الرئيسية / اقلام حرة / من ينتج الإحباط في هذا الوطن؟

من ينتج الإحباط في هذا الوطن؟

الساعة السابعة صباحا , ربان الطائرة يتكلم عبر مكبر الصوت "أيها السادة المسافرون  نعتذر لكم عن  التأخر في  الهبوط في مطار الدار البيضاء  لوجود ضباب كثيف على المدرج, سنضطر للتحليق لبعض الوقت قبل الشروع في عملية النزول " بعد ذلك ببضع دقائق نسمع صوت ملامسة العجلات للمدرج فنحمد الله ككل مرة على وصولنا الى الوطن سالمين بعد سنة أو أكثر من الغربة في دول الخليج .

ندخل قاعة التأشير على الجوازات و يسقط بصري على رجلين مغربيين بين هذا السرب من الفتيات الكاسيات العاريات اللواتي استقلن الطائرة معنا ,الرجلين معروفين عندي حق المعرفة أولهم معلق رياضي مغربي في قناة أبو ظبي الرياضية رجل كفئ ووجه بارز في الإعلام  و الأخر عالم و خبير دولي  , استاد و باحث " الفاو" جامعي بجامعة العين بالإمارات العربية المتحدة  حامل للدكتورا من جامعة كولورادو , رئيس البرنامج العالمي  للنخلة ,وصفته وكالة المغرب العربي للأنباء بالنخلة المغربية المعطاءة على أرض الإمارات , و  هذه الشهادة صادقة  في حق الرجل الذي حضرت له سنتا 2002 و 2003 المؤتمر الدولي  للنخيل بأبو ظبي و التي أدارهما هذا العالم بكل كفاءة فبدأ المحاضرة ألأولى قبل وصول وزير التعليم العالي الذي تأخر ببضع دقائق على الوقت المحدد لانطلاق الأشغال ,و أعطى للغربيين دروسا في الالتزام و الطرح أكسبه احترام جميع الخبراء .

 فشتانا بين عطاء دكتورنا الذيانتقل مؤخرا  إلى الهند للإشراف على مشروع يروم "نقل التكنولوجيا الحديثة في مجال زراعة النخيل" و بين  عطاء سرب العاريات اللواتي كما قال إخواننا المصريون "مرمدوا سمعتنا في الأرض".

تقدم بعض الشباب الأنيقين ببدلهم و ربطات عنقهم صوب المعلق , و أخذوا جوازه للقيام بالإجراءات التي استغرقت بالنسبة له أقل من دقيقة ,استلم بعدها أمتعته و غادر المطار , في حين بقيت مع ذ عبد الوهاب زايد في طابور التأشير على الجوازات نتجاذب أطراف الحديث عن واقع البحث العلمي في الخليج الذي يوفر جميع الإمكانيات المادية و الموضوعية للإنتاج  الفكري و بين البحث العلمي في المغرب الذي لا يرصد له من ميزانية الدولة شيء يذكر يحفز على الابتكار , ننهي الإجراءات و نستلم أمتعتنا بعد أن قام الجمركي بعمليات المراقبة التي استغرقت بعض دقائق , ربما شفعت لنا مهننا المدونة على الجوازات هذه المرة  في تسريع المراقبة أما الوجوه فلا تعني شيئا ما دامت لا تشارك في مسابقات الغناء و الطرب العالمي و الرياضات  و لا تطلع على القنوات الفضائية كمذيعين أو مطربين .

كم من دكتور زايد يمر في مطاراتنا بدون أن  نعطيه حقه من الاحترام و التقدير الواجب لمن يرفعون رؤوسنا في الأعالي في جميع بلدان العالم من أطباء و مفكرين ,من مبتكرين و محللين اقتصاديين , من علماء فضاء و ذرة’ غزوا بعلمهم الأقطار , هؤلاء هم من يجب أن نستقبلهم في صالة كبار الشخصيات و لو أنهم في حاجة لاعتراف من نوع أخر أما "الأستاذة الجليلة" دنيا باطما التي غيرت ملامح وجهها و ربما قريبا جنسيتها بعدما أن تزوجت من أهل الخليج   و رفيق دربها محمد الريفي , فحقيقة لا أجد مقارنة لهم حتى بأقرانهم من الشباب المغربي الذي تميز بالظفر بجوائز عالمية في القرأن الكريم كالشابتين هاجر بوساق و حسناء الخولالي و الشاب احمد الخالدي الذي استقبله أهله بالمطار و رجعوا جميعا عبر القطار و الطفل .. محمد يوسف وشكوك, أو مع الشاب  رضا مرضي الذي استطاع انتزاع منحة دراسية لا تمنح بسهولة، وتفرض مدرسة "وارتون" للاقتصاد والأعمال شروطا صارمة للراغبين في الاستفادة منها و هي المدرسة التي أنجبت العديد من قادة العالم , أو الشابة سلوى رشدان التي تمكنت من دخول وكالة "نازا" ، وغدت بفعل تحصيلها العلمي ضيفة ضمن لقاءات علمية دولية عديدة، تحضر وتشارك وتساهم فيها، دون أن يسقط اسم المغرب من جانب اسمها.

هل سنقارن عبد العزيز الستاتي ب الدكتور عبد العزيز عمار مؤسس  الجمعية الطبية لدعم التنمية و الذي ساهم بإرسال بعثات طبية إلى كافة ربوع هذا الوطن لإنقاذ و مساعدة أبناء وطنه  في حين أن الأول لا يعقب  حفلاته إلا المصائب من كل الأنواع ….

كم يحز في النفس الطريقة التي يمجد بها إخواننا المصريون بعضهم بعضا في أرض المهجر , كيف يصنعون لك  من زملائهم و من أبناء جلدتهم  شخصيات تحترمها بدون حتى أن تتعرف عليها في حين يرتبط تعريف بعضنا البعض دائما ب"لكن " في غير محلها "أستاذ جيد ضابط لعمله لكنه لا يحسن اللباس" "صحفي ممتاز لكنه لا يتواجد دائما في موقع الأحداث" "مناضل و مدافع شرس عن الحق لكن لا يواظب على صلاة الفجر أو يطلق لحيته أو….أو" دائما نحاول أن نجد ما نحبط به الأخر حتى أبناءنا لا نربي فيهم احترام و تقدير الأخر و بالتالي لا نعلمهم كيفية تقييم أنفسهم لأن تقييم عملنا يمر حتما بتقييم و احترام عمل الأخر.

النموذج الفرنسي و إن كان لا يختلف كثيرا عن النموذج المصري , فإنه يتميز بالكثير من الأنانية  إن لم نقل الإفراط في الأنانية التي تبتدئ بالتسويق للسيرة الذاتية للمتحدث أولا و من بعد ذلك إلى الزوجة و الأبناء لتنتقل بعد ذلك إلى تمجيد عظمة الدولة و المؤسسات , و إن لم يكن لذلك تأثير على الغربيين أنفسهم الذين يعتمدون التطبيق المشفوع بالنتيجة عوض التسويق اللفظي , لكن بالمقابل يجدون ضالتهم عند العرب عموما و عند المغاربة خصوصا بما يسمى بعقدة الفرنسي. وقد قال لي بعض "أصدقائي" من أصحاب الزواج المختلط الذي أفضى إلى أبناء فرنسيين أن ابنته التي مجد معارفها  ,قد قدمت أكثر من 100 طلب للعمل في فرنسا فلم تفلح حتى في الحصول على موعد لقاء ,لكنها في المقابل حصلت على 10 عروض عمل بالمغرب مباشرة كرئيسة قسم و بالراتب الذي فرضته ,فرجعت لبلدها فرنسا لتحزم أمتعتها إلى أرض المغرب , النماذج كثيرة و متنوعة دقنا مرارتها و يتذوقها كثير من أبناء شعبنا المتفوقين الذين تعج بهم شوارع الرباط كل يوم مقدمين ظهورهم  لهراوات  لا تعترف لا بالعلم و لا بالمعرفة.فهل هي أزمة ثقة بين أبناءنا؟ ,هل هي الزبونية و المحسوبية التي تحكم التوظيف ؟ هل  هي أزمة في مناهج التكوين التي لا تتناسب و سوق العمل المفرنس  التي نرتبط به في التوقيت  كما نرتبط به في آليات العمل؟ أم هل هي فقط عقدة الأجنبي التي لا تزال تطغى على جميع تعاملاتنا فتساهم, دون الرجوع إلى  الكفاءة, في إقصاء و تهميش  أبناء هذا الوطن الموجهون قصرا إلى العمل كيد عاملة عوض أن يتبوءوا   مواقع المسؤولية و التأطير ؟

 

و بالأمس القريب حصل أحد أساتذتنا في الكتابة الصحفية على جائزة  وطنية مستحقة على تحقيق قيم تطلب منه جهدا كبيرا من البحث و التقصي ,في موضوع يطبل له يوميا دون جدوى و متعلق بالبيئة في إقليم ابن سليمان على ضوء الاستنزاف التي تقوم به المقالع بجهة مفروض أن تكون ذي توجه إيكولوجي , فلم نكرمه بما يستحق و لو كان في دولة غربية لهب  المجتمع المدني معززا بالسلطات المحلية و الإقليمية و الجهوية لتكريمه و لفتح نقاش عمومي على ضوء هذا التحقيق , لكن الأخ ب.الحمراوي و من وراءه من علماء و مفكرين و كتاب رأي و شباب مبدع ومناضلين شرفاء لا يحتاجون إلى تكريم من هذا النوع بل فقط أن نقول لهم كلما مروا من مطاراتنا أو رأيناهم عبر شاشاتنا أو سمعنا عنهم عبر جرائدنا أو قرآنا لهم عبر مواقعنا ,هؤلاء هم أبناء وطننا رافعي رؤوس هذا الشعب ’ سفراء للعلم و المعرفة "بدون و لكن"  جزاكم الله علينا خير الجزاء.

نستحضر في الأخير عالمنا و مفكرنا الدكتور المهدي لمنجرة و الدكتور امحمد كسوس و جميع من طالهم النسيان من علماءنا الذين أسدوا للوطن خدمة ربما سنكرمهم عليها كعادتنا بعد أن تفل الأرواح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *