إن ما يجرى ويدور في الساحة السياسية بالمغرب، منذ انتفاضة حركة 20 فبراير، وتسرب الدخلاء أصحاب المصالح إلى جسدها الطاهر، وتلويثه بأصحاب المصالح الشخصية والتلوينات التي انكشفت بمجرد أول عملية مسح، وبدون أدنى مبيض أو (جافيل)… إن ما وقع بعد تغريدة الاستفتاء وميلاد دستور 2011، الذي لازال في معظمه حبرا على ورق… لهو قمة العبث والاستخفاف ب(الشرعية)، وبأصوات الناخبين وكافة المواطنين الذين وبعد حراك مرير…ضنوا في البداية وللحظات أن الكوبل (عباس الفاسي/ عبد الإله بنكيران) سيرسمان لهم طريق الانتقال الديمقراطي، ماداما يمسكان بالمصباح المنير والميزان العادل…وماداما قد استعانا حينها بالكتاب الملقم بالشيعية والسنبلة الأمازيغة… لكن فجأة وبعد أول عيد ميلاد لهذا القران المحظور شرعا، بدأت إجراءات الطلاق دون اعتبار للشعب الذي زكا وأشر على زواجهما، وزفهما (مكرها أخاك لا بطل). وبعد أن رحل الزعيم عباس وعوضه زعيم ثاني شاء القدر أن يكون شباط…تم الطلاق الفعلي، ليتضح جليا أن طرق ومسالك الأحزاب يرسمها زعماءها، وأن تلك الأحزاب لا برامج لها ولا عهد لها مع الناخبين…
بالأمس خرج بعض الشعب لينتقي قادته لما بعد حراك 20 فبراير، الذين سيسهرون على تنزيل الدستور الجديد، ويؤمنون البلد من مخاطر اللصوص والمتربصين من داخل وخارج المغرب… وتم الانتقاء وتمت التزكية والقبول حتى من طرف اليائسين والمحبطين من غير المشاركين في تلك الانتخابات. على أساس أن القيادات الفائزة ستضع حدا لعشوائية التدبير والتسيير، وتغير من أساليب المماطلة والتأخير. وتعيد بريق البلد وتبنيه من جديد… وثق الشعب ببرامج تلك الأحزاب، ولو أنها كلها متشابهة، وقبل بما تيسر من عزيمة وإرادة أبان عنها المترشحون إبان حملاتهم الانتخابية. و أغمض الشعب عينه عن تلك التحالفات التي تمت بدون مرجعيات سياسية ولا برامج موحدة، على أساس إبراز نيته الحسنة…ليفاجأ الشعب ودون استشارته أن هناك حركة انتقالية واسعة بدأت تشكل من جديد داخل الأغلبية والمعارضة، وأنه مرغم على انتظار ما ستفرز من (كوبلات) جديدة، قبل العودة للحديث عن مطالبه وانتظاراته. لم يطل انتظار الشعب كثيرا، ليفاجأ بزواج ثان بين حزبين عاشا يتبادلا الضرب تحت الحزام. بين حزب إسلامي وعد الشعب باستئصال الفساد من جذوره، و بين حزب من يعتبرون أنفسهم أحرار البلد وحمامه، علما أن المواجهة بينهما كادت أن تنتهي غير ما مرة بمواجهة المنحرفين في الشوارع، بعد أن تبادل مسؤولا الحزبين أعنف وأحقر التهم. فجأة قاد بنكيران الإسلامي سفينة المغرب في اتجاه المجهول، ومسك بيد عدو الأمس، وسعادة السفير السابق الشيوعي الملقم بالإسلام، وسعادة المسؤول الحركي الذي حطم الأرقام القياسية في عمليات الاستوزار. اتفقوا على شعار (عفا الله عما سلف)، ورسموا طريق امتزج فيها الإسلام بالشيعة و(الأرنبات وداكشي)، ليولد تحالفا غريبا، جعل الإسلامي يقبل بضرب حشمة ووقار الشعب المغربي وتمريغ سمعة نساءه في الوحل، بإغراقه بالمثليين والشواذ جنسيا وأفلام الإباحة التي تمول من أموال الشعب. وجعل الشيوعي يلبس رداء الإسلام، ويقود حجاج بيت الله في سابقة هي الأولى من نوعها. إن السؤال الذي حير الشعب وأغلبه غير دارس للقانون الذي ينغم بأوتاره العارفين والنافذين، يتلخص أساسا في مدى شرعية عمليات الطلاق والزواج التي واظب رئيس الحكومة السابق على تنفيذها. وإذا كان الدين الإسلامي أجاز تعدد الزوجات في عدد أقصاه أربعة، بشرط الإنصاف والموازنة، وأجاز الطلاق وأبغضه، فإن شريعة السياسة المغربية في طريقها إلى تشريعات سياسية غريبة، جعلت الحكومة بدون أبواب ولا نوافذ. عرضة للتفكك والانزلاقات والتكتلات العشوائية اللامنطقية. والتي انتهت بترؤس ابن كيران حكومتين في نفس الولاية، وإجراءه تعديلات وزارية في المرة الثالثة لحفظ ماء الوجه، بعدما تلطخ بالشكولاطة والكراطة وما جاورهما من اختلالات…
مرت العاصفة، وكان الخاسر الأكبر هو المواطن الذي أصيب بالإحباط واليأس. ورغم كل هذا عاد المواطن المغلوب على أمره إلى وضع الثقة في رواد المصباح لولاية حكومية جديدة. إلا أن الزعماء السياسيين كان لهم رأيا آخرا. وخططا لا علاقة لها بالوضع المغربي. لتبدأ حرب التحالفات والمفاوضات السرية حول الحقائب الوزارية. وتعيش البلاد حالة من الشلل والعقم لأزيد من سبعة أشهر. انتهت بتدخل ملكي من أجل إعفاء رئيس الحكومة (الجديد، القديم)، وتغييره بزميله في الحزب الطبيب النفساني سعد الدين العثماني. هذا الأخير الذي يظهر أنه استفاد من كتاب (كيف يمكنك أن تشكل حكومة في 10 أيام). ليخرج بتشكيلة جديدة لا علاقة لها بأصوات الناخبين…ويدخل المغرب في متاهة أخرى..
إنكم بمواقفكم الفردية وبأنانيتكم وضيق مسالك أفكاركم يا زعماءنا البواسل (من البسالة طبعا بجزم الباء)، والكواسر(من الكسر أو الكسرة ديال الخبز)… تدخلون البلد يا سادة في مصير مجهول. تتوسلون وتتسولون أصوات المواطنين والمواطنات، وتتاجرون في بعضها لتحصدوا أكثر ما يمكن من المقاعد البرلمانية. وتحاولون ركوب سفن الإصلاح الوهمي بأشرعة ورقية تبلل وتمزق مع أول قطرة ماء أو ندى. تخوضون صراعات تافهة من أجل الانفراد بالحكم، وصراعات أخرى من أجل السيطرة والتحكم، وتراوغون الشعب بتبريرات واهية، لجعله يتقبل خرجاتكم ويقبل بترحالكم… أحزاب ألغت فترات النوم والاسترخاء إلى حين الظفر بمقاعد داخل الأغلبية أو التمكن من تحالفات معارضة قوية… وأحزاب تغرد خارج سرب الأغلبية والمعارضة، مدمنة ومهووسة بشعارات خارجية عن الديمقراطية والانفتتاح وتحمل شعار (حتى حاجة في المغرب ما كتعجب)، وكأن الديمقراطية والانفتاح التي تتغنى به، يتغذى به مناضلوها الذين يعيشون القمع والتهميش داخل هياكلها المتصدعة …. وأحزاب أخرى تقتات من الوضع السياسي وتحاول ترميم أسوارها وجدرانها… الخير كل الخير لهذه البلاد بتقاعدكم وابتعادكم عن العمل السياسي، كفاكم خلودا فإن خلفكم جيلا من الشباب الطموح للتغيير والنماء. كفاكم وقاحة واستعباد وارحلوا فإن برحيلكم يبرز وجه المغرب الجديد.