بما أن هناك من يسعى إلى تلويث مسامعنا بقضايا هامشية، ويهدف إلى كسب تكتلات بشرية لتسخيرها بعيدا عن الواقع المعاش ومطالبه المتعددة. والآنية.. والتي تستوجب تتبع ما يجري ويدور في أفق تشكيل حكومة مغربية جديدة… وبما أن لغة الغمز (كلنا مجرد … بضم الميم وفتح الجيم) الذي أطلقناها في وجه هؤلاء.. المجردين من وطنيتهم ومن الأخلاق البشرية… لم تحل دون وقف غوغائهم .. وأثبتوا من خلالها أن الغمز واللمز لا يكفي، وأنه كان علينا أن نتمم شعارنا بالقول الصريح والمباشر .. إننا (كلنا مجرد بشر من الدرجة الثانية… لا نستحق الاهتمام والدعم والمؤازرة…)… فكان لابد أن نذكرهم بالمجردين الحقيقيين الذين يستحقون الدعم والمؤازرة. والذين نجدهم هناك حيث الستار الإعلامي الأسود الذي يحول دون رؤيتهم بالعين المجردة…
… من يستحقون الدعم والتضامن يا سيدات ويا سادة.. هم المغاربة المجردين من أبسط حقوقهم المشروعة في الصحة والسكن والتعليم والشغل والعيش الكريم…
… هؤلاء … تجدونهم داخل الدواوير و (الكريانات) والأحياء الهامشية منعزلين… مجردين من كل لوازم الحياة… يعانون من تدهور الطرقات وأزمات النقل وارتفاع فواتير الماء والكهرباء وانعدام الشغل والارتفاعات المتزايدة للأسعار دون حسيب ولا رقيب… تم الدفع بهم إلى الاحتجاج والتنديد ليل نهارا… وتنظيم المسيرات والدخول في اعتصامات… تنتهي بإشباعهم (الزرواطة)، وبتلكؤ المسؤولين وتقديم التبريرات الواهية، والوعود الكاذبة…
…هؤلاء… تجدونهم أبرياء داخل السجون أو ضحايا لا يفارقون المحاكم ومراكز الأمن والدرك الملكي، يبحثون عن من ينصفهم من الظلم والجبروت… بعد أن أصبحوا مجردين من حقوقهم المشروعة في امتلاك عقاراتهم وأراضيهم، أو بعد أن تم النصب والاحتيال عليهم باسم القانون…. ظلموا بعد أن أدار القانون ظهره عنهم. باعتبار أن القانون المغربي لا يحمي المغفلين… علما أن المغفل هو مواطن مغربي وجب على الدولة حمايته واحتضانه أكثر من العالمين والعارفين بكيفية العزف على أوتار القانون.
… هؤلاء… تجدونهم يتعذبون خارج أرض الوطن…من طرف حكومات أجنبية (عربية أو غربية)، لا تحترم المغرب ولا حكومته… نساء وجال معتقلين بتهم واهية أو محتجزين داخل السجون أو داخل المنازل… مجردين من هوياتهم وكرامتهم ومحبطين بسبب صمت دولتهم الأم. رغم ما أطلقوه من نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعية والسفارات والقنصليات… منهم من طردوا من تلك البلدان بعد أن سلبت أموالهم وكل ممتلكاتهم وشردت أسرهم…
.. هؤلاء … وهؤلاء .. وأولائك…ومثلهم أعدادا مضاعفة… كل واحد منهم (مجرد) من حقوق ومطالب… ولازال يبحث من أجل استردادها من داخل مرافق الدولة المنتشرة هناك وهناك داخل المملكة السعيدة… من وزارات ومديريات وأكاديميات وولايات ومحاكم وباشويات وملحقات إدارية ودوائر …. هؤلاء ينتظرون تضامنكم … هؤلاء ألا يستحقون دعمكم… أم أنهم (مجرد) مغاربة …
… إنها لمهزلة أن ترى كيف… اشتعلت واشتغلت بعض المواقع الالكترونية والصفحات الاجتماعية بالمغرب، بعد اعتقال المطرب المغربي سعد لمجرد من طرف الشرطة الفرنسية، والمتهم من طرف القضاء الفرنسي بمحاولة اغتصاب فتاة فرنسية… فهناك من أطلق تضامنه مع المطرب المغربي، ومنهم من ذهب إلى اعتبار الاعتقال مؤامرة مخطط لها من طرف الاستخبارات الجزائرية. وهناك فئة ثانية استنكرت هذا التضامن الواسع مع المطرب الذي لازال لم يخضع بعد حتى للتحقيق. ولم يعرف بعد هل فعلا قام بجرمه، أم أنه فعلا ضحية… وهل القضاء الفرنسي متورط في مؤامرة أم أنه يقوم بواجبه كسلطة قضائية؟؟.
