قال أحمد حميد الناطق الرسمي باسم جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب إن المناهج والبرامج لم تعد تتوافق مع حاجات المتعلمين ولا تواكب التطورات السياسية والاقتصادية والمجتمعية. وأعطى مثالا بدروس الجيولوجيا بالسنة الأولى بكالوريا علوم تجريبية، ودروس وراثة الساكنة بالسنة الثانية بكالوريا. وأضاف أن خيار “فرنسة” تدريس المادة في السلكين التأهيلي والإعدادي، كان يجب أن يسبقه تعديل شامل في البرامج.
س: ما تقييمكم للبرامج و المناهج المبرمجة لمادة علوم الحياة و الأرض وما هي الأخطاء والنقائص التي تشوبها ؟
ج: بداية البرامج جزء لا يتجزأ من المنهاج. ومادة علوم الحياة والأرض، مادة علمية تجريبية، لها بنية داخلية ترتبط بمجموع النظريات والمفاهيم والقواعد التي تأسست عليها، ولها غاية وموضوع ومنهجية تشتغل بها وعليها وإنتاجات أكاديمية ومعارف تتناسل بسرعة كبيرة نظرا لارتباطها بمجالات حيوية كالطب والتغذية وصناعة الأغذية والفلاحة والبيئة وما يترتب عن هذا التطور الكبير للمعارف من مواكبة وتبسيط وتبليغ ونقل من الأوساط العلمية المتخصصة التي أنتجت فيها إلى داخل المدرسة و جعلها في متناول المتعلم. ومن هذا المنطلق يجب أن ينسجم المنهاج مع هذه المرتكزات الأساسية والتي لا محيد عنها. فالمنهاج الحالي يفتقر للرؤية الشاملة وإلى الخيط المنطقي الناظم للمادة الذي يستحضر الدينامية والتوازن اللذان تتصف بهما الحياة والأرض وتطورهما. فبرامجنا عبارة عن فقرات مجزأة ومتقطعة يغيب فيها التناغم وتتسم بالآلية والثبات الشيء الذي يتنافى وطبيعة المادة. لقد مرت عشر سنوات على مراجعة برامج السلك التأهيلي وما يقارب خمسة عشر سنة بالإعدادي وحوالي ثمانية عشر بالابتدائي، لذلك أصبحت هذه المناهج والبرامج في حاجة ماسة إلى مراجعة لا تقبل التأخير، مراجعة شاملة لكونها لم تعد تتوافق مع حاجات المتعلمين ولا تواكب التطورات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي عرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، دروس الجيولوجيا بالسنة الأولى بكالوريا علوم تجريبية، حيث المضامين طويلة ومعقدة مقارنة مع مستوى التلاميذ، كما أنه لا يثير فضول التلاميذ ورغبتهم في التعلم بل حتى الأساتذة أنفسهم، الشيء نفسه يمكن سحبه على مضمون دروس وراثة الساكنة بالسنة الثانية بكالوريا. وبالنسبة للإعدادي يطرح طول المقرر الدراسي كذلك، خاصة بعد تعديله وتصويبه ليتماشى وتطبيق “بيداغوجيا الإدماج” التي تم تبنيها ضمن المشروع البيداغوجي المرتبط بتنزيل البرنامج الاستعجالي ما بين 2008 و 2012، والتي تم إجهاضها كمنهجية في مهدها، فالتعديل الناتج عن هذا التصور لا يزال قائما رغم التخلي عن هذه المقاربة والتي جاءت كأساس لتقعيد العمل بالكفايات الذي تبنته الوزارة الوصية على القطاع رسميا. كما عرفت السنوات الأخيرة “فرنسة” تدريس المادة في السلك التأهيلي جزئيا، ثم انتقلت للسلك الإعدادي مع مطلع السنة الدراسية الحالية. هذا الخيار كان من المفروض أن يسبقه تعديل شامل في البرامج، على اعتبار أن الزمن اللازم لتمريرها بالفرنسية يتطلب زمنا أطول مقارنة مع خيار اللغة العربية. الشيء الذي يؤدي إلى التأخر في الإنجاز، تأخر يعود بطئه إلى مستوى التلاميذ في مادة اللغة الفرنسية والتعبير بها كتابيا وشفهيا، خاصة بالنسبة لتلامذة الإعدادي. وقد عممت المديريات الإقليمية تدريس المواد العلمية بالفرنسية في مستوى السنة الأولى إعدادي بتوجيهات شفوية من المسؤولين الإقليميين، دون اعتبار قدرات التلاميذ وملكاتهم على المسايرة، ودون تكييف للمنهاج واستعداد قبلي محكم وتكوين للأطر المكلفة بهذه المهمة ولا حتى إعداد كتب مدرسية لائقة.
