الرئيسية / كتاب البديل / محمد عزيز الوكيلي يتسائل… هل فقدت فرنسا البوصلة ومعها أشياء أخرى لا تُعَوَّض!!!

محمد عزيز الوكيلي يتسائل… هل فقدت فرنسا البوصلة ومعها أشياء أخرى لا تُعَوَّض!!!

 

يقول المثل الشائع: “ما كفاهش الفيل.. زادوه الفيلة”!!

إنّ ذلك الانشغال المستديم، الذي لدينا تجاه بهلوانيات عدوّ قضيتنا الوطنية الأولى وكل قضايانا الحيوية، المجاور لنا من جهة الشرق، صرنا الآن مجبرين على توزيعه بين هذا الخصم الكلاسيكي على حد قول قادته، وعدو آخر لا يقل عنه خطورة، بل هو المهندس الحقيقي والأساسي لعدوانية ذلك الجار التعس، حتى يتسنى لنا أن نواجه الخندقين المتآزين علينا، معاً، بنفس الحذر، وبنفس الإصرار على صون سيادتنا الوطنية، التي لا تباع ولا تشترى، والتي دون المساس بها دماؤنا فُرادى وجماعات، دولةً وأمّة…

قبل سويعات قليلة، صدر عن وزيرة الخارجية الفرنسية تصريح من الغرابة بمكان، لأنه لا يستند على أي أساس سياسي أو دبلوماسي، ولأنه يتعلق بملك المغرب تحديداً، دونما استشارة أو تنسيق مع الخارجية المغربية!!

يقول التصريح: إن جلالة الملك وجه دعوة إلى الرئيس الفرنسي ماكرون لزيارة المغرب، وأن السيد الرئيس قرر أن يقوم بهذه الزيارة فعلا، وذلك في أعقاب الكارثة التي أحلت بالمملكة… إلا أن الوزيرة الفرنسية لم تذكر أي موعد لهذه الزيارة المفترى عليها!!!

المنطق والعقل يقولان إن زيارة من هذا المستوى الرفيع، والرفعة هنا تأتي من الجانب الملكي المغربي بلا ادنى ريب، تتطلب اتصالات وإجراءات بروتوكولية على مستوى خارجية البلدين، ثم على صعيد ديواني كل من جلالة الملك والرئيس الفرنسي، ثم بعد الاتفاق حول كل الترتيبات، يأتي دور البيانات، التي تصدر عن وزارتَيْ الخارجية أو الديوانين الملكي والرئاسي، أو جميعها، لتخبرنا بنبأ الزيارة المرتقبة…
إلى هنا والأمر في غاية الوضوح والمعقولية…

لكن الذي لا يمكن إلا أن يكون غريبا، بل غرائبياً، هو أن تنبري وزيرة خارجية فرنسا إلى التصريح بذلك الخبر من وراء الخارجية المغربية ودون أدنى علم منها أو تنسيق معها، كما لو كانت ترغب في تهميش هذه الأخيرة أو لَيِّ ذراعها لسبب من الأسباب، وهنا موطن الغرابة… تماما كما فعل الرئيس قبل يومين أو ثلاثة، لدى ارتكابه خطأ المخاطبة المباشرة للمواطنين المغاربة، ربما رغبة منه، هو أيضاً، في تهميش المؤسسة الملكية، وإظهار الملك بمظهر مَن يَضِنّ ويبخل على مواطنيه ضحايا الكارثة من الاستفادة من “الكرم الفرنسي”، فينجح بذلك في حفر هوة بين الملك وشعبه، ويؤسس في الوقت ذاته لعلاقة مباشرة بين المغاربة وقصر الإيليزي، كما فعل في حالات كثيرة مع رؤساء أفارقة كارتونيين نصّبتهم فرنسا على رأس دويلاتهم ليحافظوا لها على مصالحها، وكأنما المغاربة لقطاء بلا نظام يتقاسم معهم السراء والضراء، أو أغبياء إلى الدرجة التي تجعلهم يرتمون في أحضان ذلك المراهق المتهور، الذي يحمل من الأسماء عمانويل ماكرون، ومن الألقاب رئيس جمهورية، يبدو الآن أنها في طور الاحتضار بسبب حماقاته التي تتداولها الأوساط الفرنسية ونظيراتها الأوروبية، من مختلف الفئات والمشارب، ويكفي المرء أن يغوص بين عناوين وسائل التواصل الاجتماعي ليخرج بأدلة صارخة على وجود تلك الحماقات، وذلك الضجر الفرنسي والأوروبي فعلاً!!!

يبدو أن البوصلة الفرنسية ضاعت أو لحقها عطب مُبْرِح، إلى الدرجة التي تجعل رئيس الدولة ووزيرة خارجيتها يحققان نفس السقطة المدوّية، إذ قد ردّ المغاربة على خطاب الرئيس بكل ما يمكن أن يتصوره العقل من السخرية والشماتة، بينما ردت الخارجية المغربية على تصريح الوزيرة الفرنسية بتكذيب مصحوب بنبرة تَعَجُّب واستغراب واندهاش، قائلة إنها لم تأخذ علما بموضوع الدعوة الملكية لماكرون. ومن باب حذاقة الدبلوماسية المغربية أن يكون وزير الخارجية المغربي أول من يعلم بمثل هذه الدعوات، وخاصة في الظرفية الحرجة الحالية!!!

ماكرون يريد مخاطبة المغاربة كما لو كانوا مقيمين في “زريبته”، ووزيرة خارجيته تريد فرض زيارة ميؤوس منها بقوة الأمر الواقع، متوقّعةً أن يستحيي جلالة الملك من ردّها، بعد أن رُدّت وأُجِّلَتْ أكثر من خمس مرات حتى هذه الساعة!!!

الأغرب في كل هذا الضياع الفرنسي المثير لمزيج من الأسى والسخرية، أنه لا الرئيس، ولا وزيرة خارجيته، يستطيعان أن يضمنان استقبالا مغربيا لائقاً، أو غير عدواني على الأقل، من لدن مواطنين مغاربة ضاقوا ذرعا بفرنسا ورئيسها، وعِيلَ صبرهم من كل وزرائها ومؤسساتها، التي قدّمت للعالم نموذجا صارخا لما يمكن وصفه بالنفاق الدولي،
وبرعونة الدول، وكيف لا وفرنسا تعطي الدليل تلو الدليل على أنها والنظام الجزائري توأمان سياميان في كل ما يصدر عنهما، تجاه المغرب تحديداً، من بهلوانيات ما زلتُ أدعو إلى إدخالها إلى سجل غينيس للأرقام القياسية، تحت عنوان الغباء السياسي، والبلادة الدبلوماسية، والغوغائية التي لا يمكن أن تصدر إلا عن كيان فقد فعلا بوصلته، أو أصابها من تلقاء حماقاته بعَطَل قد يستحيل إصلاحه!!!

خلاصة القول، أرجو شخصيا، وبكل تواضع، للرئيس ماكرون ووزيرة خارجية بلاده، إذا قُدِّر لهذه الزيارة أن تتم رغم أنوفنا، أن يجدا لدى الشعب المغربي الحر ما يستحقانه من جميل الاستقبال، وكرم الضيافة، وحسن الوِفادة، لأننا كيفما كانت ظروفنا لا نغيّر جلدتنا، ولا نتنمّر على غيرنا مهما كانت صفاقة الآخرين وضعفهم وحماقاتهم!!!
__________
* إطار تربوي

محمد عزيز الوكيلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *