بالامس حين خسر المنتخب الوطني النسوي مباراته الأولى ضد المنتخب الألماني في إطار منافسات كأس العالم للسيدات 2023، بعد تلقي شباكه ستة أهدف نظيفة. و في انتظار ما كانت ستفرزه المباراتين الثانية والثالثة أمام كوريا الجنوبية وكولومبيا. واللتان ستحددان مصير المنتخب الوطني. خرجت اصوات واقلام تسخر وتهين في العنصر النسوي. وتلمح الى ان مكان المرأة في ( الكوزينا).. ووو….الخ .. لكن المنتخب النسوي عاد لينتفض ويرمي خلفه تلك الهزيمة التي كان لها اسبابها النفسية ولا علاقة لها بما تختزنه لبؤات المغرب من مهارة واحترافية وعزيمة .. لتحقق انتصارين على كوريا الجنوبية وكولمبيا وتنتزع التأهل إلى دور الثمن عن جدارة واستحقاق .. وتبطل تكهنات كل المهتمين والاعلاميين .. في انتظار ان تنتزع التأهل إلى دور الربع امام المنتخب الفرنسي الذي يقوده المدرب رونار العالم بكل تفاصيل الكرة المغربية ..
خسارة مباراة رياضية تفرض أن ندخل في جدل رياضي، لا أن نهاجم جنس هواء (نصف البشرية)، أو نسخر منه عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت مستوطنة من طرف رواد التفاهة والميوعة والسفاهة. ولو أن الخوض في الأسباب والمسببات لا يحتاج الكثير من النقاش. لأنه لا يمكن المقارنة بين (الماكينا) الألمانية المحاطة بمهندسي الرياضة وروادها داخل الأسر والمدارس والأندية والمجتمع. وبين منتخب بلد لازال يحتاج إلى تنقية وتطهير العقول من رواسب الماضي الذكوري.
ففي منطق كرة القدم الذي يعتبر علما وليس ضربة حظ. لابد من التذكير بالمعطيات الرياضية الخاصة بالمنتخبين المغربي والألماني. والقبول بكل روح رياضية بالنتيجة. بل لابد من تهنئة اللاعبات على أداءهن ومثابرتهن طيلة دقائق اللقاء. خسارة سجلت في عدة مباريات نسوية ورجالية. ولحقت بأكبر المنتخبات العالمية. لكنها تبقى نتيجة مباراة محددة الزمان والمكان. ومبنية على معطيات وركائز لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها. خسارة منتخب واعد حظي بمشاركة في الكأس العالمية،تعتبر الأولى وطنيا وعربيا. من طرف منتخب يمتلك رصيدا كبيرا في الممارسة والاحتراف. وبإمكانه إنزال الخسارة وبنفس النتيجة أو أكثر على أعرق المنتخبات الدولية.
لتكرار الحلم الركراكي، وتحقيقه بصيغة المؤنث، لابد من الوقوف على واقع الممارسة النسوية بالمغرب. ومساءلة المنتخبين والمسؤولين عما قدموه للارتقاء بكرة القدم النسوية.
لنتساءل كم فريق نسوي تم احتضانه من طرف مجالس الجماعات والعمالات، والمجالس الإقليمية والجهوية، وكم فريق نسوي أحدث داخل دور الشباب وملاعب القرب، وكم مستثمر احتضن أندية كروية نسائية. بل لنتساءل كم أسرة مغربية سمحت وتسمح بممارسة بناتها كرة القدم. وكم أب وأم يسمحان بأن يرتدي بناتهما البدل الرياضية الخاصة بكرة القدم.. وكم مدرسة ابتدائية، إعدادية، تأهليية أو جامعية تتوفر على نادي كرة القدم النسوية ؟؟؟..
فحتى المدارس ودور الشباب والثقافة تعرف قصورا على مستوى الخدمات المقدمة للإناث. ليس فقط في نوعية الأنشطة التربوية والثقافية والفنية وغيرها.. ولكن لأن رائدات تلك المرافق العمومية تعاني من التمييز الجنسي والتحرش الجنسي، والنقص الحاد أو المنعدم لمجموعة من المرافق الحيوية الخاصة بهن. كالمراحيض ومستودعات تغيير ملابس لممارسة الرياضة أو الأنشطة الموازية.غياب مراكز الإنصات والمصاحبة والإسعاف. وصعوبة التنقل إلى بعض المؤسسات بسبب البعد أو القصور الأمني. ومخاطر تواجد الذئاب البشرية والكلاب الضالة والأفاعي والعقارب والأودية والثلوج وقطاع الطرق والمنحرفين الذين اعتادوا اقتناص الجنس اللطيف وتعريضه للسرقة والعنف والتحرش.
ففي الوقت الذي أصبح للمرأة أدوارا رائدة في العالم. لازال البعض في وسطنا يفرزون أنانيتهم وغرورهم من أجل التقليل والتقصير من شخصيتها. لازالوا يواظبون على الاستفراد بمناصب القيادة على اعتبار أنهم هم الراشدين، والقادرين على توجيه الإناث واحتضانهن ومصاحبتهن. يرفضون الاقتناع بأن للمرأة قدرات عقلية وفكرية وسلوكية وحتى جسدية، تضاهي أو تتجاوز قدرات الرجل. يرفضون التعاون والتلاحم والتكامل بين الجنسين. وترك القيادة والريادة في مختلف القطاعات لمن يستحقها.
متى يتم القطع مع أساليب فرض الوصاية على المرأة عوض إفساح المجالات أمامها لتنال ما تستحق بجدارة ؟. إلى متى نستمر في فرض قوانين عرفية لا أساس لها في دستور البلاد بغرض التحكم في المرأة (الأم، الزوجة، الإبنة، الأخت …) ؟.. إلى متى تستمر (الكوطة) المعتمدة في الانتخابات الجماعية والتشريعية وداخل المكاتب المنتخبة لبعض الهيئات والمنظمات. والتي تعتبر صدقة جارية ملغومة يمنون بها على النساء. (الكوطة) تحمل إشارات غير منصفة للجنس اللطيف بل مهينة له. منها على الخصوص أن المرأة غير قادرة على انتزاع حقوقها وفرض وجودها ورؤاها. وأن الرجل هو من يساعدها على المشي، ويدفع بها للالتحاق بركبه. وهو من يؤثث لها مقاعدها ومساراتها. إلى متى نبقي على أن (وراء كل رجل عظيم امرأة). من أجل ترسيخ مكانة الوصيف للمرأة. وفرض وضعها خلف الرجل، تتظلل بظلاله وتحيى بحمايته. علما أن معظم العظماء لا يتلذذون فقط بالركوب على نضالات النساء. بل إنهم لا يترددون في سرقة إبداعاتهن وأفكارهن ونسبها إليهم.
غريب أمر هؤلاء الذكور من البشر الفاقدين لكل صفات الإنسانية والرجولة. هؤلاء المصلحون بالوكالة. الذين لا شغل لهم في الحياة الدنيا سوى تحقير الإناث وإبعادهن عن كل مناحي التدبير والتسيير الأسري والمهني.. وسلبهن حقوقهن وتجريدهن من كل معاني الكرامة والعفة التي تميز الإنسان عن الحيوان. يسخرون القوانين الأرضية والربانية لضرب المرأة وتمييع الأنوثة. مدمنون على فرز نزواتهم الغريزية. وبارعون في انتقاء وتأويل السور والآيات القرآنية، يقفون في معظمها عند (المال والبنون زينة الحياة و..، ويل للمصلين ..، ونساءكم حرث لكم..)، لصد دفاعات أصحاب الحقوق المشروعة من النساء. وتبرير جرائمهم ضد جنس هواء. في الإرث والزواج والمتعة والطلاق والوصاية والحجر والأعمال الشاقة المنزلية والفلاحية.. متشبثون بظهائر شريفة تعود لعصور أكل الدهر عليها وشرب. عصور كانت لا تقيم وزنا ولا قيمة للمرأة (الأم، الزوجة، الأخت، البنت، الزميلة، الصديقة..). نذكر منها على الخصوص تلك الظهائر التي تستثني النساء السلاليات من الإرث. وتحرمهن من حقوقهن المشروعة دستوريا ودينيا. حيث تعيش آلاف النساء والأسر التي أفرزتها على مدى عقود، جحيم الفقر والتشرد. فيما ينعم ذكور السلاليات بأملاكهم. ظلم الذكور لازال قائما ومستمرا.
لا أحد من الرجال ينكر أن المرأة المغربية فرضت بقوة وجودها ومكانتها في كل مناحي الحياة (العلمية والأدبية والثقافية والفنية والرياضية و..)، وطنيا ودوليا. لكن لا أحد ينفي كذلك أن المرأة هي الأكثر عرضة لكل أنواع العنف والإقصاء والتهميش في كل خطواتها ومساراتها.. ولا أدل على ذلك، أنه عندما يتم تشخيص العنف اللفظي والجسدي وإحصاء وتصنيف ضحاياه..نجد المرأة في صدارة الضحايا داخل الأسرة ومقرات العمل وبالشارع العام. يضاف إليها اكراهات التحرش والاستخفاف التي تواجهها المرأة أينما حلت وارتحلت. إن أكثر ما يهين المرأة بالمغرب والعالم، هي تلك الأيام الوطنية والدولية المهزلة الخاصة ب(الأم، المرأة، النساء، الزوجة. الفتاة، الأسرة..)، تلك المناسبات التي يقرها الذكور لتهدئة غضب واستياء وإحباط الإناث. ولتكون فترات سنوية للفسحة والترفيه بالنسبة للعنصر النسوي، بعد أشهر من التهميش والإقصاء والمهانة داخل زنازين الذكور. ألغوا الاحتفاء بتلك الأيام وتخليدها.. لأن استمرارها يؤكد استمرار احتلال العنصر الذكوري، ورفضه منطق المساواة الذي تفرضه الطبيعة على كل الكائنات الحية. والذي هو السبيل الوحيد لاستمرار الحياة.. ولعل أكبر دليل على سمو الإناث ما يقع داخل مملكة النحل الذي تنتج العسل، وتتربع على عرشها أنثى.. فما مدى قيمة منتوج هذا البشري الذي يرفض إنصاف المرأة ؟.
عندما نتفق أنه بإمكان الفتاة ممارسة كرة القدم بكل طقوسها في اللباس والتدريب و… وعندما نحرس على أن تستفيد بنفس الإمكانيات والموارد المالية والبرنامج الزمني. عندها يمكن مطالبتهن بالعطاء والاترقاء.. وإلى حين حدوث ذلك فهنيئا لنا بنساءنا وبكل ما حققن في الرياضة وغيرها. لأنه يبقى تحدي في مواجهة إعصار الأنانية الذكورية.. وأكتفي بالتضييق على شاعرنا الراحل الإمام الشافعي واقتباس كلمات من قصيدته المشهورة : نعيب زماننا والعيب فينا.. لأقول لهؤلاء :
نعيب نساءنا والعيب فينا .. وما لنساءنا عيب سوانا
تحياتي