.. وهناك فئة ثالثة تنتقد المتضامنين ومعهم المسؤولين الحكوميين، بعد ما نشر من مبادرات التضامن والدعم والمؤازرة التي تلقاها المطرب المغربي على مستوى سفارة المغرب بفرنسا وبعض وزراء الحكومة المنتهية ولايتها، وخصوصا الحديث عن تدخل وزير الثقافة…وتتساءل كيف أن هناك مغاربة نساء وذكورا يعيشون الذل والمهانة والعنف داخل عدة دول وحتى داخل دولتهم . ولم يحرك أحد من هؤلاء المتضامنين والمسؤولين الحكوميين ساكنا من أجل إنقاذهم وإنصافهم….
…وقد تكون هناك فئات أخرى لديها وجهات نظر حول هذه القضية، التي أريد لها أن تطلق ضجة كبيرة… وقد تكون وجهات أنظارهم مختلفة ومتناقضة حتى…
… ليتضح جليا أن المشكل ليس في قضية (لمجرد)، ولا في صاحبها المطرب.. ولا حتى في نوايا من ركبوا على القضية… وادعوا المؤازرة أو التصدي لحملة كلنا (لمجرد)… ولكن المشكل الأكبر في كيفية تواصل بعض المغاربة الذين أدمنوا على تناقل الأخبار والمعلومات وخصوصا الفضائح والكوارث… وأدمنوا على التفنن في إعادة نسجها وإعادة حياكتها وإضافة ما تيسر من الأفكار من وحي مخيلاتهم، وإعادة نشرها… المشكل في الوسائل المستعملة من أجل شحن المتواصلين بمعلومات وحقائق وهمية… وجعل بعضهم يؤدون أدورا مختلفة في نقل المعلومة ودعم مصداقيتها حتى ولو كانت باطلة جزئيا أو كليا… أصبح الكل ناقدا ومحللا في جميع القطاعات الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية و… بعد أن أصبح بإمكان الكل أن يحدث جريدة خاصة (صفحة) داخل العالم الأزرق (الفايسبوك)…وفي ضل تلكؤ الحكومة في إخراج قانون الصحافة الالكترونية والورقية وإحداث قضاء خاص بالإعلام والصحافة…
…هؤلاء المغاربة… يختفون حين يتعلق الأمر بالقضايا الجادة، التي تهمهم، وتهم مستقبل أرضهم وعرضهم.. تجدهم غير قادرين على مجرد الإعلان عن تقديم الدعم والمؤازرة الشفهية لضحية فساد إداري أو مالي، أو ضحية تسلط مسؤول… غير قادرين على تقديم العون، حتى بأبسط ما لديه، لسانه أو قلبه…
… أليس من العيب والعار أن تطغى قضية (لمجرد) على أوليات المغرب في الظروف الحالية. وكيف أنه يتم تعمد استدراج المغاربة واستمالة عقولهم حول مواضيع تافهة أو غير ذات أهمية. لكي يشغلوهم عن الموضوع الأهم، والمتعلق بالتشكيل الحكومي المقبل. والمفاوضات التي تجرى في الكواليس بين حزب العدالة والتنمية، والأحزاب الراغبة في الانخراط والمشاركة في التسيير الحكومي… تلك المفاوضات التي أفرزت نتائج أولية زادت من إحباط السياسيين وتخوفهم من أن ينتهي المخاض الحكومي بولادة قيصرية. وأن يكون المولود الحكومي المرتقب معاقا جسديا ونفسيا. وأن يزيد من معاناة المغاربة المتطلعين لغد مشرق… حيث أن معظم الأحزاب السياسية سال لعابها على الاستوزاز… ونسيت حتى أهدافها وبرامجها وأن هناك تحالفات لا يمكن أن تتم، لأنها لن تخدم المواطن المغربي.. وستدخل البلاد في مأزق ما يعرف بالدعارة السياسية. حيث سنحصل على (بناشي)، كوكتيل ممزوج بين ال (إسلامي، يساري، شيوعي، اشتراكي، والأرنبات وداكشي).. وستنعدم المعارضة… إلا من بعد اليساريين الذين لم يحصدوا سوى مقعدين داخل قبة مجلس النواب.. في الوقت الذي ستكون فيه معارضة قوية تخدم رجال ونساء الأعمال الأثرياء. والمتمثلة في حزب الأصالة والمعاصرة. الذي تمكن من بناء قواعده باعتماد هذه الفئة التي تدفع بسخاء.. وطبعا هذه المعارضة الأخيرة لن تزيد الواقع المعاشي للمستضعفين المغاربة إلا بلة. ..