لماني: لسنا عائدين ولا محتجزين … نحن مغاربة مدنيين اختطفنا من قلب المغرب
…. ربع قرن من الاختطاف والتعذيب من قبل جنرالات الجزائر وصنيعتها البوليساريو تكشف الوجه الخفي والقبيح لسلطات الجارة الشقيقة
قال إنهم مجموعة من المدنيين مختطفين من قلب المغرب المستقل، من قبل عصابات البوليساريو، وإنهم ليسوا من فئات العائدين استجابة للنداء الوطني( إن الوطن غفور رحيم) وليسوا من المحتجزين السابقين، وإن وضعيتهم الغامضة من لدن الرأي العام تحول دون بعث رسائلهم التي تحكي بالتفصيل ما تعرضوا له من طرف الآلة العسكرية الجزائرية وصنيعتها البوليساريو… تفاصيل مملة للعذاب والشقاء الذي عاشوه كسجناء حرب إلى جوار الأسرى العسكريين المغاربة ، ومدنيين موريطانيين وماليين رفضوا التجنيد وآخرين من جنسيات مختلفة … داخل سجون الذل والعار بتراب الجارة الشقيقة الجزائر.
عبد الله لماني الكهربائي الذي اختطف من طرف عصابات البوليساريو أثناء سفره من الدار البيضاء إلى مدينة طاطا هو من كشف عن وجود مدنيين مختطفين بالسجون الجزائرية، بعد أن سرب من داخل سجن الرابوني لائحة بأسماء وهوية 142 أسير مغربي أعدموا من طرف المخابرات الجزائرية وخريطة مقبرة جماعية ل45 مغربي ضمنهم عشرة مجهولي الهوية، لجمعية فرنسا الحريات التي ترأسها دانييل ميتيران زوجة الرئيس الفرنسي السابق، ويتساءل عن مصير التقرير الفرنسي الذي أعاد جمعية فرنسا الحريات إلى صوابها، وأبرز لها حقائق ما يجري بسجون تندوف، وعن مصير مندوبة الجمعية عفيفي كرموس الفرنسية ذات الأصول التونسية والتي أدمعت عينيها عند رؤيتها لجحيم تندوف، فقررت دعم الأسرى المغاربة، لكن اسمها اختفى واختفى معه التقرير الصادم للسلطات الجزائرية الذي سبق ونشر على موقع الجمعية الالكتروني، وتطرق لماني إلى مذكراته التي تحللت بفعل عوامل الطقس بعد أن ضل يحررها لمدة سنتين خلسة على أكياس الاسمنت الكرتونية بقلم الرصاص ويدسها تحت رمال الصحراء، و قبل أن يعيد كتابتها ويسربها عبر طبيب فرنسي، والتي كشف من خلالها عن معانات الأسرى المدنيين والعسكريين داخل السجون الجزائرية.
الحلقة الثانية : المدنيين والعسكريين المغاربة على حد سواء في التعذيب والأعمال الشاقة
حدثنا عن عمليات الاستنطاق التي تعرضت لها رفقة باقي المحتجزين؟
قلت انه تم استنطاقي من طرف ضباط جزائريين، فيما كان أفراد البوليساريو يتابعون فقط ما يجري، ويتدخلون بأمر من الضباط من أجل تعذيبنا، يريدون معلومات نحن نجهلها كمدنيين، لكنهم يسرون على اخذ اعترافات غير صحيحة لأهداف معينة، كان العذاب يومي إضافة إلى الأشغال الشاقة والتجويع خدمة للكتيبة التي كنت عبدا لها، بلغنا مرحلة لم نعد نعلم هل ما يقع لنا حقيقة أو وهم، يتلذذ الضباط الجزائريين يوميا بآلامنا، تم نقلي إلى مكان آخر حيث وجدت 15 جنديا مغربيا أسيرا، أكدوا لي أنه تم اختطافهم حينها من منطقة سيدي عمارة التابعة لمدينة أقا، وهي أراضي مغربية مستقلة منذ سنة 1953، وجدتهم يحفرون الآبار والمخازن الأرضية للأسلحة والسيارات والمدافع والدبابات… بواسطة (البالة والفأس)، يعملون ليل نهار بدون انقطاع، وتمنح لهم في بعض الفترات الليلية نصف ساعة أو ساعة للنوم مفترشين الأرض، وكل من وجد يفترش حجر أو كتلة رملية يلقى العذاب العظيم. أصبحت أسيرا مثلهم أذوق نفس العذاب اليومي.
18 ساعة من البالة والفأس بدون راحة أو انقطاع ، توعكت يدي وجرحت وأصبحت كفي كلها حمراء بدم الجروح، ولم أعد استحمل الأكل (الأرز بالغبار) ، أصيب الكثير منا بمرض (الإمساك ) (القبض)، نشرب مياه معفنة مخزنة داخل براميل الوقود الفارغ، رائحتها كريهة ومذاقها خبيث، أصبحنا مثل الحيوانات، وتلك الفترة القليلة التي ننام فيها، نعيش وسط الأحلام المزعجة والكوابيس، وقد تحلم انك حر طليق تتجول بمدينتك، لكن وبعض لحظات تستفيق على الم الأسلاك الكهربائية وهي تزركش مختلف جسدك، لتصاب بالهوس والانهيار النفسي الذي أدى بالعديد إلى فقدان العقل.
عندما تكون في الخلاء تعمل كالعبد، لا يمكنك تحريك عنقك، أو تنظر إلى ما حولك أو تنظر إلى زميلك المعتقل، ووكل من خالف أوامرهم ينال الضرب بأسلاك كهربائية، فالتعذيب كان غذائنا اليومي (رجيم) حتى بدون مخالفات.
نحن مثل العبيد يوزعوننا على ثماني نواحي بها كتائب تمتلك السجناء، ينظفون لهم ملابسهم وأغطيتهم، ويطبخون لهم ويحفرون لهم الآبار والخنادق، نوقض النيران ونجلب الماء من الآبار لهم وللرعاة الموريتانيين لتشرب إبلهم…حتى الموريتانيين الرعاة (السراح ) كانوا يلجون إلى منطقتنا ويشربون مواشيهم من الآبار التي نحفرها بسواعدنا.
نقلوك رفقة بعض الأسرى المدنيين والعسكريين بعد حوالي سنة من الاختطاف إلى سجن مركزي للكيان الوهمي، ماذا عرفت عن هذا السجن؟
تم نقلي إلى سجن يدعى (الرابوني) رفقة أربعة عشر جندي أسير، ومباشرة بعد وصولنا، تم استنطاق الجنود وهم صحراويين مغاربة، من طرف أعضاء من القيادة المركزية الوهمية، ولم يستنطقوني بحكم أنني مدني، وضعنا جميعا في غرفة صغيرة وطبقت علينا سياسة التجويع، وجبة واحدة كل يوم، وتسريح يومي لدقائق كل يوم عند الغروب من اجل قضاء حاجياتنا الداخلية، وكل أسير طرق الباب طالبا ماء للشرب أو قضاء الحاجة يتلقى العذاب الأليم، لدرجة أننا كنا نتبول ونغيط داخل ملابسنا.
بعد أشهر أخرجونا من تلك الزنزانة الضيقة، وجمعونا بباقي اسري السجن، كانت حينها حوالي 600 سجين، رأيتهم في الوهلة الأولى ، فضننت أن سجن للمسنين، كلهم ضعاف الجسم والشيب يملأ شواربهم ولحياتهم وشعر رؤوسهم، اقتربت من بعضهم ودخلنا في حديث حذر ، لاكتشف أنهم جنود مغاربة معظمهم شباب، حولهم العذاب اليومي إلى هياكل عظمية متحركة، غطى القمل أجسادهم.
دخلت رفقة هؤلاء الجنود الأسرى في أسلوب الحماية من أي شيء جميل وصحي الذي فرضته البوليساريو بأمر من ضابط جزائريين، اشتغلنا في الحفر وحمل الأثقال شمال دولتي مالي وموريتانيا، دخلنا الأراضي المالية والموريتانية عدة مرات أمام أنظار الجنود الماليين والموريتانيين، بل أن بعض الرعاة الموريتانيين وطدوا علاقاتهم مع البوليساريو لدرجة أننا كنا نقوم مقامهم في تدبير أكل وشراب جمالهم.
كانت هناك أحزمة مغربية خاصة فقط بالمدن (الداخلة والعيون..)، وكانت الكتائب تنسل إلى ما بين الأحزمة وتتسرب إلى داخل التراب المغربي، وتستغل السجناء للعمل في على خلق المسالك بين المدن المغربية إلا أن تم بناء الحزام الأمني الكبير.
وكل من حاول الهرب يكون مصيره العذاب حتى الموت، كما تتم معاقبة الكل بالجوع والعراء والضرب بالسياط.
هناك فصلين فقط الصيف الحارق والشتاء البارد القارس، يتركوننا في العديد من المرات حفاة وعرات حتى مطلع الفجر، والصفارات(يسمونها المحاضرات) تدوي كل نصف ساعة من أجل إيقاظنا، كلما أحب (رشقات) صاحب الصفارة وعلينا النهوض بسرعة والوقوف مصطفين عراة.
هل جمعت معلومات عن سجون البوليساريو بالجزائر؟
بعد عقد من الأسر داخل سجن الرابوني، تغيرت نظرتي للأشياء، وتغيرت معها تصرفات عناصر البوليساريو الذين ألفوا زيارتنا كل يوم وتعذيبنا، فمع الزيارات المتتالية لممثلي الصليب الأحمر الدولي والجمعيات مدنية أوربية وممثلي بعض وسائل الإعلام ورغم قلتها وولاء معظمها للأجهزة الاستخباراتية الجزائرية، فان حدة المراقبة والتعذيب خفضت نوعا ما، وتيسرت معها عملية البحث عن معلومات أو تسريب بعضها، مما جعلني أواظب على استفسار الأسرى المغاربة عن كل ما رأوه وسمعوه أو عاشوه، اطلب من السائقين معرفة عدد الكلمترات التي تفصل السجون والمراكز والعاصمة الجزائرية ومدينة تيندوف، فمثلا
يوجد سجن الرابوني الذي بجواره ما يسمى لديهم بوزارة الدفاع البوليساريو، الذي اكتشفت حقيقته بعد مكوثي داخله حوالي 22 سنة ، فقد كان وأظنه لازالا مركزا للمخابرات الجزائرية، به ضباط جزائريين ومعهم مستشارين عسكريين كوبيين، فيما أفراد البوليساريو كانوا فقط خدام ينفذون أوامرهم.
وسجن الرابوني يبعد ب 26 كلم جنوب تيندوف. ولدى الكيان الوهمي سجنين رئيسيين وهما سجن الرابوني وسجن آخر يطلق عليه اسم سجن تسعة يونيو يوجد في الجنوب الشرقي لتيندوف بحوالي 30 كلم وسبعة كلم عن الرابوني، بها أكبر عدد من المغاربة عسكريين ومدنيين ، وفي حالات الطوارئ يجمعوننا داخل سجن واحد يصل العدد الى900 معتقل، كما لديهم حوالي 22 سجن ثانوي يلقبونها بالمراكز، إضافة إلى ثمانية كتائب تستخدم السجناء عبيدا لخدمتها، ينامون وسط حراستهم ويخدمونهم بالنهار.
وهي سجون شبيهة ب(الموقف) لليد العاملة. كل الكتائب تقتني منها اليد العاملة.