س: تضعون موضوع (البيئة) في مقدمة مشاغل الجمعية. ماذا حققت الجمعية في مجال المحافظة على البيئة ؟
ج: بدءا الحفاظ على البيئة لن يتم إلا عبر المعرفة العلمية الدقيقة والبحث والتنقيب في قوانينها وديناميتها وتطوراتها بأسلوب علمي موضوعي خاضع لمساءلة جدلية باستمرار، وكذا بالممارسة المسؤولة والناجعة واستيعاب أهميتها في التوازنات العامة لكونها المصدر الحقيقي للموارد الطبيعية والخيرات التي تساهم في الرفاه البشري اللامحدود واللامنتهي، ولكون الإنسان أناني بطبعه فغالبا ما تغلب عليه هذه النزعة و بالتالي يستهلك بشكل مفرط دون مراعاة هذه التوازنات ومحدودية الموارد وهشاشتها. فالجمعية حققت الكثير في هذا المجال حسب ما أتيح لها من إمكانات. حيث اشتغلت في التربية العلمية والبيئية والصحية في المؤسسات التعليمية و في الفضاء العمومي وبالمواقع الطبيعية والأحياء السكنية التي تشتغل فيها والمستهدفة في عدد من مشاريع الجمعية، كمشروع ” الإنتاج المشترك للنظافة” الذي انطلق منذ أربع سنوات والذي برهن بالملموس أن فرز النفايات في المنبع أمر سهل المنال إذا توفرت العزيمة والإرادة لدى جميع الفاعلين والمتدخلين في تدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة لها، وكذا إعادة تدويرها وتثمينها باعتبارها مصدر رزق لفئة عريضة من الساكنة وموردا لخلق خيرات ومناصب شغل لا يستهان بها، مع الحفاظ على كرامة العاملين في هذا القطاع. كما أن الجمعية ترافعت في جل قضايا البيئة، كالتغيرات المناخية والعدالة المناخية وغيرها وطنيا ودوليا، وكذا المواضيع والتيمات المرتبطة بها كالماء والغابة والتنوع البيولوجي والبحر والساحل والواحات والتصحر و النفايات … بتنسيق وثيق مع شركائها وداعميها.
س: ما هي الإكراهات والمشاكل التي تعاني منها بعض المؤسسات التعليمية ؟
ج: المؤسسات التعليمية شأنها في ذالك شأن المحيط الذي تتواجد فيه. فبيئتها تعاني من إكراهات وصعوبات جمة في هذا المجال. كالأمن الصحي والنظافة والتدبير المعقلن للموارد التي ما زالت دون المستوى المطلوب، كتدبير الماء والطاقة والعناية بالفضاء الأخضر وتدبير النفايات… لما لها من وقع تربوي على الناشئة، ولن يتم ترسيخ التصرفات والسلوكات البيئية السليمة وصديقة البيئة، ما دامت لم تجعل من هذا الأمر أولوية وهما يوميا،(فاقد الشيء لا يعطيه). لذا نطمح أن تتحول المؤسسة التعليمية إلى مجتمع مصغر نموذجي فيما يتعلق بتدبير الشؤون البيئية، حيث تساهم المؤسسة، من خلال أنشطة النوادي التربوية في حل بعض المعضلات البيئية المحلية ونقل السلوكات المقبولة إلى محيطها والتأثير فيه إيجابيا. وتعمل الجمعية في خلال برامجها ومشاريعها، والتنسيق والشراكة مع جميع الفاعلين،على ترسيخ هذه الثقافة، عبر الاشتغال على برامج التربية البيئية بتعاون مع المؤسسات التعليمية في ترشيد استهلاك الماء والكهرباء وتدبير النفايات والبستنة…
س: ما مدى تجاوب الأطر الإدارية والتربوية مع برامج وأنشطة الجمعية ؟
ج: الأطر الإدارية والتربوية تتفاعل مع أنشطنا بشكل إيجابي عموما وحسب قناعتها وانخراطها أحيانا. وتجد برامج ومشاريع الجمعية تجاوبا كبيرا، وقد يعود ذلك بالأساس إلى أن الجمعية تتشكل من أطر إدارية وتربوية متنوعة ومتكاملة على المستويات المحلية والإقليمية والجهوية. كما أن الجدية التي تتسم بها وجدوى الأثر الإيجابي لأنشطتها وطرق اشتغالها أكسبتها مصداقية لدى الشركاء والفاعلين من مؤسسات وطنية ودولية. وقد أصبحت مسؤولية الجمعية كبيرة لتلبية انتظارات الأطر التعليمية، الأمر الذي يقتضي مأسسة العمل البيئي وإرساء ركائزه بالمؤسسة التعليمية، لما له من وقع إيجابي على المدى البعيد. ولم يقتصر نشاطها على مجال التربية البيئية وحده، بل نجح كذلك في تكوين المثقفين النظراء من بين التلاميذ في مجال التربية الصحية خاصة، لما لهذه الطريقة من أثر في تمرير الرسائل بين التلاميذ أنفسهم. كما ساهمت الجمعية في التكوين البيداغوجي، عبر تنظيم حلقات تكوينية لفائدة الأساتذة الموظفين بموجب التعاقد في مادة علوم الحياة والأرض، والتي عرفت إقبالا كبيرا، الشيء الذي استحسنته المديريات الإقليمية التي نظمت فيها هذه التكوينات.
س: ما تقييمكم لمستوى تعامل التلاميذ مع المجالات البيئية ؟
ج: تعامل التلاميذ مع القضايا البيئية يبقى نسبيا إلى حد بعيد، لكون التربية البيئية وعلى التنمية المستدامة بمدارسنا ليست أولوية كما أسلفنا، ويوجد فراغ كبير داخل الأسرة و لا أثر له في الفضاء العام، وبالتالي يصبح التلميذ ابن بيئته يتأثر بها ويؤثر فيها. لكن الملاحظ أن التلميذ(ة) يتفاعل بتلقائية كبيرة مع الأنشطة البيئية حين تقدم له بأسلوب شيق ويمس مشاعره ويستجيب لحاجاته وحين يجد متعة فيها بعيدا عن فضاء الفصل الذي لا يتسع لمثل هذه الأنشطة غير المبرمجة ونظرا لضغط الوقت، تفاديا لهدر الزمن المدرسي من جهة، ولإتمام المقررات المكدسة في الأصل، من جهة أخرى.
س: ما هي الصعوبات التي تجدونها في أنشطتكم التحسيسية والتوعوية ؟
ج: أنشطة الجمعية، كباقي مكونات المجتمع المدني، تواجهها عدة مثبطات، كمزاجية بعض المسؤولين الإداريين والمنتخبين الذين يعتبرون الشأن البيئي هما غير ذي جدوى وغير ذي راهنية، وبالتالي لا يعد أولوية. كما تعاني من غياب الدعم المؤسسي اللازم. وكون جميع أطر الجمعية موظفين متطوعين، فإن أنشطتها وتتبع مشاريعها المتنوعة وثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها إثر توسعها وازدياد عدد فروعها والتزاماتها، أصبحت عبئا إضافيا يثقل كاهل الغالبية الساحقة، إلى جانب أعبائهم المهنية الأخرى،علما أن التدبير الجمعوي متعدد الأوجه ( بعد إداري و مالي وأخر تواصلي، ناهيك عن التنشيط والتثقيف والتكوين ومواكبة المستجدات).
س: كيف يتم التنسيق بين الجمعية و فروعها بكل مديريات التعليم بالمغرب وما مدى استقلالية الفروع ؟
ج : فروع الجمعية مستقلة وظيفيا وتضع برامجها ومشاريعها حسب إمكاناتها وظروف اشتغالها. كما تنجز، بتنسيق ما باقي هيئات الجمعية (المجلس والمكتب الوطنيين و التنسقيات الجهوية…)، كل المشاريع والأنشطة المشتركة وذات الطابع الوطني والدولي. وغالبية الفروع تدبر مراكز للتربية البيئية والتنمية المستدامة، بتنسيق مع مصالح الوزارة، والتي تهدف من خلالها نشر ثقافة علمية وبيئية وصحية في أوساط الناشئة وهيئة التربية والتكوين. وتنشط أطر الجمعية النوادي التربوية وتسهر على تكوين منشطيها في إطار تفعيل الحياة المدرسية بالمؤسسات التعليمية، والمدارس الشريكة.
أما علاقة الفروع بالمديريات الإقليمية والأكاديميات فتحكمها الشراكة الإطار الموقعة وطنيا مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. كما أنه بإمكانها توقيع شراكات جهوية أو إقليمية مع جميع المسؤولين والمدبرين للشأن التربوي على اختلاف مستوياتهم.
س: هل سبق لكم أن أنجزتم تقارير بيئية وما هي في نظركم الأخطار التي تحدق بالمناخ المغربي وطبيعته ؟
ج.: بالتأكيد أن الجمعية تنجز تقارير بيئية في شتى المجالات التي تشتغل عليها كالتغيرات المناخية والتكيف والتأقلم معها و العدالة المناخية والتفاوت الحاصل بين تنمية الجهات ( لكون الفقر والجهل عائقين أمام التنمية المنشودة، ويشكلان تحديا كبيرا أمام مدبري الشأن العام، خاصة في القرى والجبال…). كما أنها أصدرت تقارير تهم مراجعة المناهج المرتبطة بتخصصها… وأنجزت كذلك تقارير للترافع، في وضعيات تبرز استغلال الثروات الطبيعية بشكل عشوائي ومخل بالتوازنات التي تطلب تطورها مئات السنين بل الآلاف، حينما تكون المنظومات البيئية المعقدة كغابة الأرز والأركان والحلفاء ، في علاقتها بالمكون الجيولوجي كسلسلة البراكين بالأطلس المتوسط مثلا.
س: هل تتوفر الوزارة على العدد الكافي واللازم من أساتذة علوم الحياة والأرض… وهل توفر العتاد الديداكتيكي الكافي لتحسين جودة التدريس؟
ج : توفر العدد الكافي من الأساتذة لتدريس مادة علوم الحياة و الأرض أمر نسبي جدا، بحيث إذا نظرنا إلى وضعية تدريس المادة خاصة، وباقي المواد العلمية الأخرى عامة، سنجيب بالسلب. فاكتظاظ الأقسام وانعدام العمل بصيغة التفويج وضعف العتاد الديداكتيكي وقلة القاعات المختصة… وعدم تحيين المقررات والبرامج، واستقدام أساتذة بدون تكوين أساسي متين وغياب شبه كلي للتكوين المستمر… يجعل حالة تدريس المادة في وضعية لا تحسد عليها بل غير مقبولة إطلاقا. فجودة تدريس المادة يمر حتما عبر تحسين شروطها وتأهيل الموارد البشرية كما وكيفا. فقد عرف تدريس المواد العلمية، في السنوات الأخيرة، إكراهات متعددة أثرت بشكل جلي على تدريسها. فعلى سبيل المثال، أدى النقص في العتاد الديداكتيكي إلى الاعتماد الحصري على الكتاب المدرسي كوسيلة تعليمية وحيدة وكمصدر فريد للمحتوى المدرسي، فالتناقص في أعداد الموارد البشرية من محضرين وأساتذة ومفتشين، أثر على سير المخابر المدرسية وعلى تجهيزاتها، وحتم على رؤساء المؤسسات التعليمية التخلي عن الحصص المفوجة ليصبح الدرس عبارة عن تلقين نظري لا يستجيب لتطلعات المتعلمين الذين ينفرون المادة التي كانت في زمن مضى محط إعجاب وإثارة. فأحبط المدرس وضعف أداءه وتدنى تحصيل التلميذ، والذي يبدو واضحا عند التقويم.
س : ما هي الإكراهات التي يعاني منها الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية ؟
ج.: إكراهات الأساتذة متنوعة منها الموضوعي والذاتي منها ضعف التكوين بشقيه الأساسي والمستمر لدى المدرسين، خاصة الجدد منهم. ومنهاج وبرامج متجاوزة لا تساير لا المستجدات التربوية ولا التطورات العلمية التي تعرفها البيولوجية والجيولوجية وعلوم البيئية وباقي العلوم الأخرى، على ضوء البحوث والاكتشافات العلمية المتسارعة للمعرفة والمفاهيم العلمية صياغة ودلالة. و جهاز التأطير والإشراف التربوي في تناقص شديد إلى حد الإسهال، الشيء الذي يترك الأستاذ يتخبط لوحده دون موجه أو معين يساعده على تملك الحرفة وصقلها على أسس متينة وسليمة، خصوصا في بداية مشواره المهني، حتى لا يستأنس مع عادات مهنية غير ملائمة أو سيئة يصعب التخلص منها فيما بعد عند الاقتضاء. إضافة إلى قلة بل انعدام الأدوات الديداكتيكية الضرورية للقيام بالواجب، في الغالب، وشح الميزانية المخصصة لتجديد العتاد الديداكتيكي (مواد كيميائية وزجاجيات ومواد طرية… وكل ما هو مستهلك) يجعل المادة تفقد خصوصيتها التجريبية، لكون بعض المفاهيم العلمية لن يتم اكتسابها إلا بالمرور من الملموس قبل التجريد والاستبطان الفكري والصوري.و ضعف بل غياب هيئة التحضير و تدبير المخابر العلمية الركيزة الأساسية لاستعمال العتاد الديداكتيكي والأدوات المخبرية وصيانتها من التلف، وبالتالي القيام بالأعمال التطبيقية والتوجيهية، الضرورية لكل مادة علمية تجريبية والتي تخلق الحافزية لدى الأستاذ والتلميذ على حد سواء. و الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية وعدم العمل بالتفويج، يؤديان إلى تغييب البعد التجريبي والمنهجي وبالتالي عدم بناء الكفايات المنهجية والمهارية والتواصلية والتكنولوجية لدى التلميذ، بل حتى عند الأستاذ الذي أصبح لا يوظف مكتسباته وخبراته، إن وجدت أصلا، وبذلك نكون قد دفنا البعد التجريبي والعملي والعلمي والبحثي للمادة. وتراجع مهول في الخرجات والرحلات الدراسية والميدانية التي تجعل التلميذ مرتبطا بواقعه المعيش وفي مواجهة الظواهر الطبيعية على حقيقتها، حيث يتجسد كل ما هو نظري وتطرح تمثلات التلاميذ في المحك، لكون المادة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالطبيعة جيولوجيا وبيولوجيا وبيئيا وصحيا.
س: ما هي برامجكم المستقبلية على مستوى دعم أساتذة المادة وحماية البيئة؟
ج : برامج الجمعية المستقبلية متعددة وتشمل جميع مجالات اهتماماتها منها العمل بمشاريع ترسخ القيم البيئية والعلمية والصحية التي أسست من أجلها. وأنشطة تكوينية لجمعيات ذات الهم المشترك وتشبيكها ليصبح وقعها ناجعا وذا فعالية. فعلى سبيل المثال سهرت الجمعية خلال سنتين على لم شمل المجتمع المدني الذي يعمل في مجال المناخ والتنمية المستدامة داخل إتلاف وطني يضم أكبر عدد من شبكات وجمعيات، ويتوخى هذا الإتلاف الترافع وتوحيد الكلمة ووضع أرضية للتقاسم والعمل الجماعي القوي والضاغط، كلما اتخذت قرارات قد يضر بالتوازنات البيئية العامة وتفتح الباب أمام المضاربات والاستغلال غير المعقلن للثروات الطبيعية والثقافية والبشرية والاقتصادية. وكذا المساهمة الفعلية في تأطير الأساتذة الموظفين بموجب تعاقد ومواكبتهم وتكوينهم، من خلال تنظيم دورات تكوينية وتأطيرية في تخصصهم وفي الديداكتيك بتنسيق مع أطر وأساتذة جامعيين. وفي مراجعة منهاج المادة واقتراح تصور يستحضر كل ما قيل سلفا وفي مجال تأليف الكتب المدرسية.
س: ما هي اقتراحات الجمعية للمساهمة في تجويد تدريس المواد العلمية ؟
ج: إعادة النظر في المنهاج الذي تجاوز عمره أكثر من خمسة عشر سنة، وتحيينه ليتماشى والسرعة التي تتطور به العلوم، ورفع التحدي الذي بدأت تفرضه التغيرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية. وجعل مبادئ التنمية المستدامة والقيم الكونية في هذا الشأن، والتي انخرطت فيها بلادنا عبر المعاهدات والاتفاقات والالتزامات التي وقعتها (نموذج الطاقات البديلة والتغيرات المناخية والتكيف معها والتخفيف من الغازات الدفيئة…)، مدخلا أساسيا لمراجعة المناهج، حتى نضمن مكانة بين الدول الراقية في مجال التربية والتكوين. وربط النظريات المفسرة للظواهر الكونية ركيزة لبناء المنهاج واستحضار الغاية من وجودها كأدوات تفسيرية وتنبؤية لبناء المشروع المجتمعي المنشود.وجعل تدريس المواد العلمية نفعيا وجذابا يستجيب للحاجات الفعلية للمتعلم مع استحضار التطور المجتمعي الذي عرفه المغرب ومواكبة التحولات العالمية المتسارعة حتى لا نبقى خارج التاريخ. وربط المادة العلمية بالميدان، من خلال القيام بخرجات ورحلات واستكشافات ميدانية للأوساط الطبيعية والمنشئات الصناعية و الفلاحية و الخدماتية وغيرها خاصة بعض التجارب الناجحة التي تتسم بالحذر واليقظة اللازمة عبر ما تقوم به من إجراءات وقائية واحترازية تجاه البيئة، حتى يتسنى للتلميذ ملاحظة الممارسات الواقعية والحقيقية ميدانيا ليعي أهمية ما يتلقاه من معارف والجدوى منها وبالتالي يستبطنها ويتملكها باقتناع.