الرئيسية / اقلام حرة / مـأزق “القانون الإطار”..

مـأزق “القانون الإطار”..

 

– عزيز لعويسي

 

مشروع “القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي” يفترض أن يؤطر مختلف الرؤى والخطط والتوجهات الإستراتيجية للدولة في مجال التعليم، وأن يشكل “الخيط الناظــم” الذي يربط بسلاسة بين أعمدة ودعامـات الإصـلاح الذي أسس للرؤية الإستراتيجية، ويفترض أيضا أن يقطع مع حالة الاحتقـــــــان الذي كبل ويكبل عنق المدرسة العمومية التي لا زالت رهينة واقع الاحتجاجات المتعددة المستويات، وأن يقدم الحلول الناجعة للمشاكل العويصة التي تخيم على المشهد التربوي في زمن “إصلاح” قدر له أن يتموقع بين فكي “الارتباك” و”الإرباك” .. مشروع قانون، وبدل انتشال المدرسة العمومية من مستنقع الاحتقان، سار نفســه مغذيا لثقافة الاحتجاج والرفض والجدل وفقدان الثقة في تعليم عمومي “آمن” و”مستقر” يتأسس على شروط “العدالة” و”الجودة” و”الإنصــاف”..

 

مفردات عكستها وتعكسها أصوات “التنديد” و”الاحتجاج” التي واكبت وتواكب عمليتي “المناقشــة” و “التصويت” على المشروع داخل قبة البرلمــان، صــادرة عن تنظيمات نقابية وعدد من جمعيات المجتمع المدني التي وحدت صفوفها دفاعا عن المدرسة العمومية، عبر التنديد بضرب المجانية والاحتجاج على صيغة “التوظيف التعاقدي” والدفاع عن الثوابت اللغوية، ولم تتوقف ناعورة “الأزمة” عند حدود أصوات المحتجين على بعد أمثار من البرلمان، بل امتدت إلى الداخل البرلماني،  وقسمت البرلمانيين إلى فرق وشيع وتيارات خفية ومعلنة لم تسلم منها حتى الأغلبية الحكومية التي يفترض فيها التحلي بروح المسؤولية والانضباط والتوافق، في مشهد فولكلوري بــدت فيه “لغة التدريس” كالكرة الطائشة التي تتدحرج بين الأقــدام في حالة من الارتباك والإرباك، غاب فيها “الحكم” الذي يعبر عن “صوت الحكمة” و”صوت العقل” في مباراة حامية الوطيس، لاصوت يعلو فيها على صــوت “المصلحة الحزبية “الضيقة و”الأنانية المفرطة” .. لتكــــون النتيجة وضع “لعصا فالرويضة” وفرض سياســة الأمر الواقع، بتعطيل “التصويت” لأسباب واضحة وأخرى غير معلنة، ليزداد المشهد السياسي  غموضا وعبثــا ..

 

جزء من الجدل إن لم نقل كل الجدل المثار بشأن القانون الإطار، اختزل في “لغة التدريس” التي نزلت كالمعول على رأس الأحزاب السياسية، وقسمتها إلى أطياف واتجاهات، بعضها ينتصر للغة العربية إلى جانب اللغة الأمازيغية (اتجاه عربي-أمازيغي)، وبعضها يصر على الإبقاء على تميز”اللغة الفرنسية” في المشهد اللغوي(اتجاه فرانكفوني) والبعض الثالث يسير قدما في اتجاه تبني خيار”اللغة الإنجليزية” باعتبارها لغة رائدة على المستوى العالمي (اتجاه أنكلوساكسوني) ، وبين كل تيار واتجاه، تحضر مفردات التطاحن والتلاسن والجدل ولي الذراع والضرب تحت الحـــزام، في مشهد مقلق، الكل يســـارع بأنانية مفرطة للانتصار للحزب والإيديولوجية، بدل السعي الواعي والمسؤول للانتصار للوطن، ولقضية مصيرية (التعليم) تتحكم في واقع الأجيال الحالية وترهن مستقبل الأجيال اللاحقة، ولا أبلـــغ من صورة “الروينة” و”اللخبطة” التي مزقت توافق “الأغلبية الحكومية” في آخر لحظة لأسباب مبهمة، مما علق “التصويت” إلى أجل غير مسمـى، ولا أبلغ أيضــا، من صــورة أصوات احتجاجية على بعد أمثار من قبة البرلمان، تعكس وجهة نظر”رافضة” و”منددة” بالمشروع ككل، وهي أصوات بالقدر ما تعمق الجدل حول هذا المشروع الإستراتيجي، بالقــدر ما تفرض على الفاعلين السياسيين والبرلمانيين، الاستماع إليها واستحضار رفضها وتنديدها، لأن المشروع لايهم “حزب” بذاته أو “أغلبية حكومية” أو”معارضة”، ولايمكن احتكاره من قبل جهة دون أخــرى أو إخضاعه إلى منطق “الإيديولوجيات” و”الحسابات” الواضحة تارة والمستترة تارة أخـــرى ..

