محمد عزيز الوكيلي يخاطب الدكتورة منيب : كفّي عن أغاني الستينات!!

دكتورة نبيلة منيب، التي نقبل منها بتجاوُز ان تعتبر نفسها مغربية أكثر من كل المغاربة، وأن تتوجه إلينا بما يشبه الدروس عن الوطنية.. والشفافية.. داعيةً إلى تفعيل القانون في مناولة الدولة لمختلف الملفات ذات البعد الوطني، الداخلي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنهب والتلاعب بمقدَّرات الأمة والتسيّب…
دكتورة منيب، التي نوافقها الرأي، عن طِيب خاطر، عند حديثها المسترسل عن الاختلالات التي تعتري توزيع الثروة الوطنية.. وعند تبخيسها أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية.. وهي من الأعضاء البارزين لدى أولاهما…
هذه السيدة، التي نتجاوز بكل أريحية عن تبخيسها لكل تجارب الإصلاح والتقويم التي شهدتها وما زالت تشهدها منظومتنا التعليمية، وهي أيضا عضو فاعل في هذه المنظومة من منطلق انتمائها الجامعي…
هذه المواطنة، الصالحة إلى إشعار، آخر، وهذا بالذات هو السبب الرئيسي في هذه النبرة من الارتياب، لا نسمح لها باستغبائنا، أو بالأحرى، استغباء بسطائنا المكتوين بنيران الأمية السياسية، في زمن ماتت فيه أحزابُنا فأخذت السياسةَ معها إلى قبرها، وكذلك فعلت نقاباتُنا في مختلِف القطاعات، وفي القطاع التعليمي خاصة… أقول، لا نسمح لها باستحمارنا بالعودة بنا إلى خطب الستينات من القرن الماضي، وتحديداً إلى سنة 1962، التي شهدت في آن واحد، ويا للمفارقة التاريخية الفاضحة، ميلاد دولة الجزائر بواسطة مرسوم رئاسي فرنسي وثّق لنتائج تقرير المصير الذي نظمته فرنسا، وكيّفته ليتمشّى مع منسوب المكر الفرنسي المعبر عنه في اتفاقية إيفيان، من جهة، وشهدت من جهة ثانية، مدى الغدر الجزائري الذي أبان عنه مختطفو الثورة الجزائرية بعد قتلهم لرموزها الحقيقيين، والذي أثمر تَنَكُّر لصوص الثورة هؤلاء للاتفاق الذي كان يربط حكومتهم المؤقتة بالعاهل المغربي محمد الخامس طيّب الله ثراه، بالعمل سويةً على فك الارتباط على الحدود بين البلدين بإرجاع ما للمغرب للمغرب، والذي كان بمثابة التزام أخلاقي لقادة تنكّروا لكل الأخلاق، الإسلامي منها والسياسي والإنساني، وفضلوا التغني بمقولة يعافها كل ثوار العالم ومتحرروه، وهي “التمسك بالحدود الموروثة عن الاستعمار”، وماهي في حقيقتها سوى تقديس لمخلفات الاستعمار، وتكريس للهدف الذي سعى إليه المستعمِر ولا يزال، وهو زرع خلاف مستديم بين البلدين والنظامين والشعبين!!!
ونعود إلى أستاذتنا، نبيلة منيب، لنرى كيف أنها تعامت عن قصد وتغافلت عن هذه الحقائق التاريخية، التي حوّلت الجزائر إلى دولة غدّارة ومعتدية ولا ذمة لها، وجعلتها بمجرد مرور أقل من سنة على تقرير مصيرها، ولا نقول استقلالها لأنها لم تستقل إلى غاية يومه من ماماها فرنسا، تتحوّل من جديد إلى عدو يحاربنا بالسلاح مستقوياً علينا بأنظمة أخرى شمولية، مصرية وليبية وكوبية، زارعاً في ترابنا الذي ورثته الجزائر عن الاستعمار، نبتات خبيثة تعهّدتها بالعناية والرعاية والتمويل والتسليح والدعم السياسي والدبلوماسي، بل جعلت من هذه النبتة جمهورية، وإنْ هي إلاّ وهمية، ثم وجّهتها لمحاربتنا، وأسست لها جيشا جهّزته ودرّبته على قتل أبنائنا، وأنفقت عليه أكثر من ثلث موارد الغاز والنفط الجزائريين، لكي يبقى حجر عثرة في طريق تنميتنا ونهوضنا، وطفقت تروّج له في كل المحافل الجهوية والقارية والدولية، وجعلت منه مقدساً أسبغت عليه من الأولوية والسبق ما لم تسمح به لأي شأن من شؤون شعب جزائري “مقلوبة عليه القفة”، بل وضعت خططاً وبرامجَ تربويةً وتعليميةً جهنميةً سعت من ورائها إلى إنتاج أجيال جديدة تدين بالكراهية والحقد لكل ما هو مغربي، تحَسُّباً لأي عودة محتملة لأواصر الأخوة والود وحسن الجوار بين الشعبين… ويكفي إلقاء نظرة عابرة على ما تشهده شوارع الجزائر وملاعبها الرياضية ومحافلها المختلفة ليتأكد للباحث والدارس والمتتبع أن النظام الجزائري، العسكري، نجح فعلا في تدجين عموم الشعب هناك، وحوّل شبابه فعلا وبالملموس إلى حناجر تسب المغرب والمغاربة، وإلى صدور تُضمر لنا كل الشرور، حتى أنهم صاروا يطيرون فرحاً وابتهاجا لأي خسارة تلحق بنا في أي مجال من مجالات حياة الدولة والأمّة!!!
ولأن الفرحة الجزائرية بهذا الإنجاز الخارق للعادة لا تكتمل إلا بالإغراق في المنحى ذاته، فقد طردت الجزائر شر طردة نحو ثُلث المليون من المغاربة الذين كانوا يقيمون بين ظهرانيها، وسلبتهم ممتلكاتهم، ونهبت مدخراتهم، وأبعدتهم ذكورا وإناثا عن ابنائهم وأزواجهم وأقاربهم، فيما سمّي عندهم بالمسيرة السوداء، نكايةً في مسيرتنا الخضراء… ثم ها هي الآن قد أقفلت حدودها معنا بدون أدنى مبرر واضح ومعقول، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية وإيانا، وأقفلت مجالها الجوي في وجه طائراتنا المدنية، وأوقفت تدفق الغاز عبر الأنبوب الذي كان يربطها بأوروبا لمجرد عبوره من ترابنا الوطني، وزادت الآن على ذلك بمنع استقبال أي سلع أوروبية أو غيرها لمجرد مرورها بموانئنا، وهو الإجراء الذي اضطرت إلى تعديله لأنه ككل الإجراءات التي اتخذتها ضدنا ارتجالي واعتباطي وضرره على الجزائر ذاتها أكبر من نفعه!!!
وموازاة مع كل هذه العنتريات الفارغة، التي يضحك العالم برمته منها بملء فيه، أطلقت العنان بالكامل لوسائلها الإعلامية الرسمية، والخصوصية، ولذبابها الإلكتروني، كي تُفْرِطَ كلها في سب المغرب وشتمه ملكاً ومسؤولين وشعباً، وجعله شماعة تعلق عليه الجزائر إخفاقاتها الداخلية والخارجية، وفي كل المجالات، بما فيها الرياضية والثقافية والفنية، ناهينا عن محاولاتها المستمرة سرقةَ تراثنا، وتزويرَ تاريخنا المشترَك، والكيدَ لنا بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، منفقةً في سبيل ذلك ملايير الدولارات، من موارد مالية مُهْوِلة يبدو الآن أنها موجَّهة، فقط لا غير، لإلحاق الضرر بنا، وبسمعتنا وسمعة رجالنا ونسائنا وأسرنا… والآتي بلا ريب أقبح وأسوأ وأوسخ!!!
في هذا الإطار من الدناءة، والتنكر لكل القيم والمبادئ المتواضع عليها دولياً، وعالمياً، فبالأحرى قِيَم الأخوة والجوار والدم المشترَك، تأتي إلينا الأستاذة نبيلة منيب، التي قضت سنوات من طفولتها وشبابها ودراستها في الجزائر، لتقول لنا بكل عنجهية إن السبب الرئيسي فيما يقوم بيننا وبين الجزائر من خلافات ونزاعات، إنما مرده إلى الذباب الإلكتروني الإسرائيلي، الذي يُحسن أفرادُه الحديث باللهجات المغربية والجزائرية فيوقع بيننا، ويؤجج عداءنا لبعضنا البعض، وكأن كل ما استعرضناه اعلاه لا علم لهذه الأستاذةِ الجامعيةِ والسياسيةِ به من قريب ولا من بعيد، أو كأنها قدمت إلينا من كوكب آخر، ومن رُبع جغرافي آخر غير هذا الذي يجمعنا وإياها و”جزائر الثورة” في حيّز زمكاني واحد!!!
معذرة أيتها المواطنة، فقد أخطأتِ العنوان، وخانك الحظ هذه المرة، لأنك تخاطبين بذلك الكلام القصديري الصدئ، الذي يمتح قاعدته الفكرية والمذهبية من ستينات القرن الماضي… تخاطبين شعبا يعيش حاضره وعصره بكل جوارحه ويتفاعل معهما بكل خلجاته…
غيّري أيتها السيدة الكتف الحامل لبندقيتك الكلامية فقد أتعبه ثقلُ الكلمة ومسؤوليتُها، وحاولي وضعها على الكتف الآخر، لأنك هذه المرة أخطأت التصويب بكل معنى الكلمة، وأخطأت بالتالي كل الأهداف الممكنة والمحتملة…
و”هارد لاك” في خطاباتك المقبلة!!!
___________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.