الأكيد أن مجموعة من المؤسسات التعليمية تعرف قصورا على مستوى الخدمات المقدمة للإناث، من تلميذات ومدرسات وأطر الإدارة التربوية. يظهر بجلاء تهميشها لسلالة حواء. حيث النقص الحاد أو المنعدم لمجموعة من المرافق الحيوية الخاصة بهن، كالمراحيض الخاصة بالتلميذات وتلك الخاصة بالأطر الإدارية والتربوية النسوية، ومستودعات تغيير ملابس التلميذات عند مزاولتهن حصص التربية البدنية أو أنشطة رياضية. وغياب مراكز الإنصات والمصاحبة والإسعاف لبعض الوعكات الصحية التي تفاجئهن دون عن الذكور. وحيث صعوبة الولوج إلى بعض المؤسسات وخصوصا بالتعليم الابتدائي (فرعيات مدرسية)، بسبب بعدها عن التجمعات السكنية والتضاريس الوعرة ومخاطر تواجد الكلاب الضالة والأفاعي والعقارب والأودية والثلوج. وقطاع الطرق والمنحرفين الذين اعتادوا اقتناص الجنس اللطيف وتعريضه للسرقة والعنف والتحرش..
العديد من المدرسات تخلين عن مهامهن، ومئات التلميذات يفضلن عدم مزاولة مادة التربية البدنية، بسبب رفضهن التعري والكشف عن مناطق من أجسادهن أمام زملائهن في ظل عدم التوفر على مستودعات خاصة بهن. يضطررن إلى الحصول على شواهد طبية بطرق ملتوية، تعفيهن من ممارسة الرياضة. وهو ما يؤثر سلبا على صحتهن وعطائهن التربوي والتعليمي. والعشرات من التلميذات والمدرسات يجدن أنفسهن محرجات وهن يسابقن زملائهن الذكور من أجل ولوج المراحيض. فيما أخريات يفضلن عدم قضاء حوائجهن البيولوجية داخل المدارس.. وهو ما يضر بصحتهن. إضافة إلى التعيينات العشوائية التي تطال المدرسات المتخرجات حديثا. حيث يتم القذف بهن في أحضان الجبال والمناطق المنعزلة.عرضة لكل المخاطر التي سبق وأشرنا إليها أعلاه.
لم نسمع عن مسؤول أو باحث تربوي انتبه إلى ضرورة فرض مقاربة النوع عند انتقاء مواقع بناء المؤسسات التعليمية، وعند الانكباب على إحداثها. وعند تهيئتها وتجهيزها وتعيين أطر إدارية وتربوية لتدبير شؤونها الإدارية والتربوية، بل وحتى عند اختيار منظفيها وحراسها وتشكيل مجالسها ونواديها… ووضع البرامج والمناهج الدراسية المناسبة لها. بل إن هناك مؤسسات تعليمية تعيش بأنفاس ذكورية، كل ما فيها يتحدث وينبض بألسنة وأفكار الذكور. ليست وحدها المدارس التي تقسوا على الإناث. بل إن المقررات والمناهج الدراسية لازالت لم ترق إلى المستوى اللازم لمقاربة النوع والدفع نحو الاحترام والتقدير المتبادل بين الجنسين وترسيخ ثقافة المساواة بينهما. مقررات مثقلة بنصوص وروايات وحكاوي قديمة تؤرخ لهيمنة الذكور. ترغم التلميذات والتلاميذ على استيعابها والرد على أسئلة متعلقة بها. ومقررات تتضمن نصوص حديثة تصنف المرأة في خانة الكائن الضعيف الذي وجب حمايته ومصاحبته واحتضانه. وتبعده عن الحياة المهنية والمسؤولية التي تجعلها حكرا على الرجل.
لا أحد ينكر أن قدرات المرأة العقلية والفكرية وحتى الجسدية، تضاهي وقد تتجاوز قدرات الرجل. فالقيادة والريادة في مختلف القطاعات، تسلم لمن يستحقها بغض النظر عن جنسه. لا تفرضوا الوصاية على المرأة وأفسحوا لها المجالات بإنصاف لتنال ما تستحقه بجدارة. أوقفوا الحديث عن أن (وراء كل رجل عظيم امرأة). الذي يرسخ فقط مكانة المرأة كوصيفة للرجل. تتظلل بظلاله وتحيى بحمايته. علما أن معظم العظماء لا يتلذذون فقط بالركوب على نضالات النساء. بل إن منهم من لا يترددون في سرقة وقرصنة إبداعاتهن وأفكارهن ونسبها إليهم.
لا أحد من الرجال ينكر أن المرأة فرضت بقوة وجودها ومكانتها في كل مناحي الحياة (العلمية والأدبية والثقافية والفنية والرياضية و..)، وطنيا ودوليا. لكن لا أحد ينفي كذلك أنها الأكثر عرضة لكل أنواع العنف والإقصاء في كل خطواتها ومساراتها.. عندما يتم تشخيص العنف اللفظي والجسدي وإحصاء وتصنيف ضحاياه.. نجد المرأة في الصدارة داخل الأسرة ومقرات العمل وبالشارع العام. تضاف إليها إكراهات التحرش والاستخفاف التي تواجهها أينما حلت وارتحلت.
إن أكثر ما يهين المرأة بالمغرب والعالم، هي تلك الأيام الوطنية والدولية المهزلة الخاصة بـ «الأم، المرأة، النساء، الزوجة. الفتاة، الأسرة..»، تلك المناسبات التي يقرها الذكور لتهدئة غضب واستياء وإحباط الإناث. لتكون فترات سنوية للفسحة والترفيه بالنسبة للعنصر النسوي، بعد شهور من التهميش والإقصاء والمهانة داخل زنازين الذكور.
ألغوا الاحتفاء بتلك الأيام وتخليدها بتلك الطرق المهينة والسخيفة. لأنها تؤكد استمرار احتلال وجبروت العنصر الذكوري، ورفضه منطق المساواة الذي تفرضه الطبيعة على كل الكائنات الحية والسبيل الوحيد لاستمرار الحياة.. وأكبر دليل على سمو الإناث ما يقع داخل مملكة النحل أكبر منتجة للعسل، تتربع على عرشها أنثى.. فما مدى قيمة منتوج هذا البشري الذي يرفض إنصاف المرأة ؟
بالمناسبة لا تنسوا أن هناك يوم وطني للمرأة المغربية يصادف العاشر أكتوبر من كل سنة؟