 

وكما أكدنا ذلك في مقال سابق في الموضوع (جدل لغة التدريس ..)، لايمكن لعاقل أن يختزل أزمة التعليم في “لغة التدريس”، ومن العبث السياسي أن تحاط “اللغة” بهالة سياسية وبرلمانية وإعلامية تجاوز صداها الحدود، بيـــنما واقع الحال، يقتضي تملك عقل سليم قادر على بلورة “رؤية متبصرة” و”جريئــة ” قــادرة على “معالجة المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها منظومة التربيـة والتكوين، التي تحتـــاج اليوم إلى ثــورة حقيقية قادرة على تغيير وجه المدرسة العمومية وانتشالها من طنجرة” الاحتقـــــان” الذي يكاد يعصف بمستقبل السنة الدراسية التي تعيش أشواطها الأخيــرة، ومن ينتصر لاتجــاه لغوي دون آخر تحت ضغط الولاء للمرجعية الحزبية، نقــول له  أن ” لغة التدريس الحقيقية، هي الجرأة في نفض الغبار عـــن المناهج المتهالكة والبرامج المتجاوزة، وإعــادة الاعتبار للشغيلة التعليمية ” التي بدونها لايستقيم إصـــــلاح، ومن الغرابة أن تشتد شمس الجدل بخصوص لغة التدريـــــس، ولا أحد أثار قضية “الرأسمال البشري” التي غيبها المشروع، وغيبتها النقاشات السياسوية الضيقة، التي لم تصل بعد إلى الاقتناع أن “رجل التعليم” هو “محرك” الإصــلاح ومهندسه وصمام أمانــه ..

 

يكفي النظر إلى ما يعيشه الشارع منذ أشهر من احتقان بدا ويبــدو كالجمرة الحارقة، التي لم يتم تقدير تداعياتها على الأمن والاستقرار، ولم يتم التحرك من أجل الالتفات إليها والسعي إلى إخماد نيرانها، في الوقت الــذي تم فيه الالتفـــاف حـول “اللغة” وجعلها مطية لاستعراض العضــــــلات والضرب تحت الحزام ..، تحقيقا للمصالح الحزبية الضيقة .. ويكفي النظــر إلى أزمة “أساتذة الزنزانة9″ و” الأساتذة ضحايا النظامين” ومطالب “الإدارة التربوية” و”هيئة التفتيش التربوي” و”حاملي الشهادات” ومأزق “الأساتذة أطر الأكاديميات” أو الأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد” كما يسمون أنفسهم بذلك، ملفات وأخـــرى، تفرض القول أن الخوض في “لغة التدريس” هو نقاش جانبي وعقيم، ولن يكـــون إلا هدرا للزمن السياسي ولزمن الإصـــلاح، وكان من المفروض أن يقدم المشروع بنودا أو مقتضيات، من شأنها تحفيز”الشغيلة التعليمية” والارتقــاء بمستوى عيشها، بشكل يقطع مع الاحتقان أو على الأقل التخفيف من حدته، لكن المشرع لم يكن في الموعــد، مما سيجعل القانون المرتقب التصويت عليه، حاملا لمفردات “الرفض” و”الاحتجاج” و”التنديــد”، بشكل يجعله بعيدا كل البعــد عن تحقيق رهان “الأمن القانوني” في منظومة لايمكن الارتقاء بها بمعزل عن “الأمن” و”الاستقـرار”..

 

بقيت الإشارة، أن لغة التدريس الحقيقية، تنطلق من “رجل التعليم” الذي تغافله مشروع القانون، وكان من المفروض على الفرق البرلمانية، الحرص أن يكون “القانون الإطار” مكرسا لحقوق نساء ورجال التعليم وضامنا لها، لأنهم بمثابة العمود المركزي في “خيمة الإصــــلاح” ، لكنها اهتمت بسراب “لغة” ليست هي “الحل” ولن تكون “حــلا” لمنظومـــة تربوية، تحتــــــاج إلى “صوت العقل ” وصوت الحكمة” وقبل هذا وذاك، تحتـــاج إلى ساسة يفهمون معنى الوطن، ويكرســـون كل طاقاتهم من أجل الدفاع عن قضاياه المصيريــــــة، بعيدا عن “العبث” و”الأنانية المفرطة” .. لك الله يا أستاذ (ة) .. الله غالب ..

 

-أستاذ، باحث تربوي.

[email protected]

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *