“يد تكوي ويد تبخّ”… مثل شعبي شهير ينطبق بحذافيره، في هذين اليومين بالذات، على النظام الجزائري، الذي أراد استغلال المناسبة الأليمة التي شكّلتها وفاة والدة جلالة الملك محمد السادس قبل يومين، والتي تألّم لها جميع المغاربة، لكونهم جميعاً يتقاسمون مع عاهلهم السرّاء والضراء، ويعاملهم هو نفسه بذات السلوك الراقي… ولذلك، فاجأنا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برسالة تعزية، رسمية رئاسية، وجهها لجلالة الملك مشكوراً، وأتبعها بالإيعاز إلى وزيره في الشؤون الخارجية بتوجيه تعزية رسمية هي الأخرى إلينا، إلا أنها خرجت علينا بمساحيق سميكة وبالكثير من العطور، حتى لا أقول “العطرية”، كما تفعل “حوريات” شارع سان دوني الباريسي الملتبس المعروفات بالتسعيرة المحدَّدة مُسْبَقاُ، من خلال إصرارها على وصفنا بالشعب المغربي “الشقيق”، وكأنها اكتشفت فجأة أننا فعلاً أشقاء، داخل هذا الحيّز الجغرافي والتاريخي والإنساني الذي يجمعنا قسراً وليس اختياراً، والدليل على هذا التصنّع والتكلّف، الزائديْن، أن رئيس الدولة الجزائرية الحقيقي والفعلي، السعيد شنقريحة، خرج لتوّه من اجتماع عسكري بالغ السرية ألقى فيه خطابا لم نطّلع عليه إلا بواسطة عملية “تسريب” مشكوك في عفويتها، وصف فيه المغرب بأقذع الأوصاف، وتوعّده بالرد “الصارم والحاسم والرادع”، على ماذا؟ على “عدوانية مغربية” لا يفتأ عقله الدونكيشوتي يصوّرها له فيما يشبه الأخيلة العلمية، في زمن صار الخيال العلمي فيه متجاوَزاً، بعد ظهور تقنيات الهولوغرام، التي صارت تُخلط بين الواقعي والافتراضي بطُرُق بلغت إلى مستويات تصيب بالدوار، لفرط ما تقدّمه من الوقائع الغامضة والملتبسة!!!
في هذه الأثناء نفسها، أيضاً، نشرت التلفزة الجزائرية الرسمية في إحدى تدويناتها مقالا عنونته بما سمّته “مساهمة للسياحة الجنسية في تنمية الاقتصاد المغربي”، وهذا الاتهام مفهومةٌ دَوافِعُه، بعد أن نشرت تقارير دولية مختلفة ومتتالية حقائق جد صادمة عن الاقتصاد الجزائري، الذي لا وجود ولا ظلّ له إلاّ في سوق المحروقات، مما يجعل الجزائر مجرد “تاجر شنطة”، يبيع منتوجا خاما لا يد له في توفيره أو إنتاجه، ثم بقبض ثمنه باهظاً، دون أن ينعكس ذلك بأي شكل من الأشكال على اقتصاد مصاب بالكُساح من جميع جوانبه… ولا حاجة بنا إلى التذكير لإثبات ذلك، من جديد، بتفاقم ظاهرة الطوابير التي غزت كل الأسواق الجزائرية، الفارغة حتى من المواد الغذائية الأساسية، ناهينا عن غياب قنينات الغاز في دولة الغاز، وعن انعدام الماء الصالح للشرب في كبريات المدن والحواشي الحضرية والصحاري بلا استثناء… وكل ذلك مردّه إلى انبطاح حكام الجزائر عند أقدام شرذمة البوليساريو، التي يتقاسمون معها كل موارد الغاز والنفط، فيذبحون عند نُصُبِها نصف تلك الموارد، ويحوّلون النصف الباقي إلى حساباتهم وحسابات أبنائهم في أوروبا، وفي جنات وحدائق أمريكا اللاتينية، ثم يقتنون بما تبقى من الفُتات خردات روسية تعافُها كل جيوش العالم المتحضّر… اما الشعب المسطول، فيكتفون بطبع المزيد المفرط من الأوراق النقدية وإغراقه بها، بعد أن لم يعد دينارهم يصلح حتى للاستعمال في المرافق الصحية، أو “المراحيض” حاشاكم!!!
في هذا الآطار أيضاً، حملت وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية خبر تحذير أمريكي، بالغ الجدية والحِدّة، وجهته السلطات العسكرية الأمريكية إلى نظيرتها المغربية، تحذرها فيه بحرب مدمرة يوشك نظام العجزة في الجزائر على إعلانها ضدنا، لأنه لم يبق له أي أمل في الحفاظ على مقاعده وامتيازاته، ولا على ضمان التفاف الجماهير المغلوبة على أمرها حوله، سوى الدخول في هذه المواجهة المباشرة مع المغرب، رغم إيقان ذلك النظام بأن الجيوش المغربية صارت أكثر جاهزية من أي زمن مضى، أطراً محنكين، وجنوداً احترافيين، وتجهيزاً وتسليحاً فاقا كل التصوّرات، وخاصة بعد أن بدأ الجزائريون يضيقون ذرعا بالطوابير المؤبَّدة، وبنقص المياه، وانعدام السيولة لدى الأبناك، وفي الشبابيك الإلكترونية، ويتحملون فوق كل ذلك الإخفاقات الرياضية التي أصبحت بدورها صناعة عسكرية مخابراتية بامتياز، وصارت تضرب آمال الشباب الجزائري الرياضي والبعيد تمام البعد عن السياسة في الصميم!!!
نهايتُه، إن على الذين يظنون من المؤثرين المغاربة أن رسالة التعزية الرئاسية، وكذا وصيفتها الخجولة، الصادرة عن خارجية الجزائر بلسان مغطّى برغوة النفاق والمخاتلة، يمكن أن تشكل فسحةً مناسبةً لبناء علاقات جديدة، أو كوّةً يتسلل منها شعاع من ضوء التقارب والتفاهم والتآخي، بعد نصف قرن من الدسائس والاعتداءات الرسمية والصريحة، ومن العنجهية والاستعلاء غير المستحَقَّيْن… أقول: على هؤلاء أن يُعيدوا حساباتهم، وأن يفطنوا إلى أن الأمر لم يتغير قيد شعرة عما كان عليه قُبَيْلَ ثمانية وأربعين ساعةً، فقط لا غير، لم يلبث ذلك النظام الفاسد والفاشل يحيك فيها دسائسه، وينفُثُ فيها سُمومَه ليس على أيدي ذبابه الإلكتروني القذر كما عوّدونا، بل بيد ولسان رئيس أركانهم “غير السعيد” شنقريحة، الذي ما زالت تهديداته الصريحة تطن في الآذان، حتى ورسالتا تعزيتهم تتناقلها وسائل الإعلام العربية والدولية باستغراب وحذر مشروعيْن، لأن العالم كله صار يدرك مع من حشرنا قدَرُنا في الجِوار، ويعلم أن هذه البهلوانيات ليست سوى تشخيصٍ واقعيٍّ وصادقٍ لذلك المثل الشائع الذي افتتحنا به هذا المقال… والأيام بيننا!!!
__________
محمد عزيز الوكيلي
إطار تربوي.