من مميزات جيراننا الشرقيين أنهم لا يتركون يوماً يمر دون أن يؤرّخوا له بتقليعة جديدة من تقليعاتهم العجائبية التي يبدو ان مَعِينَها لا ينضب!!
بالأمس، خرجت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية ببيان رسمي تناقلته وسائلهم الإعلامية، التي تتسقّط مثل هذه المناسبات لتُطلق العنان لفرقعاتها الاعتيادية، وجّهت فيه للحكومة الفرنسية سهام النقد واللوم المصحوبَيْن بما تيسر من البكاء والعويل المعتادَيْن، احتجاجاً على ما سمّته “قرارا حكوميا فرنسيا يعترف صراحة بمخطط الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية المزعومة”، على حد تعبيرها، ثم انطلقت تولول وتتباكى متهمةً حكومة الإليزي، بوصفها “رمزاً للاستعمار القديم”، بالانحياز “للاستعمار الجديد”، قاصدة به بلادنا، ومؤنبةً إياها على فعلها ذاك واصفةً إياه بدوره بكونه سيزيد في تأزيم الوضع في المنطقة المغاربية، وفي صب الزيت على نار الصراع القائم فيها “بين الشعب الصحراوي وقوات الاحتلال المغربي”… إضافةً إلى وَلْوَلات أخرى من هذا القبيل، دون أن تنتبه خارجية الجزائر، الغبية كعادتها، إلى معطيات في غاية البداهة والبساطة لو أنها كانت تفهم قليلا في قواعد السياسة والدبلوماسيا… فكيف ذلك؟
أولا: إن صدور بيان رسمي عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية كان ينبغي أن يكون ردّا على بيان أو قرار أعلِن عنه رسميا من لدن السلطات الفرنسية، وخاصة رئاسة الحكومة أو وزارة الخارجية، ولحد كتابة هذه السطور، لم يصدر أي بيان أو قرار عن سلطات الإليزي ولا عن أي جهة أخرى يمكن أن تفوّض لها تلك السلطات هذه المهمة؛
ثانيا: إنه لم يصدر أي بيان أو تصريح ملكي أو حكومي أو وزاري رسمي عن الطرف المغربي، الذي هو المعني الأول بالقرار الفرنسي المفترَض، لو كان قد صدر فعلا وتم تبليغه للمغرب بالطرق الرسمية المتعارف عليها بين دول المعمور؛
ثالثا: لو سلمنا بأن القرار الفرنسي صدر بالفعل، وبالطرق الرسمية، فإن المعني المباشر به بعد فرنسا والمغرب هو جبهة البوليساريو، افتراضاً، وليست خارجية الجزائر، التي دائماً تقيم الدنيا وتقعدها لإقناع المنتظم الدولي بأنها غير معنية بالنزاع وليست طرفا فيه وإنما تهتم به من باب “مناصرتها للقضايا العادلة ولتقرير مصير الشعوب المضطهدة”… بْلاَ بْلاَ بْلاَ !! وهذا يؤكد للعالم بأن الطرف الحقيقي في النزاع المفتعل حول صحرائنا هي الجزائر وليس أي طرف آخر غيرها، وأن البوليساريو ليست سوى كتائب جزائرية مرتدية للجبة الصحراوية من باب الاستعمال الضروري لِلَوازم التمثيل المسرحي وإكسسواراته وليس أكثر!!
رابعاً: إن القرار الفرنسي لا يُعقل أن يثير كل هذا الصخب والبكاء والعويل، لو كان فعلا مقتصرا على الاعتراف بمصداقية مشروع الحكم الذاتي المغربي، لأن هذا الاعتراف مَكسب تحقق منذ أن وضع المغرب مشروعه ذاك لدى الأمانة العامة لهيأة الأمم المتحدة سنة 2007، وقد ظلت فرنسا تدعمه لدى مجلس الأمن منذ ذلك التاريخ، وبالتالي فالأمر يتعلق في حقيقته “باعتراف فرنسي وشيك بمغربية الصحراء”، وهي الخطوة المنتظرة والمتوقعة منذ بداية عودة الدفء إلى العلاقات المغربية الفرنسية، وهذا قد تم الإيماء إليه على مستوى سفير فرنسا بالرباط، ثم وزير الخارجية الفرنسي لدى زيارته للمغرب، وكذلك على مستوى الممثل الدائم لفرنسا لدى مجلس الأمن، الذي لم يكتف في كلمته بدعم مقترح الحكم الذاتي، بل طالب مجلس الأمن بالإسراع في جعله قيد التنفيذ…
الموضوع إذَن، يتعلق باعتراف وشيك بلغ خبره إلى آذان سكان الموراديا، فلم يستطيعوا كتم هلعهم وخيبتهم فانطلقوا يُرغون ويُزبِدون حتى قبل أن يخرج الأمر إلى ساحة العمل الحكومي الرسمي في البلدين المعنيين المباشرين بهذا الموضوع، وهما المغرب وفرنسا ولا أحد غيرهما البتة، وفي هذا تبدو الجزائر فضولية ولكن، بدرجة تفضح تورّطها في ملف النزاع المفتعل كطرف رئيسي وأساسي لا ثالث له!!
خامساً: إن خروج وزارة الخارجية الجزائرية ببيانها البكائي الرسمي، يعني أنها توصلت بالخبر من جهات فرنسية موثوقة، ولا أجد شخصيا أفضل من اليمين الفرنسي كقناة لتسريب خبر كهذا، وذلك من باب ضرب عصفورين سمينين بذات الحجر:
1- رد الصاع للجزائر على دعمها لماكرون واليسار الفرنسي في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، وقد كان دعماً بالمال والدعاية والرجال، وبإرشاء المؤثرين الجزائريين المقيمين في فرنسا من أجل منع اليمين من تحقيق حلم كان على وشك التحقّق على أرض الواقع؛
2- إفساد العلاقة المرتبكة والملتبسة بين الإليزي والنظام الجزائري، حتى لا يتمكن هذا الأخير من قطف ثمار دعمه ذاك… وبذلك ينتقم اليمين من الطرفين معاً في آن واحد!!!
نهايته، أن النظام الجزائري وإعلامه المراحيضي مُنخرِطان منذ يوم أمس في نوبة بكاء هستيرية لا أحد أمكنه أن يطلع على سببها الحقيقي، لأن كُلاًّ من فرنسا والمغرب لم يَصدر عنهما حتى الآن ما يبرر كل هذه “الزيطة”!!!
____________
* إطار تربوي.
*محمد عزيز الوكيلي