الرئيسية / نبض الشارع / هذا عن إقليم ابن سليمان المحتل

هذا عن إقليم ابن سليمان المحتل

لا أدري هل هي شيمة جميع المدن الصغيرة أن يبتليها الله بمسؤولين تتأرجح أوسمتهم بين مسؤول فاسد "خارج ليها طاي طاي " ، ومسؤول هو الراعي الرسمي للفساد ، ومسؤول يهاب الفاسدين ، فيستر كبائرهم ، ويلتمس لهم تسعة وتسعين عذرا ، الموجع في الحكاية أنه في مدينة ابن سليمان اجتمعت الاصناف الثلاثة .

لمن لا يعرف مدينة ابن سليمان فهي مدينة خجولة ، لم يبق فيها من الجمال بفعل الإهمال سوى "حروفو" ، وهي مدينة "ولافة" ، والاكثر من ذلك مدينة صبورة ، تبتلع آلامها وهي تخط آمالها ، مدينة كان من المتوقع علميا وتقنيا أن تكون منتجعا طبيعيا بفعل ما حباها الله به من فضاء أخضر شاسع يسيجها من كل الاتجاهات ، حزام غابوي أخضر من أشجار العرعار والفلين والكالبتيس ، وحقول معطاءة متنوعة الغلة من كل جانب ، وتنوع في التضاريس بين الانبساط والانحدار ، وتخترق مدينة ابن سليمان وديان وأنهار تشق مجاري الحياة ، وهي مدينة برمائية ، فيها شيء من البحر وكثير من البر ، ومدينة ابن سليمان تتوسط العاصمتين الادارية والاقتصادية على بعد أقل من خمسين كيلو متر ، كل هذه المعطيات تجعل المتخصصين يحسمون أن الموقع الاستراتيجي لهذه المدينة العفيفة ، سيجعل منها إيفران الوسط ، لكن الفرق ما بين ايفران وابن سليمان هو نفسه ما بين السماء والارض .

باتت قاعدة لدى كل أهل المدينة ولدى الدواوير المجاورة لها ، أن كل مسؤول "فيه شي سخطة " يتم تعيينه ل" يرعى " أو "يسرح " أهل المدينة ، فكلهم راع وكلهم مسؤول عن "كسيبته " ، الغابات يتم نهبها من طرف مافيات المقالع ولا من يحرك ساكنا ، الطرق والمسالك والقناطر منعدمة والدواوير تعيش حصارها منذ عشرات السنين ولا من يحرك ساكنا ، النقل السري تحول الى شركة متعددة الجنسيات في المدنية ولا من يحرك ساكنا ، المقالع التي تكالبت على هدوء المدينة وافتضت بكارتها وعذريتها تستنزف خيراتها وتقتل سكانها ، وتزج بمعارضي جرائمها في السجن ، ولا من يحرك ساكنا ، أطفال البوادي يهجرون المدارس بفعل قلة حيلة الأهل ، وضعف المنتوج التعليمي ، ولا من يحرك ساكنا ، الشأن السياسي في المدينة يعيش تحولا ومخاضا ، حيث قام الأعيان بتنصيب الأبناء خلفا لهم في "رحبة الانتخابات " ، وسار الابن على منوال الاب في وكالته العقارية التي شعارها : "بيع شراء كراء ورهن المناصب والكراسي بجميع الوسائل " ، ولا من يحرك ساكنا ، سنوات الجفاف المتوالية جفت معها الآبار والجيوب ونفقت بسببها القطعان ، فعاش الفلاحون عطشا وفقرا ،وإذا كان هناك من برنامج للتخفيف من آثار الجفاف انقض عليه "الخوت " وتركوا الفلاحين " عا يشوفو " ، ولا من يحرك ساكنا ، عقود شراكة يتم بموجبها نهب المال العام مع سبق الاصرار والترصد ، وفي قلب مديرية الفلاحة ، لم يقو الموقعون على عقدهم بغلافه المالي الذي قارب المليار والنصف حتى على تأريخ العقد ، مخافة أن تضبطهم الارقام و التورايخ في حالة تلبس ، أوهموا الفلاحين بمشروع غرس شجر الرمان ، لكنهم غرسوا في الفلاحين أظافرهم وأنيابهم ومصوا دمائهم ، واستولوا على قيمة الصفقة ، والشكايات لدى رئيس الحكومة ووزير الفلاحة والداخلية والعدل ، وعند العامل وعند المدير الجهوي للفلاحة وعند مدير وكالة التنمية الفلاحية ، ولا من يحرك ساكنا ، الناس في الدوار الواحد منهم من أوتي كتابه بيمينه ففاز بنعمة الكهرباء ، غير المغضوب عليهم سياسيا ممن رفضوا تقديم الولاء والطاعة لتجار السياسة ، فكان ان عاشوا في ظلام ابدي حتى "يعطيو الطوع " ويأتون ساجدين راكعين بين يدي معالي المسؤول ، ولا من يحرك ساكنا ، نصف أحياء المدينة لا زال عبارة عن عقارات غير محفظة ، وكل مالك من الملاك هناك يتأبط رسم ملكيته ، ولا من يحرك ساكنا ، فواتير المكتب "الوطني " للكهرباء تقوم على نظرية " آرا ما عندك فيك فيك " ، بما يشبه "لعبة التيرسي " فتكون "أنت وزهرك " ، قد يظل منزلك شاغرا طيلة ستة أشهر ، أو تكون مكتريا لغرفة في السطح ، و تتفاجؤ بفاتورة تتجاوز ألف درهم ، وقد تصل الى خمسة آلاف درهم ، و"خلص وشكي ، وإلا ما عجبك حال شرب الواد الحار " ،ولا من يحرك ساكنا ،  المشاريع المغشوشة هنا وهناك ، هياكل اسمنتية لقناطر وقع فيها " البيع والشرا " فغرقت القناطر قبل الانتهاء من بنائها ، وطرق وصل عمق حفرها الى ما يخفي سيارة بركابها ،فضحتها الوقفات الاحتجاجية ، والمقالات الصحفية ، لكن الممون الرسمي للفساد احتوى المحتجين وباع لهم الوهم بالأطنان ،  ولا من يحرك ساكنا .

هذه مدينتي ومسقط رأسي ، بالله عليكم ألا يشبه حالها ، حال مدينة احتلها العدو ، فقرر الانتقام من أهلها ، عن طريق تفقيرهم و تهجيرهم والمتاجرة فيهم ، إنها شيم المدن المحتلة ، لذلك فإن مدينة ابن سليمان مدينة محتلة ، وهي تنظر أن يظهر صلاح الدين من بين ابنائها ليحررها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *