أبان الملك محمد السادس في خطابه ليلة أول أمس الأحد تخليدا للذكرى ال64 لثورة الملك والشعب، عن مدى احترامه الدقيق والدائم لكل مناسبة، وأبعادها ومراميها. وعكس ما كان البعض ينتظر من أن يعيد الحديث عن ضرورة ربط المسوؤلية بالمحاسبة وأن يوجه غضبه صوب جهة ما أو شخصية ما بالمغرب. فإن الملك العالم بكل فصول وبنود دستور البلاد، والملك الذي سبق ونصح وحذر وأنذر و.. في خطابه السامي لعيد العرش الأخير فضل انتظار تفعيل قراراته، والتوصل بتفاصيل التحقيقات والأبحاث الجارية والجلسات القضائية.. وركز في خطابه السامي على ما ميز تلك الثورة من تلاحم وتكتل بين الشعب والملك. وما أفرزته من نتائج لم يكن المستعمر يترقبها..ذلك التلاحم الذي لابد أن يترسخ اليوم بين الملك والشعب من أجل نهضة المغرب، والرفع من موقعه قاريا.. مشددا على ضرورة أن تتسع رقعة التلاحم والتكتل لتشمل كل الأفارقة.. وأن يعلن الشعب الحرب على مروجي المغالطات والموالين لهم، وأن يدركوا أن التعاون المغربي/ الإفريقي لن يضر في شيء مصالح المغاربة، بقدر ما سيزيد من نهضتهم ويقوي مكانتهم إفريقيا ودوليا.
ثورة 20 غشت، تطلبت ملكا مجاهدا وشعبا مناضل من أجل إجلاء المستعمر والإعلان عن استقلال المغرب.. وذكراها ال64، تتزامن هي الأخرى مع فترة انتفاضة ملك وشعب من أجل إجلاء الفساد والمفسدين من دواليب التسيير والتدبير الداخلي للبلاد. ملك مجاهد قاوم على عدة جبهات داخلية وخارجية، وشعب مناضل قاوم ويقاوم رموز الفساد والاستبداد الذين أنهكوا جسد الوطن، وعاثوا فسادا بثرواته ومواطنيه. وأساءوا للشعب والملك، وشلوا نهضة البلاد.. الفرق بين الثورتين، أن هناك اليوم من بين أعداء وخصوم الوطن، من يدير بعض أطراف النضال الشعبي بأجهزة تحكم عن بعد… وأن هؤلاء المناضلين لا يدركون أنهم دمى تحركها تلك الأيادي المتعفنة، المتخصصة في رعاية الفتن والحروب القبلية.. وهو ما يقلص من مستوى التكتل الكامل والشامل المفروض أن يرسخ علاقة الملك بالشعب..
أكد الملك أن تلك الثورة الشعبية، كانت تلقائية نابعة من أعماق وجدان وأرواح المغاربة. وكانت مبنية على قيم التضحية والوفاء. حركات التحرير بالمغرب الكبير وبإفريقيا من شمالها إلى جنوبها. وأنها عمقت الوعي والإيمان بوحدة المصير، بين المغرب وقارته، بداية من الكفاح المشترك، من أجل الحرية والاستقلال..وأوضح أن توجه المغرب إلى إفريقيا، لن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية. بل إنه (سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وسيساهم في تعزيز العلاقات مع العمق الإفريقي).وأضاف (كان له أثر إيجابي ومباشر، على قضية وحدتنا الترابية، سواء في مواقف الدول، أو في قرارات الاتحاد الإفريقي. وهو ما عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف، على مستوى الأمم المتحدة).
ملك البلاد ذكر بأن( 2016 كانت سنة الحزم والصرامة، وربط القول بالفعل، في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا)، في إشارة واضحة إلى ما تعرض له المغرب من مناورات فاشلة للنيل من وحدته الترابية، من طرف خصوم الوطن وفي مقدمتهم النظام الجزائري والأمين العام السابق للأم المتحدة (بان كيمون). وأكد أن (2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء). مشيرا إلى أن قرار مجلس الأمن لأبريل الماضي، سار على درب نهج وحزم المغرب. وتم ضع مسار التسوية الأممي على الطريق الصحيح، (سواء في ما يخص الالتزام بمرجعيات التسوية، وتثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي). مذكرا بأزمة “الكركرات”، التي تم تدبيرها (بطريقة استباقية، هادئة وحازمة)، مكنت (من إفشال محاولات تغيير الوضع بصحرائنا، ومن دفن وهم “الأراضي المحررة”، التي يروج لها أعداء المغرب).
