ربما يبدو السؤال في العنوان أعلاه غريباً، لأننا في سوادنا الأعظم نعتقد جازمين أن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة يشكّلان نموذجاً للجدية والصرامة والنزاهة في مناولة القضايا الدولية الشائكة، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان، ومِن بين هذه الحقوق، حق “اللجوء السياسي” وما يرتبه هذا الحق من المزايا والامتيازات الحامية لحقوق الأقليات المضطهدة، أو التي تكون ضحية حروب ونزاعات دامية في أوطانها، والتي اضطرتها الظروف السائدة في تلك الأوطان إلى طلب الأمن والأمان والحماية في بلدان أجنبية تتوق إلى تذوّق نعيم الحرية والكرامة المنتهَكَة والاستقرار النفسي والمادي الضائعَيْن تحت سمائها، اضطراراً وليس بطولةً، بمفهوم المثل الشائع: “مضطر أخوك لا بطل”!!!
الأمر وما فيه، أن وثائق وتقارير المنتظم الدولي تلوك توصيف “اللجوء السياسي” في تعرّضها للمغاربة المساكين المحتجزين في مخيمات العار بحمادة تيندوف، المحتلة بالميراث عن الاستعمار الفرنسي، والذين تجتهد الجزائر وميليشياتها الجنوبية المسماة “بوليساريو” في المتاجرة بهم لتلقي مساعدات مالية مُهْوِلة تذهب إلى جيوب ومحفظات تجار المآسي الجزائريين وصنيعتهم اللقيطة، وأخرى عينية يتم ترويجها وتسويقها وبيعها جِهاراً في الأسواق السوداء داخل الجزائر نفسِها ولدى البلدان الإفريقية الدائرة في فلك هذه الأخيرة!!!
المراد الواضح من هذه الإشارات، الصريحة، أنّ المغاربة المحتجزين بمخيمات الحمادة بتيندوف ليست لهم أدنى علاقة باللجوء السياسي، لأنهم لا تسري عليهم لوائح الأمم المتحدة المحدّدة لشروط اكتساب هذه الصفة… فكيف ذلك؟
1- إن هؤلاء الرهائن لم يكونوا أبدا موضوع إحصاء أممي للتعرف على عددهم الحقبقي وتعدادهم؛
2- إنهم لا يحملون “بطاقة لاجئ” لأنهم بكل بساطة غير معروفين، ووجودهم بالتالي غير مؤكد لدى الهيأة الدولية المختصة؛
3- إنّهم بتحصيل الحاصل لا يتمتعون بأي حق من حقوق اللجوء، سواء الحق في العمل، أو الحق في التنقل، او الحق في انتقاء مقر للسكن ومقرات ومؤسسات لتربية الأبناء وتدريسهم وتكوينهم وتأهيلهم لمواجهة أعباء الحياة؛
4- إنهم لا صوت لهم ولا رأي فيما يقرره العسكر في الجزائر الشمالية، وكذا نظيرتها الجنوبية التي اتخذت من تيندوف عاصمة لها، ليبقى الشأن جزائريا/جزائريا بكل المعايير؛
5- إنهم خارج كل خرائط العالم الديموغرافية والسكانية، إذ لا أحد يعلم شيئا عن ظروف عيشهم إقامةً وسَكَناً وأحوالاً اقتصادية واجتماعية… وكيف يتيسّر ذلك ولا أحد يعلم أساساً كم هم، وما هو توزيعهم من حيث الجنسُ والعُمرُ وقدراتُ العمل والإنتاج، ولا حتى موقعهم من أسواق الشغل والإنتاج، إن كان هناك وجود فعليّ لمناصب عمل مباشرة أو غير مباشرة، قارة أو موسمية، بل إنهم لا يتمتعون حتى بوصف العطالة والبطالة… فيا له من وضع كاريكاتوري ولكنه يبعث على الرثاء والبكاء بخلاف كل أشكال الكاريكاتور؟!!
6- إن هؤلاء الرهائن لم يسألهم أحد يوما، سواء على صعيد الإدارة الجاثمة على صدورهم، أو على مستوى المنتظم الدولي وهيئاته ومنظماته، عن اختيارهم البقاء حيث هم، أو الانطلاق إلى أرض الله الواسعة أو إلى وطنهم الأب، كما هو الشأن بالنسبة لكل اللاجئين في مشارق الأرض ومغاربها!!!
نهايتُه، إن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، في تماهيهِما مع مظاهر المكر الجزائري السيّئ، يبتعدان كل البعد عن الجدية والشفافية والنزاهة المفتَرَض أن يتحلّيا بها وهما ينعتان الرهائن المغاربة المحتجزين في مخيمات العار بالجزائر المختلة “باللاجئين”، وماهم بلاحئين بتاتاً، لأنهم لا يستوفون أي شرط، ولو شرط واحد وفريد، من الشروط التي وضعاها هما نفساهما لصفة “لاجئ”!!!
وأخيراً، وليس آخراً، فعلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أن يعملا، بعد دوخة أصابتهما لأكثر من نصف قرن من السنين، على طرح السؤال البديهي على نفسيهما من جهة، وعلى دولة الاحتلال الجزائري، الشمالية والجنوبية من جهة ثانية، عن حقيقة الواقع الذي تعيشه فئات من الشعب المغربي مغلوبة على أمرها، لا هي تمتعت بحق اللجوء، ولا هي مخيَّرة في المكوث حيث هي أو العودة إلى “وطنها الغفور الرحيم” لتتمتع كباقي فئات المواطنين المغاربة الأحرار بنعمة الانتماء للأصل التاريخي والدموي الذي لا يمكن أن ينازعها عليه منازع!!!
على المنتظم الدولي أن يستفيق من سباته إزاء هذه القضية، المغربية بامتياز، فقد ران عليه الكثير من غبار التاريخ حتى صار في حكم من فقد جدّيته ونزاهته اللتين تزخر بهما وثائقُه وشعاراتُه منذ نشأته حتى صارت في حكم الجوفاء!!!
___________
* إطار تربوي.