هو من سبر أغوارها، وحفظ عن ظهر قلب شعابها، ونشأ وترعرع بين مساربها، إنها جماعة سيدي اخديم قديما وشراط حديثا مسقط رأس أحمد الزايدي رحمه الله، الذي باغتته المنية على ترابها الجماعي غرقا داخل سيارته رباعية الدفع، وسط تجمع لمياه الأمطار بنفق موجود تحت الخط السككي المعروف ب “الباساج” هذا الحادث المفجع نزل كالصاعقة على أفراد عائلته ومحبيه، وكان لصدمته القوية وقع قوي على قلوب شريحة مهمة من الناس جعلتهم يشككون حتى في موته.
“الزايدي مات بفعل فاعل” نظرية وقناعة ترسخت في أذهان كل من لم يقتنع بطريقة موته غرقا داخل سيارته بعد معاينتهم للحادث بعين المكان، فهل فعلا مات أحمد الزايدي رحمه الله بفعل فاعل؟ الجواب: نعم، لقد مات رحمه الله كذلك، لكن هذا الفاعل لم يكن كائنا بشريا كما ذهب أصحاب تلك النظرية، فعاملا السياسة ومحاباة الفقيد رحمه الله جعلا الجميع يتحاشى مناقشة الفاعل الحقيقي الذي كان وراء وفاته، ولهذا لم يتم تسليط الأضواء عليه، وتداول أطراف الحديث حوله، هذا الفاعل القاتل لم يكن شيئا آخرا سوى الإهمال، الذي غالبا ما تكون كلفته غالية وعواقبه وخيمة، كوقوع الكوارث وسقوط الأرواح وتسجيل خسائر مادية فادحة.
بفعل الإهمال إذن مات أحمد الزايدي رحمه الله، لأن مكان وفاته تابع لجماعة شراط التي يرأس مجلسها القروي منذ عقود من الزمن، والسبب في وفاته هو ممر النفق الذي يعد نقطة سوداء بالجماعة، المعروف بسوابقه العديدة في محاولة إبتلاعه لمواطنين في أكثر من مناسبة، ولحسن حظهم كانوا يتخلصون من خطره سباحةً، تاركين سياراتهم تغرق وسط مياهه. وكان أحمد الزايدي رحمه الله حسب بعض الروايات التي تناولتها بعض الصحف، دائما ما يحذر شقيقه من المخاطرة بالمرور من النفق بالسيارة، وهناك أيضا أنباء تتحدث عن توصله بشكايات موضوع خطر النفق، وهو ما يدل على أن ذلك الخطر لم يكن بالأمر الخفي عليه، ومع ذلك لم تنصب إهتماماته رحمه الله بصفته رئيسا للجماعة ونائبا برلمانيا في الحد من خطورة هذا النفق، الذي ظل وسيظل شبحا مخيفا يهدد حياة المواطنين كلما تهاطلت الأمطار وامتلأ شريطه بمياهها.
مسؤولية الإهمال هاته لم يتحملها أحمد الزايدي رحمه الله لوحده، فهناك منظومة محلية تقاسمه ذات المسؤولية، فأين هو مثلا دور اللجنة الإقليمية لليقظة وتدبير المخاطر، المتكونة من السلطات المحلية، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، التي لم تكلف نفسها عناء الوقوف عند النقط السوداء بالإقليم، وتحذير المواطنين من خطرها المحذق، كالنفق الذي أودى بحياة أحمد الزايدي رحمه الله، كذلك المكتب الوطني للسكك الحديدية ووزارة التجهيز، لهما مسؤولية مشتركة في هذا الإهمال، عندما لايزوّدون هاته الأنفاق أثناء تجهيزها بفوهات جانبية، التي تساهم في عملية تفريغ مياه النفق لتمنع من إرتفاع منسوبها.
فلقد مات إذن أحمد الزايدي رحمة الله عليه بفعل الإهمال الذي يتحمل مسؤوليته جميع المسؤولين، وسيبقى هذا الفاعل يطارد حياة المواطنين إذا لم يعلن المسؤولون عن يقظتهم الدائمة، أثناء الأخطار الداهمة، لإتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة في حينها.