خطاب لم يكن موجها للمغاربة فقط، بل إن جزء منه وجه لأعداء وخصوم الوطن، الذين ما فتئوا يزرعون الفتن، من أجل زعزعة استقرار المغرب. والحديث هنا عن هؤلاء الذين يسوقون الأكاذيب لأهداف ومرامي العودة إلى الحضن الإفريقي. وسياسة التلاحم والدعم التي سلكها المغرب اتجاه مجموعة من الدول الإفريقية. هؤلاء الذين يدعون بأن الدولة تنفق أموالا كان من الأولى إنفاقها على المغاربة. كان الرد واضحا وشافيا، إذ أكد الملك أن المغرب لم ينهج يوما سياسة تقديم الأموال، وإنما اختار وضع خبرته وتجربته، رهن إشارة إخواننا الأفارقة)، موضحا (أننا نؤمن بأن المال لا يدوم، وأن المعرفة باقية لا تزول، وهي التي تنفع الشعوب). مشيرا إلى تلك الدول تعرف أن المغرب غير قادر على دعمها ماليا، لكنها تطلب من المغرب التعاون معها، ودعم جهودها في العديد من المجالات، وليس العكس. ويدركون حرص المغرب على بناء شراكات مثمرة معها، تقوم على استثمارات وبرامج تنموية مضبوطة، بين القطاعين العام والخاص، في الدول المعنية. هؤلاء يروجون المغالطات، أما الذين يعرفون الحقيقة، ويدعون أن المغرب يصرف أموالا باهضة على إفريقيا، بدل صرفها على المغاربة. أكد الملك أنهم لا يريدون مصلحة البلاد.
كما وجه جزء آخر منه للأشقاء الأفارقة. وخص بالذكر تلك الدول التي تربطها بالمغرب علاقات ثنائية، حتى قبل عودته للحضن الإفريقي.. وجدد التأكيد على أن تلك الدول لن تتضرر في علاقاتها مع المغرب. وأن العودة المغربية للقارة السمراء، لن يكون إلا مكسبا إضافيا لها.. وانطلاقة لمرحلة جديدة من العمل والتلاحم، من (أجل تحقيق شراكة تضامنية حقيقية، والنهوض الجماعي بتنمية قارتنا والاستجابة لحاجيات المواطن الإفريقي).
رؤية ملك المغرب، للحضن الإفريقي، تختلف عن باقي الرؤى والبرامج والمخططات.. فالزعيم المغربي يريدها قارة (واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها). وهو ما جعله يسارع إلى (دفع المملكة لإضفاء طابع رسمي، على رغبتها في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية، لدول غرب إفريقيا).
ملك البلاد واثق من أن انضمام المغرب إلى المنظمة الإفريقية، التي هي امتداد طبيعي للاتحاد الإفريقي، سيساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي، والنهوض بالتنمية البشرية بالقارة.ويجدد التأكيد على أنه (قرار سياسي تاريخي، يشكل علامة بارزة، على درب تحقيق الاندماج الاقتصادي، الذي لا يمكن تصوره إلا كنتاج لكل التكتلات الإقليمية، خاصة في سياق أصبحت فيه التجمعات الجهوية، قوة وازنة في السياسة الدولية). الملك لم يكن انشغاله بالملف الإفريقي، ظرفيا، ولا من أجل التواجد داخل المنظمة الإفريقية، ولا من أجل كسب الدعم من أجل قضيته المشروعة (الصحراء المغربية) التي تكالب عليها أعداء الوطن.. لأنه ببساطة لا يمكن للمنظمة أن (تهش أو تنش) بدون التواجد المغربي، وأنها لا وزن لها في ملف الوحدة الترابية، الذي تمسكه الأمم المتحدة بقبضة من حديد.. وتدرك أنه لا حل له سوى بتطبيق المقترح المغربي (الحكم الذاتي والسيادة المغربية).
لكن العودة المغربية للمنظمة الإفريقية، وفق أجندة الملك محمد السادس، هي بداية لتكتل القوى الإفريقية، لأن إفريقيا هي المستقبل. ما يهم ملك البلاد هو تقدم القارة الإفريقية وخدمة المواطن الإفريقي، ومن (أهملها، أو قلل من مكانتها، بعدم الاهتمام بقضاياها أو بسياسة شراء المواقف، فهذه مشكلة تخصه وحده)..
لقد جعل الملك من 2017 سنة العطاء والتواجد الإقليمي والقاري والدولي بامتياز.. وخص القارة دول الإفريقية ب(أكثر من خمسين زيارة، قام بها لأزيد من تسعة وعشرين دولة، منها أربعة عشر دولة، منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة، من خلال شراكات تضامنية رابح-رابح). كان التركيز على أن سياسة (رابح – رابح)، بالانكباب على (المشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها، كأنبوب الغاز الأطلسي نيجيريا-المغرب، وبناء مركبات لإنتاج الأسمدة بكل من إثيوبيا ونيجيريا، وكذا إنجاز برامج التنمية البشرية لتحسين ظروف عيش المواطن الإفريقي، كالمرافق الصحية ومؤسسات التكوين المهني وقرى الصيادين)… وتعززت كذلك ب( شراكات اقتصادية، ورجوع المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والموافقة المبدئية على انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا).