربته رغم عمره المهني الطويل.. وعلى قلة حيلته.. إن لم يكن قد دلّ بذلك على انصياعه لضغوط لا ريب أن المخابرات الجزائرية/الفرنسية مارستها عليه في الخفاء.. كعادتها كلما تعلق الأمر بأي طرف يرمي إلى التوسط في هذا النزاع المفبرك.. وهو ضغط من النوع الناعم الذي تؤدي الدور الرئيسي فيه شنطاتٌ ثقيلةٌ ملئى بملايين الدولارات المسروقة من مقدرات الشعب الجزائري المغبون في كل جوانب حياته بلا استثناء!!!
ما الذي يمكن.. أو كان من الممكن لجنوب إفريقيا أن تأتي به كقيمة مضافة لهذا الملف.. وهي التي تتحرك بالغازُودُولار الجزائري.. منذ عهد غير المأسوف عليه نيلسون مانديلا.. الذي أفسد سمعته النضالية والثورية بانضمامه في نهاية مطافه لشطحات جزائر بوخروبة وليبيا القذافي وكوبا كاسترو.. وربما لو بقي ماوتسي تونغ وعبد الناصر وفرانكو أحياء آنئذٍ لانضموا إلى هذه اللائحة السوداء سوادَ ليل التاريخ الاستعماري ودسائسه التي لا تنتهي.. والتي حملت الجزائر وجنوب إفريقيا مشعلها الحارق.. برغم الاحتراق اليومي المتنامي لأصابع الأيدي والسواعد الحاملة!!!
بالله على كل ذي عقلٍ ولُبّ.. من الذي ضرب ديميستورا على رأسه ليقوم بتلك الخطوة المترنّحة وغير المعقولة؟!
ومن الذي نفخ فراغاً ودُخاناً كثيفاً وغبارإ داكِناً في دماغ الأمين العام الأممي بقده وقديده.. ليكلف أحد المتحدثين باسمه بالبصق في وجوه عقلاء العالم.. وهو يزف إليهم بشرى الحكمة الكامنة في اتصال مبعوث رئيسه الشخصي بمن يشاء.. وقتما يشاء.. حول ملف حددت قرارات مجلس الأمن المتوالية أطرافه بالتفصيل الممل.. وحددت وفقا لذلك.. الخطوات التي ينبغي على ديميستورا أن يتقيد بها للدفع بسفينة هذا الملف الشائك إلى مرفئ آمن يرتاح فيه راكبوها الثلاثة.. المفرب والجزائر وموريتانيا.. والراكب الرابع تجاوُزاً.. لأنه في حقيقة أمره ليس إلا وصيفا لطفلة فرنسا المدلَّلة.. الجزائر!!!
هل نسمح للخيال ان يسرح بنا إلى درجة اتهام ديميستورا.. ورئيسه بتحصيل الحاصل.. بالبحث عن وسيلة معتبَرة لتأمين تقاعد أكثر من مريح.. وضمان عائدات دسمة للأسرتيهما وابنائهما والأحفاد؟!
أم هل نستسلم لسوداوية مَرَضية تصل إلى حد البارانويا.. فنعتقد ككل السوداويين أنّ هناك مؤامرةً تُحاك في ظلمة الدهاليز الأممية ضد المغرب.. بمباركة خفية لقوى معادية ولكنها منافقة.. مثل فرنسا تحديداً.. لديها ما يبرر تحامُلها علينا.. ويجعلها تضمر لنا كل شرور الدنيا ما دامت للدنيا قائمة؟!!
مجرد أسئلة.. ليست في حقيقتها إلا نتاجاً منطقيا لشطحات المبعوث الشخصي للأمين العام وهو يزور جنوب إفريقيا ليكلمها عن ملف تبعد جغرافيته عنها بآلاف الأميال البرية والبحرية.. وكذا لشطحات رئيسه.. “الدّون غوتيريش”.. وهو يكلف مَن يتحدث باسمه ليبرر ما لا مبرر له على الإطلاق… عَجَبي!!!
___________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.